يُنظر للطلاق في المجتمعات العربية والإسلامية على أنه شر محض، وينظر للمطلقات بعين الشك والريبة، وتشريع الطلاق في الإسلام له حكم عديدة، ويعد بمثابة صفحة جديدة، بينما يرى فيه الكثيرون نهاية مأساوية لا أمل بعدها، وهذا الأمر على النقيض من توجيهات القرآن الكريم الذي يفتح أبواب الأمل لحياة جديدة لكل من الرجل والمرأة بعد وقوع الطلاق.

النظرة السلبية للطلاق

النظرة السلبية للطلاق في المجتمعات العربية والإسلامية مردها للمثالية التي يدعيها الكثيرون وهم أبعد ما يكونون عنها، ولا وجود لها في العلاقات الإنسانية، ووقوع الشقاق وحدوث الخلافات بين الزوجين أمر طبيعي ويرجع للطبيعة الإنسانية واختلاف الطبائع بين البشر، والذي يؤدي في بعض الأحيان إلى التنافر وعدم التوافق بين الزوجين.

والأمر التي نود أن يدركه الجميع وأن يستقر في وعي أفراد المجتمع هو أن الطلاق ليس سببه وجود عيب أو عيوب في الزوج أو الزوجة، وإنما مرده إلى اختلاف الطبائع وعدم القدرة على التوافق مع الطرف الآخر، ومطالبة أحد الطرفين بالاستمرار في العلاقة على الرغم من الضرر الواقع عليه فيه ظلم ويؤدي إلى زيادة حدة المشكلات والخلافات.

الشريعة والطلاق

الحكمة من تشريع الطلاق هي الحفاظ على العلاقة الطيبة بين الزوجين وعدم انزلاقها للإساءة والتشهير، وتوفير الأمن والاستقرار النفسي للأولاد، والحفاظ على العلاقات بين أسرة الزوج والزوجة والتي قد تسوء نتيجة الخلافات بين الزوجين ودفاع كل أسرة عن طرف من أطراف الخلاف، هذا ما يوفره الطلاق للزوجين والأولاد والعائلات من منافع وفوائد، أما بدائل الطلاق فهي الصراع بين الزوجين وقد يصل إلى الخيانة الزوجية، فكل طرف يبحث عن احتياجاته النفسية والجسدية التي لا يستطيع الطرف الآخر توفيرها نتيجة الشقاق والخلاف الواقع بينهما.

والزواج في الإسلام يقوم على المودة والحب من قبل الزوجة، والرحمة والتعاون وحسن العشرة من قبل الزوج، يقول الله عز وجل:{ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }. (سورة الروم: 21).

والخلافات بين الزوجين تنشأ عادة نتيجة عدم التوافق بينهما، ويتطور الأمر لتركيز كل طرف على حقوقه وإهمال واجباته تجاه الطرف الآخر، ثم تأتي مرحلة الطلاق العاطفي وتكون مصحوبة بالخلافات والمشكلات الأسرية وعدم الاستقرار وهنا يصبح الطلاق أمرًا لا بد منه، من أجل الإبقاء على المودة بين الزوجين، وحماية للأولاد من آثار الشقاق بين الأب والأم والذي يؤدي حتمًا إلى حدوث مشكلات نفسية وسلوكيات خاطئة لدى الأولاد.

ولو عدنا لنصوص الشريعة الغراء لوجدنا تفصيلات دقيقة حول الطلاق تضمن حقوق كلا الطرفين، وتصون العلاقات بينهما وبين عائلتيهما، وتحافظ الأولاد من الضياع وتوفر لهم الاستقرار النفسي.

والطلاق وفقًا لأحكام الشريعة لا يُلجأ إليه إلى في حالة الضرورة القصوى، وهو آخر دواء للخلافات الزوجية التي يصعب حلها، وتستحيل معها العشرة بين الزوجين، والطلاق لا يعني الخصومة الأبدية وانقطاع الصلة بين الزوجين وبين عائلتيهما وبالأخص في حالة وجود أولاد.

والطلاق يجب أن يتم بالتراضي بين الزوجين، وألا يعقبه إساءة لأي طرف من الأطراف، والشريعة الإسلامية دعت إلى الإحسان للمطلقة، يقول الله عز وجل:{ وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ }. (سورة البقرة: 241).
والحديث الذي يسوقه الكثيرون عند مناقشة قضية الطلاق وهو «أبْغَضُ الْحَلاَلِ إلى الله تعالى الطَّلاَقُ» ضعفه الشيخ الألباني رحمه الله.

والطلاق حدث في عهد النبي ، وهو حل لا بد منه عند استحالة العشرة، فعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، أنَّ امرأةَ ثابتِ بنِ قيسٍ أتتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ فقالتْ: يا رسولَ اللهِ، ثابتُ بنُ قيسٍ، مَا أعْتِبُ عليهِ فِي خُلُقٍ ولا دينٍ، ولكنِّي أكرَهُ الكفْرَ في الإسلامِ، فقالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: “أَتَرُدِّينَ عليهِ حَدِيقَتَهُ”. قالتْ: نعمْ، قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ:”اقْبَلِ الحديقةَ وطلِّقْهَا تَطْلِيَقةً”. (صحيح البخاري: 5273 )

والرسول تزوج من مطلقة زيد بن حارثة الذي تبناه قبل نزول التشريع الذي يحرم التبني، ونزل القرآن معاتبًا الرسول ، على طلبه من زيد أن يمسك زوجته زينب بنت جحش ولا يطلقها، على الرغم من الخلاف الواقع بينهما، يقول الله عز وجل: {وَإِذۡ تَقُولُ لِلَّذِيٓ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِ وَأَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِ أَمۡسِكۡ عَلَيۡكَ زَوۡجَكَ وَٱتَّقِ ٱللَّهَ وَتُخۡفِي فِي نَفۡسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبۡدِيهِ وَتَخۡشَى ٱلنَّاسَ وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخۡشَىٰهُۖ فَلَمَّا قَضَىٰ زَيۡدٞ مِّنۡهَا وَطَرٗا زَوَّجۡنَٰكَهَا لِكَيۡ لَا يَكُونَ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ حَرَجٞ فِيٓ أَزۡوَٰجِ أَدۡعِيَآئِهِمۡ إِذَا قَضَوۡاْ مِنۡهُنَّ وَطَرٗاۚ وَكَانَ أَمۡرُ ٱللَّهِ مَفۡعُولٗا} (سورة الأحزاب: 37).

والحياة الأسرية لا تسير على وتيرة واحدة دائمًا، وواهم من يظن أنها سعادة دائمة، فالحياة لا يمكن أن تستمر بدون منغصات، والخلافات في الحياة الزوجية كالملح للطعام، وهي من عوامل الإثارة والتجديد إذا أحسنا توظيفها، وبيوت النبي شهدت مشكلات، وهجر النبي زوجاته شهرًا كاملًا.

وفي معالجة الخلافات الزوجية نجد النهي عن طلب الطلاق لغير ضرر، فعن ثَوْبَانَ رضي الله عنه، عنِ النبيِّ قال:«أيُّما امرأةٍ سألَتْ زوجَهَا طلاقُها مِنْ غير بَأْسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةَ الجَنَّةِ». (صحيح ابن حبان: 4108).
أما في حالة وجود البأس ووقوع الضرر، فيباح لجوء الطرفين للطلاق، ومن الظلم الطلب من الزوج أو الزوجة الصبر على إيذاء وسوء معاملة الطرف الآخر إلى ما لا نهاية.

والشريعة الإسلامية التي جعلت الطلاق بيد الرجل، لم تُهدر حق المرأة في إنهاء العلاقة الزوجية إذا وقع عليها ضرر لا يمكن احتماله، فأباحت لها طلب الطلاق بسبب الضرر الواقع عليها، وجعلت للقاضي الحق في تطليقها إذا ثبت وقوع الضرر عليها، وأباحت لها الشريعة أن تنهي العلاقة الزوجية وأن تفدي نفسها بمال تدفعه للزوج ويسمى ذلك بالخلع، يقول الله عز وجل: { ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمۡ أَن تَأۡخُذُواْ مِمَّآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ شَيۡ‍ًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِۖ فَإِنۡ خِفۡتُمۡ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيۡهِمَا فِيمَا ٱفۡتَدَتۡ بِهِۦۗ تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعۡتَدُوهَاۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ}. (سورة البقرة: 229).

التعامل بواقعية مع الطلاق

الطلاق ليس شرًا محضًا وإلا لما أباحه الإسلام، والمطلوب منا هو أن نتعامل مع الطلاق بواقعية وأن ننظر إليه كحل عندما تكثر المشكلات وتتفاقم بين الزوجين.

والحفاظ على الأسرة وتماسكها واستقرارها أمر مطلوب ومقصد من مقاصد الشرع، ولكن استمرار الحياة الزوجية في ظل وجود صراع ظاهر أو خفي بين الزوجين، وعدم توافق في الكثير من الأمور وبخاصة التوافق حول تربية الأولاد له مضار ومخاطر أكثر من مضار ومخاطر وقوع الطلاق.

والطلاق قد تكون فيه مصلحة للأولاد حتى لا يفقدوا استقرارهم النفسي وحتى لا ينحازوا لطرف على حساب الطرف الآخر، وتجنيب الأولاد الاطلاع على الصراع بين الأب والأم والتطاول الذي قد يحدث سواء كان معنويًا أو ماديًا يحفظ كرامة الوالدين واحترامهما.

ونظرة المجتمع للمطلقة والمطلق ينبغي أن تتغير، فالطلاق لا يعني بالضرورة وجود عيوب لدى الزوج أو الزوجة، وهو أمر طبيعي نتيجة اختلاف الطبائع واختلاف الرغبات والتوجهات والاهتمامات، وهنا يصبح الطلاق وبدء علاقة جديدة مع طرف آخر أمرًا مهمًا للرجل والمرأة حتى لا تتعطل مسيرة الحياة وتضعف الرغبة في العطاء والإنتاج والاستمتاع بالحياة التي لا يعيشها الإنسان إلا مرة واحدة.

ودعوة الأهل والأصحاب والشيوخ إلى استمرار الحياة الزوجية على ما فيها من شقاق واختلاف وصراع ومشكلات يُعد بمثابة حكم على الزوج أو الزوجة بالشقاء والمعاناة إلى أجل غير معلوم.

الطلاق بداية وليس نهاية

الطلاق على عكس ما يراه الكثيرون يُعد بداية لحياة جديدة، والمهم في الأمر هو أن يسعى الطرفان في حالة الشقاق واستحالة العشرة بينهما من أجل الطلاق الناجح، ومعايير الطلاق الناجح وضعها القرآن الكريم بعد فشل محاولات الصلح بين الزوجين، والقرآن الكريم يشير إلى أن الطلاق ليس نهاية الحياة، وأن فيه فتحًا لأبواب الأمل وأبواب الغنى، يقول الله عز وجل:{وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغۡنِ ٱللَّهُ كُلّٗا مِّن سَعَتِهِۦۚ وَكَانَ ٱللَّهُ وَٰسِعًا حَكِيمٗا} (سورة النساء: 130).

ورد في تفسير السعدي:” هذه الحالة الثالثة بين الزوجين، إذا تعذر الاتفاق فإنه لا بأس بالفراق، فقال: { وَإِنْ يَتَفَرَّقَا ْ} أي: بطلاق أو فسخ أو خلع أو غير ذلك {يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا ْ} من الزوجين {مِنْ سَعَتِهِ} أي: من فضله وإحسانه الواسع الشامل. فيغني الزوج بزوجة خير له منها، ويغنيها من فضله وإن انقطع نصيبها من زوجها، فإن رزقها على المتكفل بأرزاق جميع الخلق، القائم بمصالحهم، ولعل الله يرزقها زوجا خيرا منه، {وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا ْ} أي: كثير الفضل واسع الرحمة، وصلت رحمته وإحسانه إلى حيث وصل إليه علمه. ولكنه مع ذلك {حَكِيمًا} أي: يعطي بحكمة، ويمنع لحكمة”.

والقرآن الكريم عالج قضية الإساءة التي قد تحدث نتيجة الخلاف والفرقة بأسلوب رائع عندما ذكر الزوج والزوجة وأهليهما بذكر الفضائل ونسيان المعايب والنقائص، يقول الله عز وجل: { وَإِن طَلَّقۡتُمُوهُنَّ مِن قَبۡلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدۡ فَرَضۡتُمۡ لَهُنَّ فَرِيضَةٗ فَنِصۡفُ مَا فَرَضۡتُمۡ إِلَّآ أَن يَعۡفُونَ أَوۡ يَعۡفُوَاْ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ عُقۡدَةُ ٱلنِّكَاحِۚ وَأَن تَعۡفُوٓاْ أَقۡرَبُ لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ}. (سورة البقرة: 237).

ومن اللطائف المتعلقة بمناسبة ذكر الصلاة والأمر بالمحافظة عليها وسط آيات الطلاق وأحكامه، أن في الصلاة وتقوى الله عز وجل ضمان للحقوق وحفاظ على العلاقات التي يهددها الشح والحرص على الحقوق والرغبة في إيذاء الطرف الآخر والانتقاص من حقوقه عند حدوث الخلاف والفرقة.

والمسلم مطالب بالإحسان في جميع الأمور ومنها الإحسان للمطلقة، يقول الله عز وجل: { ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِۖ فَإِمۡسَاكُۢ بِمَعۡرُوفٍ أَوۡ تَسۡرِيحُۢ بِإِحۡسَٰنٖۗ… }. (سورة البقرة: 229).