في إطار رسالتها الريادية لإحياء تراث الأمة الإسلامية وتيسير سبل التعلم الشرعي للجيل المعاصر، أطلقت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة قطر، ممثلة في إدارة البحوث والدراسات الإسلامية، إصداراً علميّاً جديداً ضمن مشروعها الطموح “سلسلة تقريب العلوم الشرعية”، فكان باكورة ذلك الجهد إصدار كتاب “تهذيب المعين على تفهم الأربعين”، أحد أهم شروح الأربعين النووية، للإمام المحدّث الفقيه ابن الملقّن، رحمه الله تعالى.
إحياء علمي محكم لتسهيل ميراث النبوة
لقد جاء هذا العمل المميز تتويجًا لمساعي وزارة الأوقاف الحثيثة في خدمة السنة النبوية الشريفة وعلومها، وتأكيدًا على التزامها العميق بتقريب التراث الإسلامي إلى الأجيال المعاصرة، بأساليب تربوية وعلمية معاصرة لا تُخل بجوهر العلم، ولا تبتعد عن روحه السامية.
ويأتي اختيار كتاب “تهذيب المعين على تفهم الأربعين” ليُعيد إلى الأذهان أهمية “الأربعين النووية” التي ألفها الإمام محيي الدين النووي، والتي عُدت من اللبِنات الأساسية في التعليم الإسلامي، لِما تضمنته من أعمدة الدين وأصول الشرع. وقد حظيت عبر القرون بعناية واسعة واهتمام لا ينقطع، حيث رأى فيها العلماء اختصاراً نافعاً لأمهات معاني الإسلام.
وتُعد نسخة الإمام ابن الملقن من الكتب المتميزة في شرح الأربعين، لما فيها من وضوح العرض، وشمول الفوائد، واستقرار الأسلوب الذي يجمع بين التحقيق العلمي والبيان التربوي، فجاء هذا التهذيب ليكسوها ثوباً عصريًا جديداً، يجذب القارئ ويهيئه للفهم والتدبر، دون أن يُضعف متانة الأصل أو يُفرّط في روح المتن.
منهجية معاصرة في التهذيب والاختصار
وأوضح الشيخ الدكتور أحمد بن محمد بن غانم آل ثاني مدير إدارة البحوث والدراسات الإسلامية، أن السلسلة تمثل مشروعا ثقافيا وعلميا يهدف إلى تسهيل فهم كتب العلوم الشرعية وإحياء تراث السلف الصالح، بما يسهم في الارتقاء بالوعي الديني في المجتمع.
وأشار إلى أن إصدار هذا الكتاب يأتي امتدادا لجهود الوزارة في خدمة الحديث النبوي الشريف، من طباعة الكتب وتوزيعها، إلى تنظيم الدروس والمسابقات في حفظ الحديث، لافتا إلى إصدار الإدارة سابقا كتاب المائة الجامعة في الأحاديث النافعة، الذي استكمل به الأحاديث التي جمعها الإمام النووي في الأربعين النووية، مع إضافات الإمام ابن رجب الحنبلي.
وأكد مدير إدارة البحوث والدراسات الإسلامية، أن هذا الإصدار يندرج ضمن مسيرة العناية بجمع أحاديث الرسول ﷺ وشرحها وبيان معانيها، حيث يُعد كتاب “الأربعون النووية” من أبرز المؤلفات التي حظيت بقبول واسع لدى علماء الأمة وطلاب العلم.
وقد تم اعتماد تحقيق الدكتور دغش بن شبيب العجمي كأساس علمي لهذا التهذيب بأسلوب يخدم القارئ العام والمتخصص على سواء.
واستقر التهذيب على ستة مرتكزات رئيسة، تمثّلت في:
- ذكر الحديث كاملاً بلفظ راويه، مع تخريجه باختصار في الهامش.
- ترجمة موجزة للأعلام المذكورين في المتن.
- شرح واضح لمعاني ألفاظ الحديث باختصار.
- نإضافة تعليقات الإمام النووي في الهامش .
- ذكر الأحكام الشرعية والفوائد المستنبطة واللطائف المستفادة من الحديث.
- حذف الاستطرادات الفقهية أو اللغوية غير الضرورية.
الإمام ابن الملقّن: موسوعة علمية
مؤلف كتاب “تهذيب المعين على تفهم الأربعين” هو الإمام العلامة عمر بن علي بن أحمد الأنصَارِي الشافعي، سراج الدين، أبو حفص ابن النحوي، الشهير بـابن الملقن (733هـ – 804هـ)، يُعد أحد أعيان القرن الثامن الهجري، ومن أبرز علماء عصره، لا سيما في علم الحديث وعلومه، والفقه الشافعي، والتفسير، والأصول. ولد في وادي آش (بالأندلس) ونشأته وفاته في مصر، وطلب العلم على خيرة علماء عصره، حتى بلغ فيه مبلغًا عظيماً، ظهر أثره في مؤلفاته الغزيرة ومكانته العلمية الرفيعة.
وقد بلغ مجموع ما ألّفه رحمه الله قرابة ثلاثمائة كتاب، تنوعت بين المطولات والمختصرات، في الحديث والفقه والسير والتفسير، مما جعل كتبه مراجع معتمدة في معظم المكتبات الإسلامية، منها :
- إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال
- التذكرة في علوم الحديث
- الإعلام بفوائد عمدة الأحكام
- إيضاح الارتياب في معرفة ما يشتبه ويتصحف من الأسماء والأنساب
- غريب كتاب الله العزيز
- التوضيح لشرح الجامع الصحيح
- خلاصة البدر المنير
- خلاصة الفتاوى في تسهيل أسرار الحاوي
- الإشارات إلى ما وقع في المنهاج من الأسماء والأماكن واللغات
تميز منهجه العلمي بالتحقيق والتوثيق، واعتنى في بحوثه بمقارنة الروايات، ونقل الأقوال بأمانة ودقة عالية، وكانت له بصمات واضحة في شرح الأحاديث النبوية وتحليل معانيها، ما استحق به أن يكون من أئمة الشراح الفقهاء والمحدثين في التاريخ الإسلامي.
خلاصة
يأتي إعادة إصدار “تهذيب المعين على تفهم الأربعين”، في ثوب تهذيبي معاصر ليعيد صلة المجتمع المعاصر بأصول العلم جامعاً بين أصالة النصوص وسلاسة العرض .