لا بُدَّ أن نميزَ بين المصيبة والمعصية. فالمعصيةُ من العبد، وهو مسؤول، ومُعاقَبٌ عليها؛ لأنه حُرُّ التصرُّف، وقد فعلها راضياً بها، ساعياً لها، مختارًا، ولا مُكْرَهاً، ولكنه لم يَفْعَلْها قسراً عن إرادة الله، إذ لا يجري في الكون شيءٌ إلا بإذن الله وإرادته. وقد رأينا أنَّ اللهَ يريدُ المعصية، ولكنه لا يرضى بها، وشرحنا ذلك في حينه.
وقد قال بعضُ العلماء: نحن نؤمنُ بالقدر والقضاء، ونحتجُّ بهما في المصائب لا في المعاصي والمعائب. فاحتجاجُ العاصي بالقضا تبجُّح لا يُرتضى.
والله تعالى قد خَلَقَ في العبد طاقةً على الحركة، والقول، والعمل، وأمره أن يستخدمَها في الخير، والحق، والإيمان، والفضائل، لا في الشرّ، والباطل، والكفر، والرذائل. وطالبه بإصلاح نفسه، وحذَّره من فسادها، ووعده إن هو امتثل واستجاب أن يفلح، وأوعده إن هو عصى، وأعرض عن الله، أن يخيب ويندم. قال تعالى:
{قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس: 9-10]
وأصابَ الحكمةَ، وكان على سداد ورشاد، مَن قال: «تُنسب الأعمالُ إلى الله خَلْقاً وإيجاداً، وإلى العبد كسباً وإرادة».
ففي اليد طاقةٌ يمكن أن تُستخدم لخير أو شر، والخير مفروضٌ والشر حرام ومرفوض، وفي العين طاقةٌ يمكن أن تُفتح لحلال أو حرام، والحلال مفروض، والحلال ممنوع ومرفوض. وفي الحديد يمكن أن تُستخدم للجهاد، والدفاع، وردّ الظلم والعدوان، وفي سبيل إعلاء كلمة الله، وحماية المؤمن أن يفتن في دينه، أو يُساء إلى حقوقه ومقدّساته، وذلك مطلوب ومفروض، ويمكن أن تُستخدم للجريمة، والظلم، وإقامة صروح الطغيان والفساد، وذلك حرام ومرفوض:
{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25]
والكتاب السماوي الوحيدُ الذي اهتمَّ بالحديد هو القرآنُ الكريم، فقد أفرد الله تعالى له سورة كاملة، هي سورة الحديد. وإن تعجبْ فعجب أن أمةَ القرآن، أمة سورة الحديد، هم أضعف الناس وأقلّهم خبرةً في مجال صناعة الحديد؛ الذي يُعتبر أهم المعادن في مضمار الحضارة، وساحة الحروب والجهاد!.
إنَّ حبذَ الدنيا، وكراهية الموت، جعلتهم على كثرتهم غثاءً كغثاء السيل، وقذفت في قلوبهم الوهن فتجرأ عليهم عدوهم.
ولقد كان مِن كَذِب الكفار، وسخفهم، أنهم ادّعوا أنَّ الله أرغمهم وآباءهم على الشرك، تهرُّباً من المسؤولية، وإصراراً على الباطل والكفر، فردذ اللهُ عليهم ردًّا مفحماً في سورة الأنعام [148]:
{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}
فهم كاذبون فيما ادّعوا، وما كفروا إلا باختيارهم. وقد رأينا أنَّ الإنسان حرُّ التصرف، مسؤول. ولذا جاءت الآية [149] من سورة الأنعام نفسها تتابع المعنى، وتقرّر حرّيةَ التصرُّف عند الإنسان، وأنَّ لله الحجة البالغة، إذ لم يُكره أحداً:
{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأنعام: 149]
أي: لو شاء إكراهكم على شيء لأكرهكم على الهدى، ولكنه منحكم حريةَ التصرُّف؛ لتحقيق سعادتكم في الدنيا والآخرة، إذ لا سعادة بدون حرية، فله عليكم الحجّةُ القاطعةُ البالغةُ، ولا دليلَ ولا حجةَ لكم فيما أقدمتم عليه من كفر، أو تحريم مُباح، أو تحليل حرام؛ إنما تتّبعون أهواءكم. وفي سورة الأعراف [28 – 29] ردّ مُفحم آخر للمشركين، الذين ادعوا كذباً وزوراً: أن الله أمرهم بما يقومون به من سوء، وفحشاء، وظلم:
{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ * قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} [الأعراف: 28-29]
والآية [30] بعد ذلك بيَّنتِ السببَ في ضلالهم، وكفرهم، وهو أنهم اتخذوا الشَّياطين، شياطين الإِنس والجن، أولياء لهم من دُون الله، وظنُّوا أنَّهم على صواب في ذلك:
{فَرِيقاً هَدَى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأعراف: 30]
فالناسُ فريقان، فريق اهتدى بهدى الله تعالى، وبابه مفتوح لكل من أراد وأقبل مخلصاً. وفريق ضلَّ مختارًا، فظهرت به وعليه آثارُ الضلالة من ندم، وخسارة؛ لأنّهم اتخذوا الشياطين أولياء… وجملة:
{إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ}
جملة استئنافية تعليلية، بيّنت سببَ ضلالهم وخسارتهم، وأَنَّ ذلك باختيارهم، لا بأمر من الله؛ لأن اللهَ لا يأمر بالفحشاء، بل بالحق، والعدل، والفضيلة.
والصَّحابةُ الكرام – رضي الله عنهم – قد عاشوا فترةَ الوحي وسألوا الرسول r عن كل شيء أشكلَ عليهم. وفي تاريخهم المشرق ما يدلُّ على فَهْم عميق للقضاء والقدر، فعمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهو الشديدُ في الحق، أُتي بسارق توفرت فيه شروطُ قطع اليد، فأمر عمر بقطع يده، فاستعطفه مُدَّعياً أنه لم يسرقْ قبلها قط، وأنه تاب، ولن يعود لمثلها أبداً، وأُقيم عليه الحد، فلحق به سيدنا علي – كرَّم الله وجهه – وقال له: إنَّ الذي أعرفه من عدالة الله ورحمته أنه لا يأخذ العبدَ من أوَّل ذنبٍ، فأسألك بالله أن تصدقني، فأجابه: لقد سرقت قبل هذه عشرين مرة أو أكثر، فلم أَرْعَوِ، ولم أزدجر حتى وقعتُ فيما أستحق من عقاب.
ألا ما أعدل الله في حكمه وخلقه! وما أجهل الإنسانَ وما أظلمه!:
{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم: 34]
وسيدنا علي – رضي الله عنه – أُتي بسارق فسأله: لِمَ سرقتَ؟ ظانًّا أن له عذراً يخفّف عنه. فأجاب السَّارق: قضاءً وقدراً. فظهر الغضبُ على وجه أمير المؤمنين علي – كرم الله وجهه – وقال: «اقطعوا يدَه لأنه سرق، واجلدوه ثمانين جلدةً لأنه افترى على الله الكذب، فالقضاء والقدر لا يسلبان من العبد الاختيار، ولا يوقعانه في حيّز الاضطرار».
وفي هذه القصة تأكيدٌ على حرية الإنسان في التصرف، وأنه مسؤولٌ عن قوله وعمله.
ولعلَّ من الجميل هنا أن نذكرَ قولَ سيدنا علي – رضي الله عنه – أيضاً: «من اتَّهم مسلماً بفاحشة – أي: قذفه بها – أقمتُ عليه حدَّ القذف ثمانين جلدة إن لم يأت ببيّنة، فإن اتهم رسولاً أو نبياً جلدتُه مئة وستين جلدة» أي: ضاعفت له العقوبة؛ لأن الرسلَ والأنبياء قدوة معصومون، وفي الطعن بهم كذبٌ، وافتراء، وتضليل للناس، وإفساد للأمة.
ففي سورة ص الآية [82 و 83] على لسان إبليس:
{قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 82-83]
والرسل والأنبياء هم أول العباد المخلَصين.
وفي سورة يوسف [24]:
{كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ}
فالشيطانُ يقرُّ أن لا سلطانَ له على أهل التقوى، والإيمان، والإخلاص ولاسيما الرسل والأنبياء. وصدق الله العظيم:
{إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [النحل: 99]
ولقد حرَّف اليهودُ التوراةَ، واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، واتَّهموا الأنبياءَ والرسل، بما لا يليقُ بهم خُلقاً، وعقلاً، وافتروا على الله الكذبَ، ودسّوا من الإسرائيليات المضلّلة المنحرفة الكثير؛ مما ينبغي التنبه له، ورفضه، وشجبه، وإنكاره، حيث قرأته، أو سمعته أو وجدته، حِرْصاً على الحقيقة، وحفاظاً على أخلاف الأفراد والأمم.
ولو رجعتَ إلى الأصول والنصوص الصحيحة لرأيتَ عصمة الرسل والأنبياء حقاً لا ريب فيه، فهم:
{الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً} [الأحزاب: 39]
أمَّا المصيبةُ فهي من الله تعالى، ولكنها تصيبُ الإنسانَ لحكمةٍ أرادها الله:
{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [الحديد: 22-23]
وكلمة ]لِكَيْلا[ تفيدُ التعليلَ، فما من مصيبة إلا بسبب، ولها عند الله هدفٌ معلومٌ، وأجل مسمَّى، وحكمة بالغة، تظهر للمتبصرين، وتَخفى على الغافلين.
وفي سورة النساء [78]:
{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُل كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً}
لقد جرتْ عادةُ الناس قديماً وحديثاً أنهم إن نالوا خيراً، أو فازوا به، قالوا: هذا كله من عند الله، وإن نزل بهم شر، أو أصابهم سوء عقاباً لهم على ضلالهم وانحرافهم، نسبوا ذلك لمن يكرهون أو يحسدون، وقالوا له: هذه من عندك. وهذا بعضُ ما قاله الكفار لرسول الله ﷺ كما في الآية الكريمة، فردَّ اللهُ تعالى عليهم، مُبَيِّناً أنهم قومٌ جاهلون، لا يفقهون، ولا يدركون الحقائقَ لعدم إيمانهم اليقيني، إذ لو كمل إيمانُهم لعلموا، وأيقنوا أَنَّ كلاًّ من الحسنة والسيئة من عند الله وحده، فَهُو سبحانه يجزي المحسنين خيراً مما عملوا، ويجازي المسيئين بمثل ما أساؤوا، زجراً وردعاً لهم في الدنيا، وجزاءً وفاقاً في الآخرة. فأنت تقرأ في سورة النجم [3]:
{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}
وفي سورة التحريم [7]:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
وفي سورة سبأ قصَّة قومٍ عاشوا في نعيم كبير، فكفروا بأنعم الله، وتحاسدوا وتباغضوا، وأعرضوا عن الله وشريعته، فهدم الله عليهم سدَّ مأرب، وأرسل عليهم سيلَ العرم، فتفرقوا أيادي سبأ، وتشتَّتوا في البلاد، ومُزّقوا كلَّ مُمَزَّق. لِمَ كان ذلك العذاب؟ كان بسبب كُفرهم:
{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} [سبأ: 17]
وفي سورة يس يذكر لنا اللهُ تعالى أنَّ أصحاب قرية – والأغلب أنها إنطاكية – جاءها المرسلون، فكفروا بهم، وقالوا لهم:
{إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُم} [يس: 18]
أي: تشاءمنا منكم؛ لانقطاع المطر عنا، ونزول القحط والبلاء بنا. فكان جوابُ المرسلين لهم:
{قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ} [يس: 19]
أي: إنَّ كُفْركم وإعراضكم عن الله والحق هو سببُ ما حلَّ بكم من سوء، وبلاء، فأنتم لا تهتدون – وإن ذكرتم – لأنكم ضالُّون، مسرفون، مصرُّون على ذلك.
وآية سورة النساء [78] التي شرحناها، لو تابعنا التلاوة لقرأنا بعدها الآية [79]:
{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}
فالحسنةُ من الله تعالى وبفضل منه:
{لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} [سبأ: 4]
والسيئة ذات شطرين:
1 – سبب.
2 – وعقوبة.
فأما السَّببُ فهو من العبد؛ لكفره، وظلمه، وإعراضه:
{وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]
وأما العقوبةُ فهي من الله تعالى:
{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً * لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً * جَزَاءً وِفَاقاً} [النبأ: 21-26]
فالعقوبةُ إذاً جزاءٌ عادل، وفاق لما اقترفت أيدي الكفار والمجرمين، ولما فرّطوا في جنب الله:
{إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً * فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً} [النبأ: 27-30]
وهكذا يظهرُ لنا العدلُ الإلهي الحقُّ جليًّا في الثواب والعقاب:
{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7]
{مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: 46]
وهاتان الآيتان تفسِّران بوضوحٍ آيتي النساء السابقتين [78-79] فتأمل.
وفي سورة الجن [10]:
{وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً}
ففعل ]أَرَادَ[ بُني للمجهول حيث ذكر الشر ]أُرِيدَ[. وبُني للمعلوم حيث ذكر الرشد والخير. وذكر الفاعل: ]رَبُّهُمْ [ إشارة إلى أن الحسنة والخير من الله، أما السيئة ]الشر[ فسببها جهل الإنسان وفسقه، والعقوبة من الله تعالى بعد ذلك عدل، وردع، وزجر.
أمَّا حين يُصاب الأنبياءُ والصالحون، فإنَّ في ذلك رفعاً لدرجاتهم، وزيادة في ثوابهم وحسناتهم، وتنبيهاً للنَّاس كي يقتدوا بهم في صبرهم، ورضاهم بقضاء الله وقدره، وحُسْن تصرُّفهم في الملمّات بما يرضي الله تعالى، فلا يقفوا عن العمل، ولا يفقدوا الأمل، يصبرون في الضرّاء، ويشكرون في السَّرَّاء.
وفي الحديث الشريف: «ما يُصاب المسلمُ من نصب، ولا وصب، ولا همّ، ولا غمّ، ولا أذى، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفَّر اللهُ بذلك من خطاياه»([1]).
و: «عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كلّه له خير، وليس ذلك إلا للمؤمن، إن أصابته ضرّاء صبر، فكان خيراً له، وإن أصابته سرّاء شكر، فكان خيراً له»([2]).
والإنسانُ مطالبٌ أن يأخذَ حذره، ويحمي نفسه من كلِّ شر وضرر، ويستدرك أمره؛ فيصحح خطأه، ويصلح ما أفسد، ويتعاطى لكلّ شيء أسبابَه، ويسلك إليه السَّبيلَ المشروع مستفيداً من العلوم، سائراً في دروب السَّلامة والأمن.
أما الذين يُهملون الأسبابَ، ويفرّطون بالواجبات، ويُعَرِّضون أنفسَهم للضرر والضرار، حتى إذا انزلقوا إلى خطرٍ، أو صاروا إلى ما لا تُحمد عُقباه، تعلَّلوا بالقضاء والقدر، فهم يجهلون، أو يتجاهلون، أنَّ ما فعلوه انتحارٌ، أو سعيٌ لانهيار، أو اندثار، يسألون عنه، ويعاقبون.
وما أجمل أن نذكّر هنا بحديث رسول الله ﷺ: «اعقلها وتوكَّل»([3]) فلا عُذْرَ لمهملٍ، أو مفرط، أو مسيء، أو مفسد، أو جاهل:
{وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 36] إذ لا عُذْرَ لهم.
أما مصيبةُ الموت فلا مجال للحذر منها، ولا محيص عنها، فهي مرتبطةٌ بانقضاء الأجل. وخلاصة ما يُطالب به المؤمنُ المسلم أن يَستقيم دائماً، فإذا جاءته المنيةُ فجأة ذهبَ إلى الله راضياً مرضياً:
{وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] والله تعالى يخاطبه فيقول له:
{يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي} [الفجر: 27-30]
ولله درُّ مضن قال:
هو الموتُ لم ينْج منه امرؤ ولو أنه في بروجٍ تُشَيَّد
يموتُ الصَّغيرُ كما أنه
يموتُ الكبير فهل من مخلد؟!
وما المرءُ إلا رهينُ الردى
فسبحانَ الذي بالبقاء تفرَّد
مصابُكَ إن شئتَ تخفيفَهُ
ففكّر بموتِ النبيِّ مُحمَّد
ومن قال:
إنَّ الطبيبَ له في الطبِّ معرفةٌ
مادام في أجلِ الإنسان تأخيرُ
حتى إذا ما انقضتْ أيامُ مُدَّته
حارَ الطبيبُ وخانَتْهُ العَقَاقِيرُ
وقد أمرنا رسول الله ﷺ أن نطلبَ السلامة، وأن لا ندعوَ بشر أو سوء، خشية أن تُصيب ساعة إجابة، فيستجاب لنا، فنخيب، ونندم، فخيرُ الناس مَن طال عمره، وحَسُن عمله.
والحياةُ فرصةٌ لعملٍ صالح، فلنغتنم كلَّ لحظة فيها بالعمل الصالح، يرضي الله تعالى، فنسعد في دنيانا وأخرانا، والليل والنهار فرصةٌ لمن أراد أن يذكَّر أو أراد شكوراً:
يا نفسُ إني قائلٌ فاستمعي
مقالةً من مرشدٍ ناصح
ما صاحبَ الإنسان في قبره
غيرُ التقى والعمل الصالح
وفي القرآن الكريم أدلَّةٌ كثيرة على حرية التصرف، ونسبة العمل من خير أو شر إلى العبد نفسه، مختاراً دون إكراه:
{وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد: 27]
قال تعالى:
{فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلاً} [المزمل: 19]
{فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً} [النبأ: 39]
{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ} [التكوير: 28]
{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر: 37]
{كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} [المدثر: 54-55]
{إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لَأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7]
{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ} [النحل: 30]
وفي الفاتحة:
{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7]
ولم يقل: – ولا المضلَّلين – فهم قد ضلُّوا مختارين، ولذا جاءتْ بصيغة اسم الفاعل لا المفعول.
ويظهرُ لك ذلك جليًّا في موقف المشركين واعتذارهم يوم الدِّين، حين يُظهر الحق، ويعلن، وتلزمهم الحجة فيندمون حيث لا ينفع الندم، ويتمنون العودة إلى الدنيا من جديد ليصلحوا حالهم، ويستدركوا أمرهم، ولكنهم لا يُجابون؛ لأنهم كاذبون، مصرُّون على الضلال والكفر باختيارهم، ولو ردّوا إلى الدنيا لعادوا لما نُهُوا عنه من كفر وضلال، ففي سورة الأنعام [27 و 28]:
{وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * بَلْ بَدَا لَهُمْ مَا كَانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}
وفي سورة المؤمنون [99-100]:
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ}
ويستعتبون بعد أن ينفخ في الصور ويدخلوا جهنم:
{أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ} [105]
فيعترفون بضلالهم، وأنهم ضلّوا باختيارهم:
{قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ} [106]
ويطلبون الرحمة، وأن يعطوا فرصة أخرى لعلهم يهتدون:
{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُون} [107]
فيقرّعون، ويذكّرون باستهزائهم بأهل الحق في الدنيا، والضحك منهم، والإساءة إليهم بإصرار وعناد:
{قَالَ اخْسَأُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ} [المؤمنون: 108-110]
فالعقابُ عادلٌ، جاء جزاءً وفاقاً لما جنتْ أيديهم، واقترفوا من إثم.
ولعل هذه العدالة الإلهية الكاملة تتضحُ لنا في سورة العنكبوت الآية [40] حيث ذكرَ اللهُ تعالى أنواعَ العقاب في الدنيا قبل الآخرة لمن ظلم وكفر، مبيِّناً أنَّ ذلك العقابَ إنما نزلَ بهم لظلمهم:
{فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً} – أي: كقوم لوط -:
{وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} – أي: كأهل مدين -:
{وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ} – أي: كقارون وأمثاله -:
{وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا} – أي: كقوم نوح الكافرين وفرعون وأعوانه -:
{وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}
وآيات سورة سبأ [15-17] تدعم هذا المعنى بوضوح:
{لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُور}
فالعقابُ الذي نزل بهم هو عقابٌ عادلٌ بسبب كفرهم بأنهم الله، وإعراضهم عن أوامره.
وفي سورة النبأ الآيات [21-30]:
{إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَاداً * لِلطَّاغِينَ مَآباً * لابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً * لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً وَلا شَرَاباً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً * إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً * جَزَاءً وِفَاقاً * إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّاباً * وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً * فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً}
وجملتا: {إِنَّهُمْ كَانُوا لا يَرْجُونَ حِسَاباً * وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَّابا}
جملتان تعليليتان، تبينان سببَ ما نزلَ بأهل جهنم من عقاب، وما قُدِّم لهم من شراب.
أَمَّا حديث: «إِنَّ أحدكم ليجمعُ خَلْقُهُ في بطن أمه أربعين ليلة، ثم يكون علقةً مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسلُ إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويُؤمر بأربع كلمات: أجله، وعمله، ورزقه، وشقي أو سعيد»([4]).
فالذي يتضحُ لي أن الرواية الرَّاجحة قالت: «ويُؤمر بأربع كلمات» ولم تقلْ: ويكتب، مما يدلُّ على أنَّ الملك ينفخُ الروح، ويرافق الإنسانَ ليكتب تلك الأربع بعد وقوعها لا قبله، كما يظن الكثيرون.
ذلك أنَّ الأوامرَ والنَّواهي في القرآن الكريم، والسُّـنَّة الشريفة، لن يكون منها أيَّة فائدة إذا كانت تلك الأربع مفروضة قسراً وجبراً على الإنسان – باستثناء الأجل – ولو كان الأمرُ كذلك لاحتجَّ الكسولُ لكسله، والمتخاذل لتخاذله، والظالم لظلمه، والمفسد لفساده؛ بالقضاء والقدر. ولأُهملت الفروض والواجبات، وانتشرت المفاسدُ والموبقات بحجّة أَن الإنسان ريشةٌ في مهبِّ الرياح، قد فُرِض عليه قولُه وعملُه من الأزل، ولا يملك له تغييراً.
والأدلة القرآنية، والأحاديث الصحيحة، تدعمُ وتؤيد أَنَّ ذلك يُكتب على الإِنسان بعد أن يفعله لا قبله، ولعل أهمّها مايلي.
آية آل عمران [181]:
{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}
ولم يقل: (كتبنا) – في الماضي – بل قال ]سَنَكْتُبُ [ – في المستقبل –.
وفي سورة التوبة [120]:
{وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} أي: كتب ذلك بعد ما فعلوه، وهذا ما تقتضيه قواعدُ اللغة العربية.
وفي سورة يونس [21]:
{إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ} بصيغة المضارع.
وفي سورة الأنبياء [94]:
{فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ}
أي: باستمرار إلى أن يموت.
وفي سورة يس [12]:
{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ}
وفي سورة الزخرف [19]:
{سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلونَ}
وفي سورة الزخرف [80]:
{أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ}
بصيغة المضارع المفيد للحاضر والمستقبل.
وفي سورة ق [18]:
{مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}
أي: يرافقه ملك يكتبُ عنه كلَّ شيء.
وفي سورة الانفطار [10-12]:
{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}
فهذه الآياتُ الكريمةُ واضحةُ الدلالة على أنَّ الملائكة تكتب أقوال وأفعال العباد بعد وقوعها لا قبله، مما يوافق ويؤكِّد عدل الله تعالى المطلق الكامل:
{وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً} [الكهف: 49]
([1]) رواه البخاري ومسلم.
([2]) رواه أحمد ومسلم.
([3]) رواه الترمذي وابن حبان.
([4]) رواه البخاري ومسلم.