إنَّ فضائل القرآن الكريم ، والذّكر الحكيم ، والنُّور المبين ، وحبل الله المتين ، عديدة ومتنوعة ، ومزاياه كثيرة ، وعطاياه واسعة مجيدة ، وهذا من فضل الله علينا وعلى الناس ، ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون .
ومن عبادات المسلم التي يَتقرّب بها إلى الله تعالى : قراءة القرآن وترتيله وتجويده ، وفهمه وتدبره ، ثم العمل به .
فما هي نيتك أيها المسلم , وأيتها المسلمة ؟ وأنت تقرأ القرآن العظيم ؟!
وقد قال رسول الله ﷺ :”إنما الأعمالُ بالنِّيات ، وإنما لكلّ امرئٍ ما نَوَى ” . رواه البخاري ومسلم من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
فإنّ تعظيم النيات واستحضارها ، وتكثيرها وتعدادها ، هي تجارة قلوب الصالحين ، من الصحابة رضي الله عنهم ، والتابعين لهم بإحسان ، والعلماء الربانيين ، فإنهم كانوا يعملون العمل الواحد ، ولهم فيه نياتٌ كثيرة ، يحصل لهم بها أجورٌ عظيمة على كل نيّة .
فعندما تتعدد النيات على العمل الواحد ، والطاعة الواحدة ، يتضاعف الأجر ، وتكثر المثوبة ، فتكسب أجراً على كل نيةٍ تنويها ، وحسنة على كل مقصد من المقاصد ، على العمل الواحد الذي تؤديه مرة واحدة .
ولذا قال يحيى ابن أبي كثير رحمه الله تعالى : ” تعلموا النيَّة ، فإنِّها أبلغُ من العمل” .
فلا ينبغي الغفلة عن هذا الباب المهم والمفيد ، والتشاغل عن تعلّمه وتعليمه .
وهذه بعض النيَّات ، التي يَحسن أنْ نَنْويها عند قراءة القرآن الكريم :
أولا نَحْتسب بقراءة القرآن امتثالَ أمرِ الله تعالى لنا ، والتعبّد لله سبحانه :فقد أمرنا سبحانه وتعالى بقراءةِ كتابه ، وتلاوة آياته ، وكذلك أمرنا رسوله صلَّى الله عليه وسلم وحثَّنا على ذلك ، فهي عبادةٌ عظيمة من العبادات ، وقد توعَّد اللهُ عز وجل مَن أعرضَ عن تلاوته واتباعه ، وغفل عنه ، ونسيه وتناساه ؟!.
1- فقال عز وجل آمراً رسوله صلَّى الله عليه وسلم ، والأمر نافذٌ إلى أمته : ( واتلُ ما أُوحي إليك من كتابِ ربّك لا مُبدّل لكلماته ولنْ تجدَ من دونه مُلتحدا ) الكهف : 27 .
فقوله عز وجل : ( واتل ) أي : واقرأ يا محمد ( ما أوحي إليك من كتاب ربك ) يعني : القرآن ، واتّبع ما فيه ( لا مُبدل لكلماته ) قال الكلبي : لا مُغير للقرآن . وقيل : لا مغير لما أوعد بكلماته أهل معاصيه . ( ولن تجد ) أنت ( من دونه ) إن لم تتبع القرآن ( ملتحدا ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : حرزا . وقال الحسن : مدخلا . وقال مجاهد : ملجأ . وقيل : مَعْدلا . وقيل : مهرباً . وأصله من الميل . (انظر تفسير البغوي ) .
وقال الحافظ ابن كثير في هذه الآية : ( واتلُ ما أوحي إليك من كتابِ ربك ..) يقول تعالى أمراً رسوله عليه الصلاة والسلام ، بتلاوة كتابه العزيز ، وإبلاغه إلى الناس . ( لا مُبدّل لكلماته ) أي : لا مُغير لها ولا مُحرّف ولا مُؤوّل .
وقال الإمام ابن جرير :” واتبع يا محمد ما أُنـزل إليك من كتاب ربك هذا ، ولا تتركن تلاوته واتباع ما فيه من أمر الله ونهيه ، والعمل بحلاله وحرامه ، فتكون من الهالكين ، وذلك أن مصير مَن خالفه ، وترك اتباعه ، يوم القيامة إلى جهنم .
( لا مبدل لكلماته ) يقول لا مُغير لما أوعد بكلماته التي أنـزلها عليك ، أهل معاصيه ، والعاملين بخلاف هذا الكتاب الذي أوحيناه إليك .
وقوله (ولن تجد من دونه ملتحداً) يقول : وإنْ أنت يا محمد ، لم تتلُ ما أوحي إليك من كتاب ربك ، فتتبعه وتأتم به ، فنالكَ وعيدُ الله الذي أوعد فيه المخالفين حدوده ، لن تجد من دون الله موئلاً تئل إليه ، ومعدلاً تعدل عنه إليه ، لأنَّ قدرةَ الله محيطةٌ بك وبجميع خلقه ، لا يقدر أحدٌ منهم على الهرب من أمرٍ أراد به ، إنْ أنت يا محمد ، لم تتلُ ما أوحي إليك من كتاب ربك ، فانه لا ملجأ لك من الله ، كما قال تعالى ( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وانْ لم تفعل فما بلغتَ رسالته والله يعصمك من الناس ) المائدة : 67 .انتهى
وقال القرطبي : قيل هو من تمام قصه أصحاب الكهف ; أي : اتبع القرآن فلا مبدل لكلمات الله ، ولا خُلف فيما أخبر به من قصه أصحاب الكهف . انتهى
2- وقال تعالى : ( اتلُ ما أُوحي إليك من الكتابِ وأقم الصلاة ) العنكبوت : 29 .
أي : اتل ما أوحى إليك ربُّك من آيات القرآن ، فهو وسيلتك للدعوة , والآية الربانية المصاحبة لك دوماً ، والحق المؤيد لك بالحجج والبراهين القرآنية ، في جميع الأحوال .
قال القرطبي : قوله ( اتل ) أمرٌ من التلاوة والدؤوب عليها ، وقد مضى في (طه ) الوعيد فيمن أعرض عنها ، وفي مقدمة الكتاب الأمر بالحضّ عليها ، والكتاب يراد به القرآن . انتهى
وما أشار القرطبي رحمه الله إليه في سورة طه ، هو قوله تعالى : ( كذلك نقصُّ عليك من أنباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنَّا ذكرا * مَن أعرضَ عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً * خالدين فيه وساء لهم يوم القيامة حملا ) طه : 99 – 101.
فيقول تعالى لنبيه محمد ﷺ : كما قصصنا عليك خبر موسى عليه السلام ، وما جرى له مع فرعون وجنوده على الجلية والأمر الواقع ، كذلك نقص عليك الأخبار الماضية ، كما وقعت من غير زيادة ولا نقص ، هذا ( وقد آتيناك من لدنا ) أي : عندنا ذكرا ، وهو القرآن العظيم ، الذي ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) فصلت : 42 ، الذي لم يعط نبيٌ من الأنبياء منذ أنْ بُعثوا إلى أنْ ختموا بمحمد ﷺ ، كتاباً مثله ولا أكمل منه ، ولا أجمع لخبر ما سبق ، وخبر ما هو كائن ، وحكمه الفصل بين الناس ; ولهذا قال تعالى : ( من أعرض عنه ) أي : كذَّب به ، وأعرض عن اتباعه ، أمراً وطلبا ، وابتغى الهُدَى في غيره ، فإنَّ الله يُضله ويهديه إلى سواء الجحيم ; ولهذا قال : ( من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا ) أي : إثما ، كما قال الله تعالى : ( ومنْ يَكفر به من الأحزابِ فالنارُ موعده ) هود : 17 .
وهذا عامٌ في كلِّ مَن بلغه القرآن من العرب والعجم ، أهل الكتاب وغيرهم ، كما قال تعالى : ( لأُنْذركم به ومن بلغ ) الأنعام : 19 . فكل مَنْ بلغه القرآن فهو نذيرٌ له وداع ، فمن اتبعه هُدي ، ومَن خالفه وأعرض عنه ضل وشقي في الدنيا ، والنار موعده يوم القيامة ; ولهذا قال سبحانه : ( من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزراً * خالدين فيه ) أي : لا محيد لهم عنه ، ولا انفكاك ( وساءَ لهم يوم القيامة حملا ) أي : بئس الحمل حملهم .
3- ومن أوامر الله عز وجل بتلاوة القرآن ، قوله تعالى على لسان نبيه ﷺ ( إنما أُمرتُ أنْ أعبدَ ربَّ هذه البلدة الذي حرَّمها وله كلُّ شيء وأُمرت أنْ أكون من المسلمين * وأنْ أتلو القرآنَ فمن اهْتَدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلَّ فقلْ إنما أنا من المُنذرين * وقل الحمدُ لله سيريكم آياته فتعرفونها وما ربُّك بغافلٍ عما تعملون ) النمل : 91-93.
فقد أُمر النبي ﷺ بعبادة ربّه تعالى ، وهو ربّ البلدة الذي حرّمها ، وهي مكة ، التي صارت حراماً قدرا وشرعاً ، بتحريم الله لها ، كما ثبت في الصحيحين : عن ابن عباس قال : قال رسول الله ﷺ يوم فتح مكة : ” إن هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السموات والأرض ، فهو حرامٌ بحرمة الله إلى يوم القيامة ، لا يُعضد شوكه ، ولا يُنفّر صيده ، ولا يلتقط لقطته إلا مَن عرّفها ، ولا يختلى خلاها ” الحديث .
وقوله : ( وله كل شيء ) : من باب عطف العام على الخاص ، أي : هو ربُّ هذه البلدة ، وربُّ كل شيء ومليكه ، ( وأمرت أن أكون من المسلمين ) أي : الموحدين المخلصين ، المنقادين لأمره المطيعين له .
والشاهد قوله : ( وأنْ أتلو القرآن ) أي : على الناس وأبلغهم إياه ، كقوله : ( ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم ) آل عمران : 58 ، وكقوله : ( نتلو عليك من نبإ موسى وفرعون بالحق لقوم يؤمنون ) القصص : 3 . أي : أنا مُبلِّغ ومنذر ، ( فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل إنما أنا من المنذرين ) أي : لي سوية الرسل الذين أنذروا قومهم ، وقاموا بما عليهم من أداء الرسالة إليهم ، وخلصوا من عهدتهم ، وحساب أممهم على الله تعالى ، كقوله تعالى : ( فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ) الرعد : 40 ، وقال : ( إنما أنتَ نذيرٌ والله على كل شيء وكيل ) هود : 12 .
وقوله ( وقل الحمد لله سيريكم آياته فتعرفونها ) أي : لله الحمد الذي لا يُعذّب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه ، والإعذار إليه ; ولهذا قال : ( سيُريكم آياته فتعرفونها ) كما قال تعالى : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) فصلت : 53 . وقوله : ( وما ربك بغافلٍ عما تعملون ) أي : بل هو شهيد على كل شيء .
4- وقال تعالى (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا) المزمل : 4 .
يقول الله تعالى مخاطبا نبيه ﷺ وآمراً له : ( وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا ) أي : اقرأ القرآن ، بترتيلٍ وترسيل ، وتعبَّد لله تعالى بقراءة كتابه ، بالترتيل والتدبر والتفكر .
قال الطبري : وبيَّن القرآن إذا قرأته تَبييناً ، وتَرسَّل فيه ترسلاً .
ثانيا ننوي بقراءته زيادة الحسنات وتكثيرها ، وهي تجارة المسلم مع ربه تبارك وتعالى :
1- قال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) فاطر : 29-30 .
قال بعض السلف : هذه آية القرّاء .
وقوله ( يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) يقول تعالى ذكره : يرجون بفعلهم ذلك تجارة لن تبور: لن تكسد ولن تهلك ، من قولهم : بارت السوق إذا كسدت وبار الطعام .( الطبري ) .
2- فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : ” مَنْ قرأ حرفاً من كتاب الله فله حسنةٌ ، والحسنة بعشر أمثالها ، لا أقولُ الم حَرفٌ ، ولكن ألفٌ حرفٌ ، ولامٌ حرف ، وميمٌ حرف ” . رواه الترمذي .
فإذا كان عدد أحرف القرآن الكريم ( 340740 ) حرفاً تقريبا ، فسوف تحصل على أجر عظيم إذا أنت ختمتَ القرآن مرة واحدة ، فكل حرف بحسنة ، والحسنة بعشر أمثالها ، وهذا يعنى أنك سوف تحصل على أجر يساوي : 340740× 10= 3407400 ثلاث ملايين وأربع مائة وسبعة آلاف وأربع مائة حسنة ، وهذا لختمة واحدة فقط فكيف بك إذا ختمته في كل شهر مرة ، وهذا يعنى أنك ستختم القرآن اثنتا عشر مرة في العام ، وأنك سوف تنال من الأجر بإذن الله 3407400×12= 40888800 أربعون مليونا وثمان مائة وثمانية وثمانون ألف وثمان مائة حسنة .
وبعد أنْ علمت هذا الأجر العظيم ، فيا ترى كم سيكون نصيب من القرآن وأجوره المباركة العظيمة ، وكم ستعطيه من وقتك ؟!
ثالثا بقراءة القرآن الكريم ، وتلاوته وتدبره ، نرجو الله تعالى أنْ يُشفّعه فينا ، وفي أهلينا ، يوم لا يشفع أحدٌ عنده إلا بإذنه :كما قال سبحانه ( مَنْ ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) البقرة : 254. وقال ( ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له ) سبأ : 23 .
والقرآن الكريم له شفاعة لأصحابه يوم القيامة ، كما صحَّت الأحاديث الكثيرة في ذلك ، منها :
1- حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : ” اقْرءُوا القرآنَ فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ، اقرءُوا الزهراوين : البقرة وسورة آل عمران ، فإنهما تأتيان يوم القيامة كأنهما غَمَامتان – أو كأنهما غَيَايتان ، أو كأنهما فِرْقان – من طيرٍ صَوَاف تُحاجّان عن أصْحابهما ، اقرءوا سُورة البقرة ، فإنَّ أخْذَها بَركة ، وتركها حَسْرة ، ولا يَسْتطيعها البَطَلة ” . رواه مسلم .
2- وعن جابر رضي الله عنه عن النبي ﷺ : ” القرآن شافعٌ مُشفَّع ، ومَاحلٌ مُصدَّق ، مَنْ جَعَله أمامه ، قاده إلى الجنة ، ومَن جَعله خَلفَ ظهره ، ساقه إلى النار”. رواه ابن حبان في “الموارد” (ص 443) والطبراني (10/244) وغيرهما .
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ” اقرءوا القرآن ، فإنه نعم الشفيع يوم القيامة ، إنه يقول يوم القيامة : يا رب حلّه حلية الكرامة ، فيُحلى حِلية الكرامة ، يا رب اكْسه كسوة الكرامة ، فيُكسى كسوةَ الكرامة ، يا ربّ ألبسه تاج الكرامة ، يا ربّ ارضَ عنه ، فليس بعد رضاك شيء “. وقد جاء مرفوعاً إلى النبي ﷺ .
الحديث أخرجه الدارمي (2 /430) والترمذي (4 /249)
4- وإذا اجتمع القرآنُ والصيام ، كانت الشفاعة للعبد أعظم ، كما صحَّ في الحديث : عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنَّ رسول الله ﷺ قال : ” الصيام والقرآن يَشْفعان للعبد يوم القيامة ، يقول الصيام : أي ربّ منعته الطعامَ والشهوات بالنهار ، فشفّعني فيه ، ويقول القرآنُ : منعتُه النومَ بالليل ، فشفّعني فيه ، قال : فيشفعان “.
الحديث أخرجه أحمد رحمه الله (2 /174) ومحمد بن نصر المروزي في “قيام الليل ” ( ص25) ، والحاكم (1 /554) .
5- وورد في سورة “تبارك” أنها لها شفاعة خاصة ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : ” إِنَّ سُورَةً مِنَ القُرْآنِ ثَلاَثُونَ آيَةً ، شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ ، وهِيَ سورة تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِه المُلْكُ ” .
أخرجه أبو داود (2 /119) ، وابن ماجة (2 /1244)، وأحمد (2 /321)، وابن حبان كما في الموارد ص (321) ، والحاكم (1 /565) .
رابعاً بقراءة القرآن الكريم نرجو النجاة من النار :
نحتسب في قراءته النَّجاة من نار جهنم ، وهو من أعظمِ مطلوبات المؤمنين ، ومن زُحزح عن النَّار ، وأُدخل الجنةَ فقد فاز ، كما قال ربنا تعالى .
1- فقد قال رسول الله ﷺ : ” لو جُمع القرآنُ في إهَابٍ ، لم يَحرقه اللهُ بالنَّار” . رواه الدارمي في سننه (2/522) وصححه الألباني .
قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله : فقوله : ” لو جُعل القرآن في إهاب ما احترق ” المعنى : أنَّ حافظ القرآن ممتنع من النار ” غريب الحديث (1/48) .
وقال ابن الأثير رحمه الله : ومنه الحديث ” لو جُعل القرآن في إهاب ، ثم ألقى في النار ما احترق ” . قيل : كان هذا معجزة للقرآن في زمن النبي ﷺ ، كما تكون الآيات في عصور الأنبياء .
وقيل المعنى : مَن علّمه الله القرآن لم تَحرقه نار الآخرة ، فجعل جسم حافظ القرآن ، كالإهاب له . النهاية في غريب الأثر (1/83) .
2- وأيضاً : أن القرآن فيه من الأوامر الربانية ، ما تُقرب العبد من الجنة ، ومن النواهي الإلهية ما يباعده من النار .
خامساً نحتسب بقراءته ارتقاء الدَّرجات ، فننال به أرفعها في الجنَّات ، وأكرمها عند الرب الكريم من المنازل العاليات :
1- لقول رسول الله ﷺ : ” يُقال لقارئ القرآن : اقرأْ وارتقِ ، ورتِّل كما كنتَ تُرتّل في الدنيا ، فإنَّ منزلتَك عند آخرِ آيةٍ تقرأها ” .رواه أبو داود ( 1464 ) والترمذي ( 2914 ) وصححه الألباني .
قال الشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي رحمه الله : ” يُقَالُ ” أَيْ : عند دُخولِ الجَنَّة ” لِصَاحِبِ الْقُرْآن ” أَي :” مَنْ يُلازمُه بالتِّلَاوَةِ والْعمل ، لَا مَنْ يَقْرَؤُهُ ولَا يَعملُ بِهِ .اِقْرَأْ وَارْتَقِ ” أَي : إِلَى درجات الجنَّة ، أَو مَراتِب الْقُرَب .
” وَرَتِّلْ ” أَيْ : لَا تَسْتَعْجِلْ في قِرَاءَتِك فِي الجَنَّة ، التي هي لمجرد التلذُّذ ، والشهود الأكبر ، كعبادة الملائكة . قال الطيبي : … وهذه القراءة لهم كالتسبيح للملائكة ، لا تَشغلهم من مسلتذاتهم ، بل هي أعظم مسلتذاتهم . انتهى .
” كَما كُنْت تُرَتِّلُ ” أَيْ : في قِرَاءَتِك ، وفيه إشارة إلى أنّ الجزاء على وفق الأعمال ، كميةً وكيفية . “في الدُّنْيا ” من تجويد الحروف ، ومعرفة الوقوف .
” فإنَّ منزلتك عند آخرِ آيةٍ تقرأها ” وقد ورد في الحديث أن درجات الجنة ، على عدد آيات القرآن … قال الداني : وأجمعوا على أن عدد آي القرآن : ستة آلاف ثم اختلفوا فيما زاد …
وقال الخطابي : ” جاء في الأثر : عدد آي القرآن ، على قَدر دَرج الجنة ، يقال للقاري : اقرأ وارتق الدرج ، على قَدر ما تقرأ من آي القرآن ، فمن اسْتوفى قراءة جميع القرآن ، اسْتولى على أقصى درج الجنة ، ومن قرأ جزءاً منها ، كان رُقيُّه من الدرج على قدر ذلك ، فيكون منتهى الثواب عند منتهى القراءة ” انتهى .
قال آبادي : ويُؤْخَذ مِنْ الحديث : أَنَّه لَا يُنَالُ هذَا الثَّواب الْأَعظَم ، إِلَّا مَنْ حَفِظَ الْقُرآنَ ، وأَتْقَنَ أَداءَهُ وقِراءَتَه كَما يَنْبغي لَه ” .
عون المعبود شرح سنن أبي داود (4/338) باختصار .
وقول الخطابي : ” أنّ عدد آي القرآن ، على قَدر دَرج الجنة ..” لم يثبت مرفوعاً إلى النبي ﷺ .
ولا بد أنْ نعلم : أنَّ هناك أعمالاً أخرى يتفاضل الناس بها ، كالإيمان ، والعلم بالقرآن والسنة ، وبر الوالدين ، والجهاد ، والصدقات وغيرها ، فعليه لا يلزم أنْ يكون صاحب القرآن الحافظ ، في أعلى درجات الجنة على الإطلاق .
وأعلى درجات الجنة هي الفردوس ، كما ثبت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : “.. فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس ، فإنه أوسط الجنة ، وأعلى الجنة ، فوقه عرشُ الرحمن ، ومنه تفجَّر أنهارُ الجنة ” . رواه البخاري ( 2637) ومسلم ( 2831 ) .
ومعنى ” أوسط الجنة ” أي : أفضلها وأعدلها ، ومثله قوله تعالى : ( وكذلك جعلناكم أُمة وسطاً ) البقرة :143.
2- وفي الحديث أيضاً : قال رسول الله ﷺ : ” إنَّ اللهَ يَرفعُ بهذا الكتابِ أقواماً ، ويَضعُ به آخرين ” . رواه مسلم .
ورفعة الدرجات ورفعها ، تشمل المعنوية منها في الدنيا ، بعلو المنزلة ، وحسن الصيت ، والحسية في الآخرة ، بعلو المنزلة في الجنة .
وقد ورد لهذا الحديث قصة عجيبة ، كما في صحيح مسلم : عن نافع بن عبد الحارث الخزاعي وكان عامل عمر رضي الله عنه على مكة ، أنه لقيه بعسفان ، فقال له : من استخلفت ؟ فقال : استخلفت ابن أبزى مولى لنا ، فقال عمر رضي الله عنه : استخلفت مولى ؟! قال : إنه قارئٌ لكتاب الله ، عالم بالفرائض ، فقال عمر : أما إنَّ نبيكم قد قال :” إنَّ الله يَرفع بهذا الكتابِ أقواماً ، ويضعُ به آخرين ” .
وقال المباركفوري رحمه الله في “تحفة الأحوذي” : كما قال ﷺ ” ومَن أبطأ به عملُه ” : من التبطئة وهما ضد التعجّل ، والبطء نقيض السرعة ، والمعنى : من أخَّره عمله عن بلوغ درجة السعادة ” لم يُسْرع به نسبه ” أي : لم يقدمه نسبه ، يعني لم يجبر نقيصته لكونه نسيباً في قومه ، إذْ لا يَحصل التقرّب إلى الله تعالى بالنسب ، بل بالأعمال الصالحة ، قال تعالى ( إنّ أكْرمَكم عند اللهِ أتقاكم) الحجرات : 13.
قال : وشاهد ذلك أنّ أكثر علماء السلف مَوَال ، ومع ذلك هم ساداتُ الأمة ، وينابيع الرحمة ، وذوو الأنساب العلية الذين ليسوا كذلك ، في مواطن جهلهم نسياً منسياً ، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : ” إن الله يَرفع بهذا الدين أقواماً ، ويضع به آخرين “. انظر المرقاة للقاري .
3- عن أبي هريرة قال رضي الله عنه : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلم : ” يَجيءُ القرآنُ يومَ القيامة كالرجُلِ الشَّاحب ، يقول لصاحبه : هل تعرفني ؟ أنا الذي كنتُ أُسْهرُ ليلك ، وأُظمئ هَوَاجرك ، وإنَّ كل تاجرٍ من وراء تجارته ، وأنا لك اليوم من وراء كل تاجر ، فيُعطى المُلك بيمينه ، والخُلد بشماله ، ويُوضع على رأسه تاجُ الوقار ، ويُكسى والداه حُلَّتين لا تُقوَّم لهما الدنيا وما فيها ، فيقولان : يا ربّ ، أنَّى لنا هذا ؟ فيقال لهما : بتعليم ولدكما القرآن ” . رواه الطبراني في الأوسط ، وصححه الألباني في الصحيحة (2829) .
وأما معنى الحديث : فقوله : كالرجل الشَّاحِب ، قال السيوطي في شرح ابن ماجة : هو المتغير اللون والجسم ، لعارضٍ من العوارض ، كمرض ، أو سفر ، ونحوهما ، وكأنه يجيء على هذه الهيئة ؛ ليكون أشبه بصاحبه في الدنيا ، أو للتنبيه له على أنه كما تغير لونه في الدنيا لأجل القيام بالقرآن ، كذلك القرآن لأجله في السعي يوم القيامة ، حتى ينال صاحبه الغاية القصوى في الآخرة . انتهى .
والمعنى : أنه كما أتعب نفسه بصوم النهار ، والهَوَاجر : وهي جمع هاجرة ، وهو نصف النهار عند زوال الشمس إلى العصر ، عند اشتدادِ الحر ، وقيام الليل ، فكَأَنَّ الصيام يتَمَثَّل بِصُورَة قارئه الَّذِي أتعب نَفسه َبالصَّوْم فِي النَّهَار ، وبالسهر فِي اللَّيْل .
قال السِّنْدي : قوله ” وراء تجارته ” أي : قدامه تجارته ، كأنه متحفّظ بها . انتهى .
فالمعنى أنّ القرآن يتقدم صاحبه ، ويتقدم كل تاجر ، فقد سبق صاحب القرآن كل من قدّم أي عمل .
وقوله : ” فيعطى الملك بيمينه ، والخُلد بشماله ” قال البغوي في شرح السنة : وقَوله : ” يُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينه ” لَمْ يُرِدْ به أَنَّ شيئًا يُوضَعُ في يديه ، وإِنَّما أَرادَ به : يُجْعَلُ لَه الْمُلْكُ والخُلْدُ ، ومَنْ جُعِلَ لَه شيءٌ مِلْكًا ، فَقَدْ جُعِلَ في يده ، ويُقَالُ : هو في يدكَ وكَفِّك ، أَيِ : اسْتَولَيْتَ علَيه . انتهى .
وقوله ” تاج الوقار ” في النهاية : التاج ما يُصاغ للملوك من الذهب والجواهر . انتهى . والوقار ، أي : الحلم والرزانة .
والحلتان : مثنى حُلة ، والْحُلَّةُ : إِزَارٌ ورِداءٌ ، ولَا تُسَمَّى حُلَّةً حتَّى تَكُونَ ثَوْبَيْنِ .
وهاتان الحلتان لا تُعدلان بالدنيا وما فيها .
وقوله ” بأخذ ولدكما ” أي : بتعلّمه القرآن ، أي : بتعليمكما ولدكما القرآن ، فهو مصدر مضاف إلى مفعوله ، ويحتمل أنْ تكون : أي بتعليم ولدكما الناسَ القرآن ، وتكون مصدرًا مضافا إلى فاعله ، ويحتمل أن يكون المعنى : أي: بتعلم ولدكما القرآن ، وهذا يدل على أن تعليم القرآن للناس من أجل العبادات ، كما قال الرسول ﷺ :” خيركم من تعلم القرآن ، وعلّمه “. أخرجه البخاري .
سادساً قراءته بنيّة العمل به ، فإنّ الله تعالى أوجبَ علينا العمل بالقرآن الكريم ؛ لأنَّ العمل به ، هو الغاية الكبرى من إنزاله ، والمقصد الأعلى من تلاوته
1- كما في قوله سبحانه : ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ ص : 29.
والعمل بالقرآن : هو تصديقُ أخباره ، واتباعِ أحْكامه ، بفعل جميع ما أمر الله به ، وتركِ جميعَ ما نهى الله عنه ؛ وعلى هذا سار السلف الصالح رضي الله عنهم ، فكانوا يتعلمون القرآن ، ويصدِّقون به وبجميع ما جاء فيه ، ويُطبقون أحكامه إيمانا بها ، واتباعاً لها .
قال بعض العلماء : مَنْ عَمِل بالقرآن ، فكأنما يقرؤه دائماً وإنْ لم يقرأه ، ومَن لم يعمل بالقرآن ، فكأنه لم يقرأه ، وإنْ قرأه دائماً ؟! ( انظر عون المعبود 4/339) .
2- والتلاوة هي أحدُ معاني : الاتْباع والعمل بالقول ، فتلا في اللغة ، تأتي بمعنى : اتبع . كما في قول الله تعالى : ( والقَمَر إذا تَلاها ) الشمس : 2 . أي : أتبعها .
وكما قال تعالى : ( الذين آتيناهم الكتاب يَتْلونه حقَّ تلاوته أولئك يُؤمنونَ به ومَن يَكفر به فأولئك هم الخاسرون ) التوبة : 121 .
فقوله ( الذين آتيناهم الكتاب ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : نزلت في أهل السفينة الذين قدموا مع جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه وكانوا أربعين رجلا .. ، وقال الضحاك : هم من آمن من اليهود عبد الله بن سلام .. ، وقال قتادة وعكرمة : هم أصحاب محمد ﷺ . وقيل : هم المؤمنون عامة .
وقوله ( يتلونه حق تلاوته ) قال الكلبي : يَصفونه في كتبهم حقّ صفته لمن سألهم من الناس ، والهاء راجعة إلى محمد ﷺ ، وقال الآخرون : هي عائدة إلى الكتاب ، واختلفوا في معناه : فقال ابن مسعود رضي الله عنه : يقرءونه كما أُنزل ولا يحرفونه ، ويُحلون حلاله ويحرمون حرامه .
وقال الحسن : يعملون بمُحْكمه ، ويُؤمنون بمتشابهه ، ويَكلون علم ما أشكلَ عليهم إلى عالمه .
وقال مجاهد : يتبعونه حقّ اتباعه .
وقال القرطبي : واختُلف في معنى ( يتلونه حق تلاوته ) فقيل : يتبعونه حقَّ اتباعه ، باتباع الأمر والنهي ، فيحللون حلاله ، ويَحرمون حرامه ، ويَعملون بما تضمّنه ، قاله عكرمة .
قال عكرمة : أما سمعت قول الله تعالى : ( والقَمَر إذا تَلاها ) أي : أتبعها ، وهو معنى قول ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما .انتهى .
ومن معاني ( حقّ تلاوته ) في الآية , معنى التفاعل وحضور القلب أثناء تلاوة كتاب الله , ولا يخفى ما لهذا المعنى من أهمية , لا سيما في هذا الزمن الذي أضحى فيه الكثير من المسلمين ممن يتلون كتاب الله عز وجل , يتلونه تلاوة صورية شكلية ، لا روح فيها ولا حياة ، بل بقلب ساهٍ لاه .
وهو معنى يتوافق مع حديث حذيفة رضي الله عنه : أن النبي ﷺ صَلى ، فكان إذا مرَّ بآيةِ رحمة سأل , وإذا مرَّ بآية عذاب استجار , وإذا مرَّ بآية فيها تنزيه لله سبَّح . رواه ابن ماجة ، وصححه الألباني (1111) .
3- وقال التابعي الجليل أبوعبدالرحمن السُّلمي رحمه الله : حدثنا الذين كانوا يُقرؤننا القرآن : عثمان بن عفان ، وعبد الله بن مسعود ، وغيرهما رضي الله عنهم : أنهم كانوا إذا تَعلَّموا من النبي ﷺ عشر آيات ، لم يتجاوزوها ، حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل ، قالوا : فتعلمنا القرآن ، والعلم ، والعمل جميعًا . وهذا هو الذي عليه مدار السعادة والشقاوة في الدنيا والآخرة ، قال الله تعالى : ﴿ فَإِمَّا يَأتِيَنَّكُم مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَي وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ﴾ طه : 123- 126.
4- وقد ورد بيان عقوبة تارك العمل بالقرآن العظيم في البرزخ ، نعوذ بالله من غضبه وعقابه ، ففي صحيح البخاري : عن سمرة بن جندب رضي الله عنه : أنّ النبي ﷺ قال في حديث الرؤيا الطويل : “إنه آتاني الليلة آتيان ،… قال : وإنهما قالا لي : انطلق وإني انطلقت معهما ، وإنا أتينا على رجلٍ مضطجع ، وإذا آخر قائمٌ عليه بصخرة ، وإذا هو يهوي بالصَّخرة لرأسه فيَثْلغ رأسه ، فيَتَدهْده الحَجر ها هنا ، فيتبع الحَجر فيأخذه فلا يرجع إلى الرجل ، حتى يصحّ رأسُه كما كان ، ثم يعود عليه ، فيفعل به مثل ما فعل به المرة الأولى ” قال النبي ﷺ : ” فقلت سبحان الله ! ما هذا ؟ فقالا لي انطلق ” .
فذكر الحديث ، وفيه : “أما الرجل الذي أتيتَ عليه ، يُثلغ رأسه بالحَجر ، فهو الرجل يأخذُ القرآن فيَرفُضُه ، وينامُ عن الصلاة المكتوبة …” . البخاري برقم ( 7047) .والحديث فيه : الوعيد لمن ينام عن الصلاة المكتوبة .
ولمن يأخذ القرآن فيرفضه ، أي : يقرأ القرآن ولا يعمل به .
وقال ابن بطال في شرح البخاري : “يأخذ القرآن فيرفضه ” يعنى : يترك حفظ حروفه ، والعمل بمعانيه .
5- وثبت في صحيح مسلم : عن أبي مالك الأشعري يرفعه إلى النبي ﷺ قال : “…والقرآنُ حُجةٌ لك ، أو عليك ” .
فالقرآن حُجةٌ لمن اتَّبعه ، وعَمِل بما فيه ، وحُجة على مَن أعرض عنه ، ولم يعمل به ويتبعه .
قال المناوي في فيض القدير : والقرآن “حُجة لك” ، يدلك على النَّجاة إنْ عملتَ به ، أو “عليك” إنْ أعرضت عنه ، فيدل على سوء عاقبتك . انتهى
6- وسبق حديث جابر رضي الله عنه : عن النبي ﷺ أنه قال : ” القرآنُ شَافعٌ مُشفَّع ، ومَاحلٌ مُصدَّق ، مَنْ جَعَله أمامَه ، قادَه إلى الجنة ، ومَن جَعله خَلف ظَهْره ، ساقه إلى النار”. رواه ابن حبان والطبراني وغيرهما .
والمعنى : مَنْ عمل بما فيه ، ساقه إلى الجنة ، ومَن تركه وأعرض عنه ، ونسيه وغفل وتغافل عنه ، ساقه إلى النار ، والعياذ بالله تعالى .ومعنى ” ماحل ” أي : شاهد .
7- وقال النبي عليه ﷺ في حَجَّة الوداع : “… تركتُ فيكم ما لن تضلوا بعده ، إنْ اعتصمتم به : كتاب الله [وسُنَّة نبيه]” . رواه مسلم برقم ( 2408) والزيادة للحاكم في المستدرك .