لم يذكر القرآن الكريم ولا السنة النبوية الشريفة ولا كتب التراث الإسلامي مفردات: “عطلة Off” “إجازة vacation”، “حفلة ceremony” “نهاية أسبوع weekend” “اليوم العالمي International day”. والنصوص التي وصلت إلينا في هذا الصدد تنحصر في كلمة “العيد” فقط: عيد المسلمين المشروع، وأعياد غير المسلمين المذمومة، لكن:

• ما الفرق بين العيد، والإجازة، والعطلة، وهل للبُعد المكاني والزماني وتطورهما دور في ذلك، فكان لهما أثر على الحكم الفقهي؟

• وماذا عن الأعياد الجديدة التي اصطنعت من بعد بحكم المدنية والحضارة والتي لم يبتدعها دين من الأديان، وليست لدين دون آخر؛ عيد الاستقلال واليوم الوطني مثلا؟
معرفة مفهوم المصطلحات السابقة، وتطورها الزمني عنصرٌ مساهم في الخروج بالموقف الشرعي، ويرتبط حكم كل مسألة بمفهوم المصطلح نفسه، وهذا يقرر ضابط “بالمعروف” كمصدر من مصادر التشريع.

خصائص المجتمعات القديمة

ومن أهم خصائصها:

• الأمّية وشيوع الجهل: فغالبية المجتمع لا تقرأ ولا تكتب. (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ)، “نحن أمة أمية لا نكتب ولا نحسب الشهر هكذا وهكذا ” وأغلب الناس لا تعرف تاريخ ميلادها. وأثر هذا واضح على الأحداث التاريخية، وفي تحديد حوادث السيرة النبوية الشريفة!

• الأُمميّة: مجموعة قبائل وعشائر يتقاسمون العيش في مكان ما ويربطهم رابط ثقافة واحدة والولاء لها. ” وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً” ” وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ” فأكثر الناس لا تعرف إلا أيديوليجة أُمتها!
• مبدأ الدين الواحد: ويُطبق هذا الدين على الجميع، وهو دين الملك “الناس على دين ملوكهم”. وكان ذاك الدين مقدسا لا يمس ولا يتغير (إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ)، (أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) ومن هنا كان النفي عقوبة!

• مقوقعة على الذات (المحلية): تسعى لأمن نفسها، ولا ترتبط بغيرها، والكبيرة تحاول إخضاع الصغيرة لها، والسيطرة عليها.

• التقشف في الحياة، ونسبية الحضارة: إذ البداوة ومحدودية المادة والموارد من أهم المظاهر الاجتماعية والأسرية والسياسية والاقتصادية آنذاك. وهذا واضح في أحاديث الاستنجاء والغسل، وفي أبواب الوضوء والغسل وحقوق الزوجين!

• الاستقلالية في الأعمال وتوريثها الطابع العام في الوظائف هي الفردية واليدوية، والمهنة تُتوارث كابرا عن كابر، فولد النجار والحداد والفواكهي يرث عمل أبيه!

خصائص المجتمع الحديث

يتميز بأمور عكس المجتمع القديم وهي:

• التعليم: فغالبية المجتمع تقرأ وتكتب. وأصبح ذلك حقا من الحقوق! وإن الطفل الصغير يعرف تاريخ ميلاده قبل الكبير!

• الحدود الجغرافية: فثمة دول لها حدود جغرافية معروفة، ولها أنظمة قيادية جديدة تختلف عما ذي قبل! يذكر عيد الاستقلال هنا ولا يصلح أن يذكر هناك، والمواطنة مبنية على الجغرافيا لا العِرق أو الدين!

• مبدأ التعددية: لا يحكم الدولة دين الملك، فلأفراد حق المخالفة، فقد توجد أحزاب معارضة، والقانون يحمي الجميع، كما قد يوجد أكثر من دين في البلد دون حرج! ومن هنا يوجد أكثر من عيد وفق الأديان القائمة!

العولمة: دول مفتوحة على بعضها، يمكنها العيش على الحدث نفسه، مع سهولة التواصل. فيمكن إيجاد يوم عالمي للعمال، وللوالدة وغير ذلك تأكيدا على المبادئ الإنسانية. واضمحلّ ضابط التشبّه!

• الحضارة والعيش على الرفاهية: فمساكن الناس وأدواتهم المنزلية، ومراكبهم وأماكن تفسحهم وحتى عباداتهم تختلف عما قبل. فتعددت أنماط الاحتفال وإن الطفل يحتفل بعيد ميلاده من باب المدنية والحضارة (عُرْف) لا من باب الدين!

• الاعتماد على الوظائف الحكومية والخاصة ومؤسسات المجتمع المدني: فأغلب الناس يعمل لدى جهة بحكم التعليم والشهادات والمؤسسات المدنية الحديثة!

مفهوم العيد والعطلة والإجازة واليوم العالمي

لم يجدْ لنا الصدر الأول من هذه المصطلجات إلا “العيد” وهو المرتبط بالعبادة والطقوس الدينية، ولم تعرف القواميس القديمة -العربية وغيرها- باقي المصطلحات التي جاد بها المجتمع الجديد، ناهيك عن الفرق بين “العيد” و”الإجازة” و”العطلة”. وفيما يلي بيان مفهوم ذلك:

1. العيد (Festival or Holiday): هو يوم مقدس في دين من الأديان لارتباطه بذكرى الدين وتاريخه، وهو يوم فرح وعبادة عندهم. مثل النيروز والأضحى والفصح ..وغيرها!

2. “عطلة Day-off”: اليوم الذي لا دوام فيه لدى شخص ما، علما أن ذاك اليوم يوم عمل رسميّاً!

3. “إجازة vacation”: اليوم الذي لا دوام فيه رسميا في العمل أو المدرسة أو الجامعة. ويخصص للراحة، وعادة يرتبط بالسفر من وإلى، مثل عطلة منتصف الفصل وعطلة الصيف.

4. “حفلة ceremony”: حدث ينظم لمناسبة ما، مثل التخرج والفرح برجوع المسافر، أو الإفراج عن سجين. وقد تدخل فيها الأمور السابقة كما قد تستقلّ، لكنها جزء من جوهري في العيد، فلا عيد بدون احتفال، لكن ثمة احتفالات بدون عيد!

5. “نهاية أسبوع weekend”: اقتضى نظام التوظيف الحالي العمل خمسة أيام في الأسبوع في كثير من الدول، والتعطل يومان، يعرفان بنهاية الأسبوع، سواء كانا الجمعة والسبت، أو السبت والأحد أو غيرها.

6. “يوم عالمي International day”: تقديرا لمبدء من المبادئ، على أنه ليس دينا ولا عيدا، يعرف باليوم العالمي: للأم، للزوجة، للأب..

وهكذا يتبين:

• أنه ثمة فرق بين العيد، وباقي المصطلحات، وأنها لا تأخذ نفس حكم العيد. فالعيد عبادة وطقوس دينية بالضرورة، والمصطلحات الأخرى ليست كذلك.

• وإن المناسبات الجديدة التي اصطنعت من بعد بحكم المدنية والحضارة والتي لم يبتدعها دين من الأديان، وليست لدين دون آخر؛ عيد الاستقلال واليوم الوطني مثلا، لا يُؤخَذ موقف الشرع فيها من موقفه من “العيد”. فلا يقاس حكم “عطلة الصيف” و”اليوم العالمي” “وحفلة التخرج” الغير منصوص عليه (نتاج المجتمع الجديد) بحكم “العيد” المنصوص عليه “بحكم المجتمع القديم”.

أخيرا لعل ما سبق بدهي ولا ينبني عليه كثير جدال واستغراب، لكن الأعمق من ذلك هو ما سيأتي في الجزء الثاني إن شاء الله، فهل يمكن أن يقسم العيد نفسه إلى اعتبارين في هذا العصر في دول متعددة الأديان خاصة؛ فيكون عيدا باعتبار العبادة والتقديس لدى أصحاب الدين، وعطلة أو إجازة لدى آخرين فلا تقديس ولا عبادة ولا دوام أيضا؟