ففي البيع يجب أن يكون لدى المشتري كالبائع معلومات عن السعر والوزن والأجل. فإذا لم يتحدد السعر في العقد وقع النزاع بين البائع والمشتري: البائع يزيد في الثمن، والمشتري ينقص! وإذا لم يتحدد الوزن أو الكيل وقع النزاع بين المتبايعين: البائع ينقص، والمشتري يزيد! وإذا لم يتحدد الأجل في الثمن أو في المبيع، فإن أحدهما يريد التعجيل والآخر يريد التأجيل!
ولهذا نهى رسول الله ﷺ عن بيع الغَرَر، فلا يجوز بيع الحيوان الشارد، ولا بيع السيارة المسروقة، ولا بيع شيء لم يُخلق بعد، أو لم يُقبض، ولا يجوز بيع غَوصة غائص، ولارمية صائد … لأن هذا أشبه شيء بالقمار، ويؤدي إلى الجهالة والنزاع!
وفي بيع السلَم، حيث يؤجل المبيع، يجب تحديد مواصفات هذا المبيع تحديدًا دقيقًا نافيًا للجهالة والنزاع، بحيث يقوم وصف المبيع مقام رؤيته.
كما نهى الدين عن أن يبيع أحدٌ على بيع أخيه، أو يسوم على سَومه، أو يخطب على خطبته، ونهى المرأة عن أن تسأل طلاق أختها في النسب أو في الدين أو في الإنسانية، لتحلّ محلها.
وأمر بتصنيف السلع، وبيع كل صنف بثمنه. جاء في صحيح البخاري: صنّفْ تمرك: كل صنف منه على حدة! كما أمر بحسن معاملة العمال والخدم: إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمْه مما يأكل، وليلبسْه مما يلبس، ولا يكلفْه فوق طاقته، فإذا كلّفه وجب عليه إعانته (انظر صحيح البخاري وغيره).
ونهى الدين عن الغش والنجش والكذب وشهادة الزور والرشوة والاحتكار والربا والغصب والظلم والتطفيف والمماطلة في وفاء الديون والتلاعب بالموازين والمكاييل، وأمر بالعدل والنصح والصلح والأمانة والصدق والاستقامة والسماحة في البيع والشراء ووفاء الديون وحسن القضاء وإنظار المُعْسر والتخفيف في الوظائف (التكاليف) المالية والعدل فيها بين المكلّفين، بما يؤدي إلى تقليل المنازعات والاضطرابات في المجتمع إلى أقلّ حدّ ممكن.
والقروض والديون يجب توثيقها بالكتابة والشهادة والرهن، كي لا يقع اختلاف أو نزاع بين الدائن والمدين في أصل الدين، أو مبلغه، أو أجله.
وعلى هذا فإن تقليل المنازعات مقصد من مقاصد الدين والخلق في المجال الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، يخفف من اللجوء إلى القضاء والمحاكم المحلية والدولية، ويخفف من البغضاء والشحناء، وإضاعة الأوقات والأموال والجهود بين ابتزازات المحامين ورشاوى القضاة وألاعيب الأمم!