في حياة الإنسان تنشأ العديد من العلاقات وبمرور الأيام تستمر أو تفتر أو تنقطع وكل علاقة من هذه العلاقات لها غاية من الغايات كلما حققت غايتها أو قدرا منها كلما وصفناها بالنجاح والاستقرار
ومن أهم العلاقات العلاقة بين الزوجين التي تقوم عليها المجتمعات والأمم فإذا صلحت الأسر سهل إصلاح المجتمعات.
وقد ساد جدل حول الكيفية المثلى لإنهاء العلاقة الزوجية، وانبرى أناس لبيان وقوع الطلاق بلفظ المطلق وحكاية إجماع العلماء على ذلك وعدم الاعتداد بشذوذ من شذ، وُثّق هذا الطلاق أم لم يُوثّق وكنا نحتاج إلى بيان كيف نحافظ على هذه الحياة؟ لتكتمل سعادة الزوجين والأبناء والمجتمع من حولهم ولينعم المجتمع بمناخ من الود والتفاهم بين لبناته الأولى.
السؤال الأهم الذي ينبغي طرحه ما هو الهدف من الزواج هل هو توفير غطاء شرعي لقضاء الشهوة؟ هل هو تكوين شراكة مالية بين رجل وامرأة أو عائلتين أو ضم ثروتين إلى بعضهما البعض؟ هل هو تكوين أسرة تحقق السكن والمودة والرحمة لكلا الزوجين؟
فإذا اتفق الزوجان منذ البداية على هدف أساس هو تكوين الأسرة تحملا في سبيل ذلك ما يجدانه من العقبات.
وحتى نحافظ على هذا البنيان ونثبت دعائمه ينبغي أن نراعي عدة أمور:
1-التقارب لا التطابق: وهب الله سبحانه وتعالى كل إنسان من الصفات والأخلاق ما يتميز به بين الناس والمطلوب من كل إنسان أن يراعي هذه الفروق الفردية في تعامله مع الآخرين ومع المحبة المتبادلة وبمرور الأيام ينشأ التفاهم والتقارب بين طباع الزوجين وتبقى نقاط للاختلاف يمكن تدارسها من خلال الحوار الذي ينشد فيه كل طرف الحق ويسعى نحو حياة أفضل وبالحوار نستبقي المحبة ونبتعد عن التشنجات التي تسبب شروخا في بنيان الأسرة.
2-لا تنسوا الفضل بينكم: عندما يشتد الخلاف بين الزوجين وتشتعل نيران العداوة يعمى كل طرف عن مزايا الطرف الآخر وعن مواقفه الإيجابية حتى يرى العلاقة بينهما -منذ بدايتها وحتى موعد الاختلاف -علاقة خالية من الحب مليئة بالبغضاء وهو ما يعرف عند علماء النفس بتداعي المعاني لكن الانسان المتزن دائما ما يحمل كفتين ويتذكر قول القائل:
من ذا الذي ما ساء قط ** ومن له الحسنى فقط
3-الخلاف في أضيق نطاق: العاقل هو الذي يضيق دائرة الخلاف فلا تتسع ولا تخرج من إطار البيت ولا تتعدى أضرارها للأبناء فيتخذون ورقة لضغط كل طرف على الطرف الآخر ولا يحدث خلاف بالليل فيأتي الصباح وقد انتشر خبره وتطاير شرره في كل بيت وذاع حديثه في كل ناد وبذلك يتعقد ويصعب حله،و طالما بقي الخلاف في دائرته الضيقة بين الزوجين أمكن حله بأقل الخسائر، وكم من نزاع حدث بين زوجين ودفع الأبناء ثمنه من صحتهم النفسية ومستقبلهم التعليمي وتواصلهم مع بقية أفراد المجتمع؟؟.
4-إظهار المودة في كل مناسبة: من أسباب استمرار الحياة الزوجية والاستمتاع بها رسائل المودة المتبادلة بين الزوجين والتي تعمق المحبة وتعتبر كل رسالة منها لبنة يقوم عليها صرح الحياة الزوجية وجسرا تمر عليه المشاعر الطيبة سئل النبي أي الناس أحب إليك قال عائشة [سنن بن ماجه].
5-لحظة من فضلك: تمتلء النفس بالغضب فيُخرج اللسان أقسى الألفاظ التي تجرح المشاعر والقلوب وتترك ندباتها في النفوس فلو امتلك الإنسان لسانه ساعة الغضب وفكر قبل أن ينطق حتى لا تخرج كلمة يندم عليها أو يحتاج في علاجها إلى أوقات وجهود.
6-الاحترام المتبادل: يزيد من المحبة ويقلص من الشقاق ويوفر البيئة السليمة لنشء يملك الصحة النفسية وإذا لم يجد الأبناء احترام الوالدين بعضهما لبعض ومن ثم احترامهما لهم ،فكيف يدركون معاني الكرامة وإذا لم تتكون عندهم فكرة الكرامة الشخصية فكيف نطالبهم بحفظ كرامة أسرتهم ودينهم ووطنهم؟ وعندما تجد المرأة انتقاصا من كرامتها وشعورا بالامتهان داخل بيتها هذا مما يملأ قلبها بالكراهية لزوجها ومن ثم تسعى نحو الطلاق أو تجف عاطفتها نحو زوجها، وبالطرف المقابل عدم احترام الزوجة لزوجها وعدم طاعتها له – في المعروف – قد يستكين ويكتم مشاعره ويسعى للطلاق أو يعيش مهيض الجناح فاقدا لقيم الرجوله ومعانيها ويبقى مكان الرجل في قلب المرأة فارغا ينتظر من يملأه.
7-وفي النزهة فرصة: ومما يوثق العلاقات بين الزوجين ويربط بينهما برباط الألفة والمودة التنزه ومن آثاره تخفيف أعباء الحياة وتجديد النشاط وكسر روتين الحياة والسماح لكلا الزوجين باكتشاف عناصر إيجابية في الطرف الآخر والقلوب إذا ملت عميت عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: ” تَقَدَّمُوا ” فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي: ” تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ ” فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: ” تَقَدَّمُوا ” فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: ” تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ ” فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: ” هَذِهِ بِتِلْكَ “. [1]
8-توثيق العلاقة بوالدي الزوج: كم هي الاضطرابات التي تنشأ بسبب عدم إدراك أهمية العلاقة الصالحة الصحيحة بأبوي الزوج والزوجة فكما أن للزوج حقوق فلهما حقوق كذلك وإن لم يكن التعامل معهما من باب الحق والواجب فليكن من باب الحب فالإنسان إذا أحب شخصا أحب ما يحبه ولعل من القواعد المهمة التي يجب وضعها في بدأ الحياة الزوجية كما يجب متابعة تطبيقها قاعدة الاحترام المتبادل بين كلا الزوجين ووالديهما.
ولعل السبب في النزاع بين الأم وزوجى ابنها هو ظن كل منهما أن لها الحق الأوحد في الزوج ومن ثم تحدث الغيرة إذا ظنت الأم أن زوجها يزيد من إقباله وبره بالزوجة والعكس.
ومنشأ البلوى هو بداية العلاقة – في أحسن تقدير -على الحساسية بين الطرفين ولعل مما يربط بين الكنة وحماتها هو التقدير المتبادل وتقديم الهدية وبرها واحتمال ما يصدر منها كما تحتمل المرأة أمها إذا غلظت عليها إن التسامح بين الزوجة وأم زوجها يحمي العلاقة الزوجية من الانهيار
9-تقسيم الأعباء: يجب أن تحصر المسؤليات وتقسم بعدالة بين الزوجين فإذا أهمل ذلك وألقيت أغلب الأعباء على طرف دون آخر كانت هذه بذرة للشقاق الذي يمكن أن يتسع ليصل إلى الطلاق.
10- إن بعض الظن إثم: تنموا الأوهام في نفوس الزوجين ويسقيها الشيطان وما يجده المرأ من تجارب مر بها أو حكيت له فيظن أن كل امرأة ككل التي قرأ عنها أو شاهد لها مقطعا خارجا عن حدود الأدب والشرع لذا تنصرف نفسه عند أول نزاع إلى تفسير ما حدث بأسوء تفسير واتهام امرأته بكل نقيصة فكيف تبقى في عصمته؟
وقد قال قائلهم:
إن النساء شياطين خلقن لنا ** نعوذ بالله من شر الشياطين
وهذا من الظلم البيّن الذي لا يرضاه الله ولا تستقيم به الحياة.
[1] مسند أحمد