في قلب الدوحة، وفي لحظة تاريخية، تشهد العاصمة القطرية انطلاق أول نسخة من “المؤتمر الدولي للاستشراق”، جامعًا كبار المفكرين والمستشرقين من أكثر من 50 دولة لمناقشة قضايا العصر برؤية جديدة! حيث يجتمع كبار العقول من الشرق والغرب لصناعة مستقبل جديد للتواصل الحضاري!

بشعار “نحو تواصل حضاري متوازن”، يسعى المؤتمر الدولي للاستشراق إلى تجاوز الأطر التقليدية لدراسات الاستشراق، مؤسسًا لحوار علمي عميق يتناول دور الاستشراق في بناء فهم معاصر ومتوازن بين الشرق والغرب.

هذه المبادرة الفريدة تفتح أفقًا واسعًا أمام الباحثين لتفكيك الصور النمطية، وإعادة قراءة العلاقة بين الحضارات، مما يرسخ التواصل الإنساني القائم على الفهم والاحترام المتبادل.

بمشاركة أكثر من 300 باحث، يبحث المؤتمر تطورات الاستشراق وأسئلته الكبرى في عصر العولمة وما بعد الرقمنة، متجاوزًا القراءات التقليدية نحو مقاربات معاصرة وعادلة.

هذه المنصة الفكرية الاستثنائية تمنح الأكاديميين والباحثين فرصة نادرة للحوار المفتوح وتبادل الرؤى، ما يسهم في بناء جسور مستدامة بين الثقافات الإنسانية المختلفة.

نحو تواصل حضاري متوازن

أعمال المؤتمر الدولي للاستشراق انطلقت السبت 26 أبريل 2025 في الدوحة في نسخته الأولى تحت شعار “نحو تواصل حضاري متوازن”، ويستمر على مدار يومين بمشاركة نخبة من المستشرقين والمفكرين والباحثين من مختلف أنحاء العالم، ليكون نقطة تحول في مسار الدراسات الاستشراقية، متجاوزا الأطر التقليدية نحو رؤية عصرية تؤسس لحوار حضاري عميق.

ويأتي تنظيم المؤتمر الدولي للاستشراق بمبادرة من وزارة التربية والتعليم والتعليم العالي ومركز مناظرات قطر، بالشراكة مع اللجنة الدائمة لتنظيم المؤتمرات بوزارة الخارجية، وبالتعاون مع جامعة قطر، وجامعة حمد بن خليفة، ومعهد الدوحة للدراسات العليا، إضافة إلى مؤسسات دولية مثل جامعة لايدن الهولندية، ومعهد الدراسات المتقدمة في سراييفو، وجامعة داغستان الحكومية.

منصة فكرية وأكاديمية قطرية جديدة

ويعد المؤتمر، في نسخته الأولى، منصة فكرية وأكاديمية لدراسة الاستشراق الجديد وتجلياته المختلفة، حيث يجمع نخبة من المستشرقين والمفكرين والباحثين لبحث واقع الدراسات الاستشراقية وتطورها، واستعراض مواقفها التاريخية والمعاصرة من قضايا العصر، فضلا عن تفاعل الشرق والغرب عبر التاريخ.

ندوة بمؤتمر دولي حول الاستشراق في الدوحة، مع متحدثين يتبادلون وجهات النظر حول القضايا الثقافية. الجمهور يتفاعل مع النقاش، بينما يظهر على المنصة أربعة رجال في ملابس رسمية.
جانب من ندوات المرتمر الدولي للاستشراق

ويهدف المؤتمر الدولي للاستشراق إلى تمكين الباحثين من تبادل الخبرات مع كبار العلماء في مجالات الاستشراق والدراسات العربية والإسلامية، وتعزيز سبل التعاون المستقبلي بينهم، بالإضافة إلى إعادة قراءة مفهوم الاستشراق وتحليله من منظور معاصر، مع التركيز على تعزيز الحوار بين الحضارات، وتفكيك الصور النمطية السائدة، وخلق توازن بين المقاربات الفكرية المختلفة، من خلال لقاءات علمية مفتوحة، تسهم في نقل الاستشراق من دائرة التوترات الأيديولوجية إلى فضاء البحث العلمي الرصين، بما يعزز التواصل بين المجتمعات الإنسانية.

الاستشراق الجديد وأسئلة المؤتمر الدولي للاستشراق

الاستشراق، هل هو من مخلفات الماضي أم تحدٍ معاصر؟

ليس الاستشراق بأبعاده المتنوعة بالموضوع الجديد، لكن هذا لا ينفي مشروعية الاستمرار في درس الاستشراق؛ فهو ليس حدثا عارضا ولا موضوعا ظرفيا، وإنما هو عملية مستمرة لن تتوقف ما دام الغرب مستمرا باتصاله بالشرق. وأما الذي يستجد ويتغير فهو طبيعة المقاربات والأبعاد والقضايا التي يدرس الاستشراق في ضوئها، فهي تختلف باختلاف السياق والتحيزات والمرجعيات.

يتمركز الاستشراق حول دراسة الغرب للشرق، وفيه يكون الشرق موضوعا والغرب باحثا. ويهيمن فيه الخطاب الحداثي المعاصر على كثير من مفاصل المعرفة الشرقية والإسلامية، فالاستشراق هنا يشكل وعي الغرب تجاه الشرق.

بيد أن الاستشراق الجديد – المرتبط بالوعي الشرقي للاستشراق وانعكاسه على فهم الشرق للغرب- أصبح يشكل وعي الشرق تجاه ذاته ومقاربة الغرب للواقع السياسي والاقتصادي والفكري والحضاري المعاصر في الشرق. وبذلك تتكامل معادلة التواصل الحضاري المتوازن.

من أسئلة المؤتمر:

  1. ما الذي استجد في الدراسات الاستشراقية تجاه الإسلام والعالم العربي؟
  2. ما أشكال الاستشراق الجديد واتجاهاته ومناهجه؟
  3. كيف ستنعكس مرحلة ما بعد العولمة والمركزية الأوروبية على مسارات خطاب الاستشراق؟
  4. إلى أي مدى لا يزال الاستشراق الجديد يسهم في صناعة القرار الغربي؟
  5. بماذا يفترق الاستشراق في الشرق عن نظيره الأوروبي الغربي؟
  6. ما مستجدات الاستشراق بعد الثورة الرقمية؟

فكرة المؤتمر الدولي للاستشراق

جاءت فكرة تأسيس مؤتمر سنوي ينظر في مستجدات الاستشراق، سواء على المستوى المنهجي أو المعرفي أو الموضوعي، ويسعى للتقريب والموازنة بين مختلف المقاربات والاتجاهات من خلال اللقاءات العلمية المباشرة والمفتوحة، وذلك في إطار السعي لانتشال الاستشراق من دائرة التوترات الأيدلوجية والتحيزات المسبقة إلى دائرة البحث العلمي الجاد الذي نطمح أن يؤسس لتواصل بناء بين المجتمعات الإنسانية.

شعار المؤتمر الدولي للاستشراق في الدوحة، يتضمن تصميمًا حديثًا بألوان مميزة. يتكون النص من كلمات عربية وإنجليزية، مما يعكس أهمية الحدث في مجال الاستشراق.

المؤتمر الدولي للاستشراق هذا، هو الأول من نوعه عن الاستشراق، ويعقد في عاصمة دولة قطر الدوحة، ليقدم منصة فكرية وأكاديمية للمستشرقين والمفكرين والباحثين؛ ليناقشوا بكل موضوعية حال الدراسات الاستشراقية وتطورها ومواقفها القديمة والمعاصرة من قضايا العصر وصيرورة التفاعل بين الشرق والغرب. كما يهدف إلى إتاحة الفرصة للباحثين للاشتباك والاستفادة من خبرات كبار العلماء في مختلف مدارس الاستشراق والدراسات العربية والإسلامية في العالم، ويوفر إمكانية التواصل معهم في المستقبل.

رئيس المؤتمر: تناول التجربة البشرية بلا حساسيات

وشهدت الجلسة الافتتاحية كلمة لسعادة السيدة لولوة بنت راشد بن محمد الخاطر، وزير التربية والتعليم والتعليم العالي، ورئيس المؤتمر الدولي للاستشراق، أكدت خلالها أن المؤتمر يوفر مساحة آمنة للنقاشات الفكرية العميقة والجادة بعيدا عن الحساسيات.

وقالت سعادتها: “نجتمع اليوم لخلق توازن فكري ساحر يشبه ما أوجده ليو تولستوي في رائعته “الحرب والسلام”، من خلال الجمع بين الحس الشعبي والنقد الأدبي المختص”، مضيفة أن المؤتمر يسعى إلى إعادة اكتشاف العلاقة بين الدراسات الاستشراقية وأعمال تولستوي الأدبية.

ومن أبرز ما جاء في كلمة السيدة لولوة الخاطر، خلال حفل افتتاح المؤتمر الدولي للاستشراق :

  1. خلق مساحة آمنة لنقاشات فكرية عميقة وجادة بلا حساسيات
  2. الانعتاق من الحالة السجالية العدمية بين الشرق والغرب بوصفها حربا
  3. تفكيك ثنائية الشرق والغرب وتناول التجربة البشرية بأبعاد حضارية متعددة
  4. عدم الاكتفاء في مقاربة الاستشراق بما طرحه إدوارد سعيد وما بعد الكولونيالية

الاستشراق المعاصر والتقريب بين الحضارات

كما تضمن الافتتاح كلمة ضيف الشرف سعادة البروفسور إبراهيم كالن، الأكاديمي والسياسي التركي، تلتها جلسة حوارية فردية رفيعة المستوى أدارها الإعلامي سامي زيدان، تناولت قضايا الاستشراق المعاصر ودوره في التقريب بين الحضارات.

وفي إطار فعاليات اليوم الأول، نظمت جلسة حوارية بعنوان “نحو تواصل حضاري متوازن”، استضافت سعادة البروفسور غسان سلامة، وزير الثقافة اللبناني، وسعادة الدكتور مامادو تانغارا وزير الخارجية والتعاون الدولي في جمهورية غامبيا، والدكتور إيوجين روجان، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة أكسفورد، وأدار الجلسة الإعلامي جمال الشيال.

تجمع حاشد في مؤتمر يتضمن مجموعة من الأشخاص يجلسون في قاعة مؤتمرات حديثة. يظهر خلفهم شاشة كبيرة تحمل شعار المؤتمر. الجلسة تتضمن متحدثين أمام جمهور متنوع، مع وجود معدات إعلامية في الزاوية.

وتم خلال الجلسة طرح عدة تساؤلات حول كيفية الحفاظ على التوازن بين القيم الثقافية وتفادي النزاعات، وأهمية التواصل الحضاري في بناء علاقات قوية ومستدامة بين الشعوب.

وفي هذا السياق أوضح البروفيسور محمود الحمزة، رئيس اللجنة العلمية للمؤتمر، أن المؤتمر يعد الأول من نوعه في المنطقة العربية، ويركز على مفهوم “الاستشراق الجديد”، الذي نشأ قبل نحو خمسين عاما، متجاوزا الاهتمام التقليدي بالدين والثقافة والتاريخ، ليتناول أيضا القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

ويتضمن برنامج المؤتمر الدولي للاستشراق جلسات علمية متخصصة، وحوارات ثقافية مفتوحة، إضافة إلى فعاليات ثقافية تعكس التنوع الحضاري للمشاركين، إلى جانب جلسات شبابية تهدف إلى إشراك الجيل الجديد في الحوار الحضاري وتعزيز التفاهم بين الثقافات.

300 باحث من 50 دولة

ويشارك في المؤتمر الدولي للاستشراق أكثر من 300 باحث من 50 دولة، من بينهم نخبة من القامات العلمية العربية والغربية، تحت إشراف اللجنة العلمية للمؤتمر، التي يترأسها الأستاذ الدكتور محمود الحمزة، بروفيسور الرياضيات وباحث في تاريخ العلوم العربية والإسلامية والاستشراق الروسي، إلى جانب شخصيات بارزة و عدد من الأكاديميين البارزين، ومنهم الدكتور خوسيه بويرتا (إسبانيا)، والدكتور باولو برانكا (إيطاليا)، والدكتور جورج غريغوري (رومانيا)، والدكتور دميتري ميكولسكي (روسيا)، والدكتور سعيد مايانزي (الصين).

إضافة إلى نخبة من الباحثين والأكاديميين من المؤسسات القطرية، حيث يشارك في المؤتمر عدة أساتذة من بينهم الدكتور حامد عبد الماجد، والدكتور نايف بن نهار (جامعة قطر)، والدكتور مصطفى الأمين (جامعة حمد بن خليفة)، والدكتور عبد القادر بخوش (جامعة قطر).

ويهدف المؤتمر إلى إعادة قراءة مفهوم الاستشراق من منظور معاصر، وتفكيك الصور النمطية السائدة، وتعزيز الحوار العلمي بعيدا عن التحيزات الإيديولوجية، بما يسهم في تأسيس تواصل بناء ومستدام بين المجتمعات الإنسانية.

وتؤكد استضافة دولة قطر لهذا المؤتمر التزامها الدائم بدعم الحوار الثقافي وتعزيز التواصل الحضاري بين شعوب العالم، وترسيخ مكانتها كمنارة عالمية للفكر والثقافة والتعليم.