أبواب الخير ثلاثة كما دل عليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الصحابي الجليل معاذ بن جبل – رضي الله عنه- إمام العلماء وحامل لوائهم يوم القيامة، ويا لها من أمانة تستدعي أعظم دلالة، الدال رسول الله، والمدلول أبواب الخير: الصوم جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار وصلاة الرجل في جوف الليل. فماذا عن أبواب الخير في رمضان؟

فقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما حضر رمضان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد جاءكم رمضان، شهر مبارك، كتب الله عليكم صيامه ، فيه تفتح أبواب الجنان ، وتغلق أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم” (رواه أحمد).

فرمضان يفتح لك أبواب الجنان، وتصفد فيه أبواب النيران، والشياطين تقيد وتسلسل وتصفد، فبادر إلى الخير، واطرق هذه الأبواب بإلحاح حتى يفتح الفتاح، واثبت عليها حتى بعد أن يغادرنا رمضان وينزاح، واعلم أن الله يحب العبد الملحاح.

وكان أحد الصالحين يقول عن إخوانه: كانوا يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان ثم يدعونه ستة أشهر (بعد انتهائه ) أن يتقبله منهم، وهذا صالح أخر هو يحيى بن كثير يصف لنا دعاء الصالحين فيقول : من دعائهم اللهم سلمني إلى رمضان ، وسلم لي رمضان ، وتسلمه مني متقبلا نسأل لنا ولك العون على حسن استقباله، والاستفادة منه، وألا نكون من الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: رغم أنف من أدرك رمضان ولم يغفر له.

وكما قال أبو حنيفة النعمان رحمه الله: لا نبات بلا ثبات، وكما يقول لي ولك سيدي عبد القادر الجيلاني في الفتح الرباني: (اثبت حتى تنبت). فلا فرع في السماء ولا أكل يتجدد إلا لمن أصله في أرض الاستقامة والاستواء ثابت.

لكن لهذه الأبواب فلسفة ينبغي أن نعيها، فالصوم جنة، ليس عن الأكل والشرب والنكاح، وإنما صوم العين عن الخيانة، واللسان عن الحصائد، والقلب عن الحالقات، والعقل عن اللقطي الخليط من الأفكار، والنفس عن الأمر بالسوء وما تشتهيه من الطيبات إسرافا وتبذيرا، وكل الجوارح عن إتيان ما حرم الله عليها. بهذا يكون الصوم جنة والوقاية خير من العلاج.

وفي الصدقة العلاج، وليس الصدقة فقط زكاة تؤديها في عيد الفطر، وإنما كان رسول الله أجود ما يكون في رمضان، كما أنه لم يصم شهرا تاما إلا في رمضان، وان كنا مميزين بصيامنا عن عامة الناس خارج رمضان فينبغي أن نكون مميزين في صيامنا بصيام التقوى داخل رمضان، وإن طولب إلينا أن نزكي النفس خارج رمضان فينبغي أن نزكي النفس- بالفتح- داخل رمضان، وهو المطهر الذي جاءنا نسأل الله ونحن قد أدركناه أن يغفر لنا وان يرحمنا الله ويعتق رقابنا من النار.

والصدقة تطهر وتزكي: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [التوبة: 103]، ما فهمت معانيها ومراميها: ابتسامتك في وجه أخيك صدقة، والكلمة الطيبة صدقة، حتى اللقمة تضعها في فم أهلك صدقة، ومن العلم صدقة، ومن الإيمان صدقة، ومن كل ما أتاك الله صدقات يربيها من يعطي المنفق الخلف ويعطي الممسك التلف.

والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وعون على الوقاية والعلاج، وإسراء إليه ومعراج صلاة المرء في جوف الليل والناس نيام، وباب الله ليس عليه زحام، وأنت واقف في جنح الظلام تتورم منك الأقدام وقوفا بين يدي الواحد العلام تسأله أن يدرجك سبل السلام مع النبي والصحب الكرام لنيل الأوطار وبلوغ المرام.

وفي رمضان تراويح وقيام، وفي رمضان ينبغي أن تكون أجود، وفي رمضان شهر صيام على التمام، فاحرص على إثبات هذا العمل، واعلم أن رمضان يعلمنا الله به أن العمل الجماعي المنظم هو المثبت والمذكر والمعين، وكم من إنسان تدعوه إلى صوم يوم فيعجز، وإلى قيام ركعات قليلة فيكسل، والى التصدق ولو بشق تمرة فيبخل، لكن في رمضان، الرحمات والبركات يتنافس الناس حتى العوام على هذه المكرمات، ويزاحمون الملتزمين بمناكب البكور والتهجير والعزم الماضي.