الموت أو القتل الرحيم، هو عبارة عن إنهاء حياة إنسان يعاني من مرض شديد يأس صاحبه من الشفاء، أو يكون قد كره الحياة لسبب أو آخر، ولا يستطيع إنهاء حياته، فإما أن يتخلص هو من الحياة، أو يساعده آخرون، خاصة الأطباء، من خلال منع إعطائه الدواء، أو أن يعطيه بعض الأدوية التي تؤدي إلى موته دون أن يشعر بالألم.
وما يسمى بالموت الرحيم ليس رحيما، بل هو لعب بالألفاظ لتغييرها عن جوهرها وحقيقتها، وهذا في حقيقته لا يسمى موتا، بل هو قتل للنفس، بعيدا عن دوافعه، فما يسمى ( الموت الرحيم) هو التعجيل بقتل النفس؛ لعدم قدرة الشخص على تحمل الألم أو المرض أو المعاناة أيا كانت نوعها؛ جسدية كانت أو نفسية، أو اجتماعية، أو غيرها.
وحقيقة قتل النفس بما يسمى ” الموت الرحيم” هو قلة صبر والجزع، واعتراض على قدر الله تعالى فيما قدر على الإنسان، وقد روي عن ابن مسعود أنه قال: ( لأن أَعَضَّ على جمرة حتى تبرد؛ أحب إلي من أن أقول لشيء قضاه الله: ليته لم يكن ).
وروي عن يعقوب – عليه الصلاة والسلام – أنه قيل له: ما قوَّس ظهرك، وأذهب نفسك؟ قال: أذهب نفسي حزني على يوسف، وقوَّس ظهري حزني على أخيه. فأوحى الله إليه: يا يعقوب، تفرَّغت لشكواي ؟
والحديث: “من شكا مصيبةً نزلت به فإنما يشكو ربَّه” (رواه الطبراني).
وقال المنبجي في تسلية أهل المصائب (ص: 29):
” وليعلم المصاب أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها، وهوفي الحقيقة يزيد في مصيبته، بل يعلم المصاب أن الجذع يشمت عدوه، ويسوء صديقه، ويغضب ربه، ويسر شيطانه، ويحبط أجره، ويضعف نفسه”.
وقال ابن جماعة في “تذكرته”: قال عيسى عليه السلام: يا بني إسرائيل! تكون في بيوتكم الحمام تفرخ وتذبحون فراخها، فلا تنفر عنكم لما أسلفتم من العلف والماء والإحسان، يأخذ الله بعض أولادكم فتسخطون عليه، وتفرون منه؟ فبئس المثل لكم!
حسن التنبه لما ورد في التشبه، نجم الدين الغزي (11/ 542)
والقتل الرحيم حرام شرعا، سواء قتل الإنسان نفسه، أو ساعده غيره في قتل نفسه، فكلاهما حرام، سواء أكان بآلة أو بتعاطي دواء معين، أو أي وسيلة كانت.
والدليل على حرمته قول الله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } [النساء: 29]، فبان أن قتل النفس هو ضد الرحمة، فإن كان الله تعالى رحيما بنا، فلم لا نرحم نحن أنفسنا؛ تأسيا برحمة الله تعالى.
وقتل النفس من الانتحار المحرم، الذي وردت السنة النبوية بتحريمه، ومن ذلك ما ورد في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا» رواه البخاري، وقال: «إن رجلا ممن كان قبلكم خرجت به قرحة، فلما آذته انتزع سهما من كنانته فنكأها، فلم يرقأ الدم حتى مات. قال ربكم: قد حرمت عليه الجنة» .
وأما مساعدة الأطباء الناس على قتل أنفسهم فهو حرام؛ لأن الله حرم قتل النفس المؤمنة، وتوعد صاحبها بدخول جهنم، فقال: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } [النساء: 93].
وكذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه البخاري: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، إلا بإحدى ثلاث: النفس بالنفس، والثيب الزاني، والمارق من الدين التارك الجماعة».
ثم إنه لا يجوز للطبيب أن يستجيب طلب المريض الذي يقتل نفسه؛ لقول النبي ﷺ:” لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
والمريض أو الإنسان الذي يريد قتل نفسه، فهو يتعرض لسخط الله تعالى، لأنه يعترض على قضاء الله وقدره، ( فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط).
كما أن الموت والحياة يجب أن تكون لله وحده، فالله تعالى هو الذي يحدد متى يخلق الإنسان ومتى يموت الإنسان، فإذا تدخل الإنسان وقتل نفسه، فقد اعترض على قضاء الله؛ فاستحق سخط الله، كما ورد في سنن الترمذي من حديث النبي ﷺ أنه قال:”إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله عز وجل إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط.
هذه بعض النصائح في موضوع ” الموت الرحيم ” :
- عش حياتك التي كتبها الله تعالى، ولا تعجل نفسك نحو الموت.
- ابحث عن حلول لمشاكلك، أو علاجا لمرضك.
- الحياة استضافة الله تعالى لنا، فمن سوء الأدب أن نرفض ضيافة الله.
- فكر إيجابيا بدل التفكير السلبي، فالحياة ليست لونا واحدا.
- لا تساعد غيرك على إنهاء حياته، فما تفعله مع غيرك؛ سيصيبك يوما ما.