إن النص التاريخي للقصص القرآني يأخذ القصة من دائرة السرد التاريخي إلى دائرة الاهتمام بالأهداف والمقاصد، فهو ليس تسلسلاً زمنياً لأخبار الماضي وتسجيل حياتهم وشؤونهم – كما هو الحال مع الكتب المقدسة – بل هو مجموعة مختارة من الأحداث التي تناسب أهدافه وغاياته. ويبقى النص التاريخي للقصص حقيقة واقعية، لم ينتج من خيال، ولم يجنح إلى ابتذال، قال تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ} (الكهف:13).
إن إخضاع النص التاريخي لقصص الكتب المقدسة للحقائق التاريخية؛ للتأكد من صحته من القضايا التي استحوذت على انشغالات المؤرخين وحظيت باهتمام المحققين في العصر الحديث، متجاوزة مناهج البحث الاستشراقي المتأثر بالفرضيات المسبقة والأحكام الجاهزة.
وأسطع مثال على ما تقدم؛ أنه في سياق حديث التوراة عن عبور بني إسرائيل البحر الأحمر بقيادة موسى عليه السلام، تسلط الأنظار على الاختلاف بين القرآن الكريم والكتب المقدسة الأخرى في طريقة تناولها للحدث. القرآن الكريم يشير إلى نجاة جثة فرعون بعد الغرق، بينما الكتب المقدسة الأخرى تذكر فقط غرق فرعون وجنوده أثناء مطاردتهم لموسى عليه السلام، دون ذكر مصير جثمانه.
وتأتي الدراسات المصرية القديمة لتبطل وتنقض الرواية التوراتية، مؤكدة أن تاريخ ملوك مصر لم يسجل اختفاء فرعون المعاصر لموسى في البحر الأحمر. هذه الحقيقة التاريخية أكدها الطبيب الجراح «موريس بوكاي Maurice Bucaille» رئيس لجنة الجراحة والتشريح المسؤولة عن فحص دراسة مومياء الفرعون المصري رمسيس الثاني في سبتمبر 1976م، حيث تبين إصابتها بعدوى فطرية، وتم نقلها إلى فرنسا لإجراء الفحوصات الطبية الحديثة. وبعد دراسة علمية دقيقة توصل «موريس بوكاي» إلى نجاة جثة فرعون بعد الغرق، وكان هذا الاكتشاف مفاجئاً له، خاصة عندما علم أن القرآن الكريم يذكر قصة غرق فرعون وسلامة بدنه بعد الغرق.
قال تعالى: { فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِـمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ } (يونس :92).