حق المسلم على المسلم، وجزاء من قام بهذه الحقوق: إن للمسلم على المسلم حقوقًا جاء بها الإسلام في القرآن الكريم، وعلى لسان النبي الأمين سيدنا محمد – صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين – وهي حقوق كثيرة تنبئ عن الأخلاق الإسلامية الحميدة التي يجب أن يتخلق بها كل مسلم، ويتحلى بها المسلمون جميعًا. فلو قام كل مسلم بما وجب عليه من حقوق تجاه إخوانه المسلمين؛ لساد في المجتمع الحب والتعاون، ولانتشرت السعادة والطمأنينة والسكينة في قلوب المسلمين.

حديث حق المسلم على المسلم

جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله يقول: “حق ‌المسلم ‌على ‌المسلم خمس؛ رد السلام، وعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس” متفق عليه.

وفي رواية في صحيح مسلم، عن أبي هريرة أن رسول الله قال: “حق المسلم على المسلم ست. قيل: ما هن يا رسول الله؟ قال: إذا لقيته فسلم عليه، وإذا دعاك فأجبه، وإذا استنصحك فانصح له، وإذا عطس فحمد الله فسمته، وإذا مرض فعده، وإذا مات فاتبعه”.

عيادة المريض

لقد ذكر رسول الله أن من حق المسلم على المسلم أنه إذا مرض المسلم عاده أخوه المسلم، وبين جزاء من يقوم بهذا العمل؛ أي عيادة المريض؛ إذ يكون في خراف الجنة؛ أي بساتينها حتى يعود.

تشييع الجنازة

وإذا مات مسلم كان من حقه على إخوانه المسلمين أن يشيعوه إلى قبره، وأن يصلوا عليه، وبين جزاء اتباع الجنائز وأجر من يفعل ذلك بأنه له قيراطان في الجنة، والقيراط مثل جبل أحد.

إلقاء السلام

ومن حق المسلم على أخيه المسلم أن يسلم عليه إذا لقيه، وله بذلك أجر عظيم عند الله تعالى، وعلى من يسلم عليه أن يرد السلام بزيادة أو بمثله على الأقل؛ قال تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} (النساء: 86)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (النور: 27).

إجابة الدعوة

ومن حق المسلم على أخيه المسلم أن يجيبه إذا دعاه لعرس أو وليمة؛ بشرط ألا يكون هناك إثم ولا معصية. وكان رسول الله يقول: “لو دعيت إلى كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع لقبلت”، فإجابة الدعوة حق من حقوق المسلم على أخيه المسلم مراعاة لخاطره، والوقوف بجواره في السراء والضراء، ولجبر خاطره.

إبرار القسم

كما أن من حق المسلم على المسلم أن يبره إذا أقسم عليه بشرط ألا يكون في إبراره لقسمه معصية، أما إذا كان إبراره في قسمه يؤدي إلى معصية فلا يبره، وعلى المقسم أن يكفر عن يمينه ويفعل الذي هو خير. قال : “من حلف على يمين فوجد غيرها خيرًا منها فليكفر عن يمينه، وليأت الذي هو خير”.

تشميت العاطس

ومن حق المسلم على أخيه المسلم أن يشمته إذا عطس بشرط أن يحمد الله؛ ومعنى يشمته؛ أي يدعو له بالرحمة فيقول له: يرحمكم الله مرة ومرتين، وفي الثالثة يقول له: يرحمك الله بك مرض أو زكام، وعلى العاطس أن يرد على من دعا له وشمته، فيقول: يغفر الله لي ولك، أو يهدينا ويهديكم الله ويصلح بالكم. فإذا لم يحمد الله الذي عطس فلا حق له في التشميت. والتشميت، أي الدعاء بالرحمة، مأخوذ من شوامت الدابة؛ أي قوائمها، فهو دعاء له بالتثبيت؛ لأن العطاس نذير مرض وبرد، ويقال له: التسميت بالسين بدلًا من الشين، وهو دعاء بأن يجعل الله تعالى سمته حسنًا؛ أي هيئته حسنة، وأن يعافيه من الأمراض.

النصيحة

ومن حق المسلم على المسلم أن ينصحه إذا طلب منه النصيحة، والنصيحة مطلوبة لكل مسلم، ومن كل مسلم قادر على إسدائها وتقديمها للناس، وليس هناك كبير على النصيحة، فالنصيحة تكون للحاكم وللمحكوم، وتكون للصغير وللكبير، وتكون لدين الله وللقرآن ولرسول الله .

جاءت كل هذه الحقوق في قوله : “حق المسلم على المسلم خمس؛ أن يعوده إذا مرض، ويشيعه إذا مات، ويسلم عليه إذا لقيه، ويجيبه إذا دعاه، وأن يبره إذا أقسم” وفي رواية: “حق المسلم على المسلم ست”، جاء فيها “وأن يشمته إذا عطس، وأن ينصحه إذا استنصحه”.

والنصيحة جعلها رسول الله الدين كله؛ ليبين مكانتها؛ فقال : “الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة”. قال الراوي: قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: “لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم”؛ أي ليس هناك كبير على النصيحة.

والنصيحة لله؛ أي تكون النصيحة خالصة لله سبحانه وتعالى ولصالح دين الله، والنصيحة لرسول الله؛ أي تكون خالصة لصالح شرع رسول الله ، والنصيحة لكتاب الله؛ أي تكون الدعوة لحفظ كتاب الله، والعمل بكتاب الله.

وعن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: بايعت رسول الله على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. حديث متفق عليه.

النصح في القرآن الكريم

ولقد جاءت آيات كريمة في النصح؛ فقال تعالى إخبارًا عن نوح عليه السلام: {وَأَنصَحُ لَكُمْ} (الأعراف: 62) وعن هود عليه السلام: {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} (الأعراف: 68). فتقديم النصيحة وإسداء النصح خلق فاضل كريم دعت إليه كل الشرائع السماوية، وتنزلت به الكتب السماوية، وتردد كثيرًا على ألسنة الرسل.

مكانة النصيحة في الإسلام

النصيحة هي الكلمة الجامعة الوحيدة للدلالة على الخير، والتحذير من الشر والوقوع فيه. تكررت على لسان سيد الخلق كثيرًا، بل إن النبي جعل النصيحة للناس هي الدين كله. وتكون النصيحة لله؛ أي لدينه سبحانه وتعالى وتكون خالصة له – سبحانه عز وجل. وتكون لرسول الله ؛ أي لصالح دينه وشخصه ورفعة شريعته وإعلاء سنته والدعوة إلى العمل بالسنة وحفظها. وتكون لكتاب الله بحفظه وتعليمه وتعلمه وفهمه ودراسته والعمل به والسير على تشريعاته. وتكون لأئمة المسلمين من أمراء وعلماء؛ فلا كبير على النصيحة. وتكون لعامة الأمة في دعوتها إلى الرشد والرشاد وترك الغي والضلال والظلم والفساد والدعوة إلى العمل بشرع الله تعالى.

وصية الرسول بالنصيحة

ولمكانة النصيحة العالية يوصي بها رسول الله الصحابي الجليل جرير بن عبد الله البجلي بعدما يأتي جرير ويبايع على الإسلام، فيناديه رسول الله بعد المبايعة ليضيف لبيعته بندًا مهمًّا في بيعته فيناديه: “يا جرير”، فيعود جرير، فيقول له عليه الصلاة والسلام: “والنصح لكل مسلم، والنصح لكل مسلم، والنصح لكل مسلم”، أي ضم إلى مبايعتك النصح لكل مسلم.

روى الإمام مسلم في (صحيحه) بسنده عن جرير بن عبد الله البجلي، قال: بايعت رسول الله على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم. في رواية: بايعت رسول الله على النصح لكل مسلم. وفي رواية ثالثة: بايعت النبي على السمع والطاعة، فلقنني فيما استطعت والنصح لكل مسلم.

النصح في حياة الأنبياء

إن النصح خلق نبيل جاءت به كل الشرائع، وتردد على ألسنة كل الرسل. فها هو نبي الله نوح عليه السلام يعلن عن نصحه لقومه؛ قال تعالى في سورة “الأعراف” في إرسال نوح عليه السلام إلى قومه وعدم إيمانهم به واتهامهم إياه بالضلال كذبًا وبهتانًا؛ قال يحكي عن نوح: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلالَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} (الأعراف: 61، 62).

ونبي الله صالح يعلن بأنه نصح قومه وأسدى لهم النصيحة، ولكنهم لا يحبون الناصحين؛ قال تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} (الأعراف: 79).

وشعيب عليه السلام بلغ قومه ونصحهم، ولكنهم عتوا واستكبروا؛ قال تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ} (الأعراف: 93).

وجاء في قصة هود عليه السلام أيضًا أنه أعلن على قومه أنه قام بالنصيحة لهم وكان أمينًا معهم؛ قال تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} (الأعراف: 67، 68).

وها هو رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ينصح موسى عليه السلام بالخروج من المدينة؛ لأن الملأ – أي علية القوم – يأتمرون به ليقتلوه؛ فنصحه بالخروج من المدينة، وأخبره بأنه لهم من الناصحين. وعمل موسى بنصيحته فنجاه الله سبحانه وتعالى. قال تعالى: {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ} (القصص: 20).

وإخوة يوسف عليه السلام قالوا لأبيهم: إنا من الناصحين ليوسف فأعطاه لهم، وكان ما كان منهم مع يوسف عليه السلام. قال تعالى: {قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ * أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (يوسف: 11، 12).

الخاتمة

فالنصيحة خلق كريم دعت إليه كل الشرائع، وجاء على لسان كل الرسل، وأكد عليه القرآن الكريم ورسول الله في أحاديثه الشريفة، بل جعله من حقوق المسلم على أخيه المسلم؛ قال كما رويت الحديث سابقًا: “حق المسلم على المسلم خمس؛ أن يعوده إذا مرض، وأن يشيعه إذا مات، وأن يسلم عليه إذا لقيه، وأن يشمته إذا عطس، وأن يجيبه إذا دعاه. وفي رواية صحيحة: “حق المسلم على المسلم ست”، زاد فيها: “وأن ينصحه إذا استنصحه”.