لا تخلو الحياة من المضايقات، بل لعلها مُنحت للإنسان كي يختبر سعة صبره على متاعبها؛ لذا يجد المرء نفسَه مُجبرا لأن يتحمل المزعجين في وسطه العائلي، ومقر عمله، بل وأينما اضطرته الحياة لأن يُنشئ علاقات اجتماعية.
على عكس الأشياء المُريعة التي يُمكنك التخلص منها، حذاء مزعج أو أريكة غير مريحة، فإن بعض الأشخاص لا يمكن التبرع بهم لجمعية النيات الحسنة. عليك أن تواصل الحياة معهم، إما بالعيش في عزلة أو استثمار خصوماتهم ومضايقاتهم كوسيلة لمعرفة الذات وتقويم النفس. كيف ذلك؟
هذا ما تقترحه الاستشارية ديدريكومبس في مؤَلفها (أسوأعدوأفضلمعلم).
العدو ببساطة ليس صديقا، لأنه شخص يعارض مصالحك ومقاصدك؛ لكن يمكن الإفادة منه، والنظر إليه كوسيلة تمنحنا الفرص، وتساعد على تقييم ذواتنا وتغييرنا. لذا عندما تواجه في الحياة خصوما فهي فرصة سانحة لتزكية الصبر والتسامح، وبذلك يصبح الخصم معلما روحيا لنا.
ينبغي بداية أن تحدد نوع العدو الذي تواجهه. وهنا تضع ديدري قائمة بأربعة أصناف تهدد وجودك. هناك الخصم المادي الذي يسبب لك الإرهاق، ويُهدد مواردك بالخسارة، ويُعرض سلامتك الجسدية للضرر.
هذا الصنف لا يُمكن القضاء عليه لأننا بذلك نهدد النظام بأكمله. يُمكن في المقابل بحث السبل الممكنة للتعايش معه، ومحاولة معرفته وفهمه ودراسة بيئته، فهي التكتيك الأنسب للتخفيف من وطأة العيش معه. وهناك الخصم الوجداني الذي يسبب لك آلاما عاطفية، ويجرح مشاعرك، ويهدد الأشياء المحببة لديك، ويفكك العلاقات.
أما مواجهته فتبدأ بتطوير سبل التآلف مع انفعالاتنا كمهارة قوية في الصراع. يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: خالط المؤمن بقلبك، وخالط الفاجر بخُلُقك!
وأما الخصم الإبداعي فيسلبك حريتك في التعبير، ويسعى لخلق الشك والإحباط إزاء مبادراتك، ويحد من قدرتك لتصبح شخصا فريدا. لذا فإن أنسب الطرق للتغلب عليه هي مواصلة طرح أفكارك بطرق إبداعية تحُد من تصلبه. قد لا نجني الثمار المرجوة في القريب لكن من المفيد أن يكون لأحفادنا نصيب!
بينما الخصم الفكري يهدد معتقداتك ونظرتك للعالم، ويستهدف المعرفة والأفكار ليهز ثقتك في معايير الصواب والخطأ لديك، مما يؤثر على هويتك الشخصية وفهمك لذاتك.
4 مكونات للنجاح
يمنحنا هؤلاء الخصوم هِبات أربع تُصبح بعد استثمارها على نحو جيد، من مكونات النجاح:
- الوضوح: فخصمك يُنبهك إلى ذاتك وقدراتك، وما أنت على استعداد لأن تفعله وتدافع عنه. إنه يجعل أولوياتك ورؤاك واضحة .
- الارتباط: حيث إن خصمك يعمق فهمك للعلاقات ويعزز ارتباطاتك. ويهيئ لك استعدادا جيدا للانفتاح ومواجهة العالم.
- القوة: بمعنى أن مواجهة خصمك تزيد من قوتك، وتدفعك للبحث عن أفضل الطرق والأساليب لمواجهة ما تتعرض له، وبالتالي فهو يكشف ثروتك الداخلية ويوقظ العملاق الذي يسكنك!
- السلام الداخلي: هناك أوقات تصبح فيها أسوأ الأشياء هي أفضلها على الإطلاق، والفضل في ذلك لخصمك الذي يتيح لك بلوغ السلام الداخلي ومواجهة ما كنت تؤجله أو تخشى الاقتراب منه!
تستعرض ديدري قصصا ومواقف طريفة. وتُمدك بمنهجية ذكية لجرد أعدائك المحتملين، وتحديد درجة التهديد، ثم استثماره في تصحيح ذاتك ومفاهيمك، وإيقاظ القوى المثمرة التي ترفع من وتيرة عطائك.
إن العدو الذي لا يكل هو أحد مكونات النجاح..
ومن لم تكن له بداية محرقة لم تكن له نهاية مشرقة!