هل تدرك أنّ الكلمات التي ننطقها اليوم قد تصنع جسور سلام أو تزرع بذور الفتنة غدًا؟ في عصر التواصل الرقمي الجامح، ارتفع منسوب خطاب الكراهية عبر منصات التواصل الاجتماعي ليهدد التعايش السلمي ويشعل الصراعات الثقافية والعرقية.

تعرّف في هذا الدليل الشامل على اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية 2025، واكتشف كيف يمكننا – من خلال فقه الإسلام والقوانين الدولية – تحويل الكلمة من سلاح هدم إلى أداة بناء مجتمعات تنبض بالاحترام والتسامح.

في رحلة التوعية في هذا اليوم، على الجميع أن يكونوا صوتًا واحدا يصدّ خطاب الكراهية بدلاً من أن ينشره. وفي هذا الصدد تحيي الأمم المتحدة في 18 يونيو 2025 “اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية”، وهو يوم أقرته الجمعية العامة لمواجهة تنامي ظاهرة خطاب الكراهية حول العالم وتعزيز الحوار بين الثقافات والأديان والاحترام المتبادل.

منذ إطلاق استراتيجية الأمم المتحدة لخطة العمل بشأن خطاب الكراهية في 18 يونيو 2019، يعكس هذا اليوم التزام المجتمع الدولي بحماية حقوق الإنسان والسلام والأمن الدوليين من الهجمات التمييزية القائمة على العرق أو الدين أو الجنس أو غيرها من عوامل الهوية.

يأتي هذا اليوم ليذكرنا بأن الكلمة لها قوة بناء أو هدم، وأن استخدامها بطرق غير مسؤولة يمكن أن يعمّق الانقسامات ويهدد التعايش السلمي بين الشعوب.

ماهو خطاب الكراهية؟

يعرَّف “خطاب الكراهية” بأنه أي شكل من أشكال التواصل – سواء كان شفهيًا أو كتابيًا أو سلوكياً – يهاجم أو يستخدم لغة تحقيرية أو تمييزية تجاه شخص أو جماعة استنادًا إلى هويتهم، كدينهم أو عرقهم أو جنسهم أو غيرها من العوامل. يشمل ذلك تجسيد الفئات المستهدفة كبش فداء، وتعزيز الصور النمطية السلبية، والتحريض على الكراهية من خلال النظريات المؤامراتية أو إنكار أحداث تاريخية كالإبادات الجماعية.

على سبيل المثال، عندما يتم نشر تصريحات تدعو إلى العنف ضد مجموعة دينية معينة، أو إطلاق عبارات مهينة تستهدف النساء أو ذوي الإعاقة، فإن ذلك يدخل ضمن نطاق خطاب الكراهية. المشكلة هنا ليست فقط في الكلمات نفسها، بل في تأثيرها على المجتمع؛ حيث تعمل هذه التصريحات على تعزيز التمييز والعنف وتقويض القيم المشتركة.

شخص يرتدي قميصاً برتقالياً يستخدم مكبر صوت للتعبير عن مشاعر الكراهية، مع وجود صورة لوجهه تظهر مشاعر القلق. التصميم يجمع بين عناصر فنية مميزة تعكس تأثير الكراهية على الفرد.
كيف نحمي الإنسانية من خطاب الكراهية؟

الإسلام، كدين شامل يدعو إلى السلام والتسامح والتعايش، يحمل في نصوصه الشرعية وتعاليمه الأخلاقية إطارًا واضحًا لمواجهة خطاب الكراهية الذي يُعتبر من أخطر الظواهر الاجتماعية المهددة للسلم الأهلي والإنساني. يُعرَّف خطاب الكراهية بأنه أي شكل من أشكال التعبير – سواء كان شفهيًا أو كتابيًا أو سلوكيًا – يهدف إلى إذكاء الكراهية أو العداء ضد الأفراد أو الجماعات بناءً على اختلاف الدين، العرق، الجنس، أو غيرها من عوامل الهوية.

خطاب الكراهية في الإسلام والأديان السماوية

الأديان السماوية – الإسلام، المسيحية، واليهودية – تشترك جميعها في القيم الإنسانية الأساسية التي تدعو إلى السلام والتسامح والاحترام المتبادل. القرآن الكريم، على سبيل المثال، يؤكد على أهمية التعايش السلمي وعدم إيذاء الآخرين، حيث يقول الله تعالى: “ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم” (الأنعام: 108). كما يحذر الله في سورة الهمزة من سلوك القاذف والمذيع للقيل والقال والكراهية الشفوية، معرضًا مرتكبيها لعقاب شديد.

وفيما يلي نستعرض موقف الإسلام من هذه الظاهرة، مستندين إلى النصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة.

النهي عن الغيبة والنميمة والكلمة الجارحة

يُعتبر الإسلام من أوائل الأديان التي حذرت بوضوح من خطورة الكلمة السيئة وأثرها السلبي على العلاقات الإنسانية. فقد نهى الله سبحانه وتعالى عن الغيبة والنميمة، وهما من أبرز أشكال خطاب الكراهية، في قوله تعالى:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ۖ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ” (سورة الحجرات: 12).

في هذه الآية الكريمة، قرن الله الغيبة بأكل لحم الميت، وهو تشبيه قوي يعكس مدى بشاعة هذا الفعل وتأثيره السلبي على المجتمع. كما حذر النبي محمد من الغيبة والنميمة في قوله: “أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ. قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ” (رواه مسلم).

التحذير من الإساءة إلى الأديان والمقدسات

من أهم أشكال خطاب الكراهية التي حذر منها الإسلام هو الإساءة إلى الأديان والمقدسات. فقد نهى الله سبحانه وتعالى المسلمين عن سب آلهة المشركين أو التعرض لمعتقداتهم بطريقة استفزازية، وذلك لتجنب إثارة الفتنة والعداوة. يقول الله تعالى:

وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ” (سورة الأنعام: 108).

هذه الآية توضح أن الإسلام لا يقبل بالإساءة حتى إلى الآلهة التي يعبدها غير المسلمين، لأن ذلك قد يؤدي إلى ردود فعل سلبية تؤذي التعايش السلمي وتزيد من حدة الكراهية.

الدعوة إلى التسامح والاحترام المتبادل

يُعتبر التسامح من أبرز القيم التي يدعو إليها الإسلام، ويظهر ذلك بوضوح في التعامل مع غير المسلمين. فقد أمر الله المسلمين بالعدل والإنصاف حتى مع الذين يختلفون معهم في الدين، فقال تعالى:

لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ” (سورة الممتحنة: 8).

كما أكد النبي على أهمية احترام الآخر وعدم إيذائه بكلمة أو فعل، فقال: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ” (رواه البخاري ومسلم). هذا الحديث النبوي يضع ضوابط واضحة لاستخدام الكلمة، حيث يدعو المسلم إلى التفكير قبل الكلام وتجنب أي تعبير قد يؤدي إلى الأذى أو الإساءة.

التحذير من التحريض على العنف والفتنة

يُعتبر التحريض على العنف أو الفتنة من أخطر أشكال خطاب الكراهية، وقد حذر الإسلام منه بشدة. فقد قال الله تعالى:

وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا” (سورة الأعراف: 56).

كما أكد النبي على خطورة الفتنة، فقال: “إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ” (رواه مسلم). هذه النصوص تشير إلى أهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار الاجتماعي، وتجنب أي قول أو فعل يؤدي إلى زعزعة الاستقرار أو إثارة الكراهية بين الناس.

وللإسلام دور  في تعزيز الحوار والتفاهم، حيث يدعو الإسلام دائمًا إلى الحوار والتفاهم كوسيلة لحل الخلافات وتعزيز العلاقات الإنسانية. فقد قال الله تعالى: “ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ” (سورة النحل: 125).

كما أرسل النبي رسائل سلام إلى حكام العالم في زمنه، مثل رسالة إلى هرقل عظيم الروم وكسرى ملك الفرس، داعيًا إياهم إلى الإسلام بطريقة حضارية تحترم عقولهم ومعتقداتهم. هذا النهج الإسلامي في الحوار يعكس أهمية بناء جسور التفاهم بدلاً من نشر الكراهية.

صورة لرجل يرتدي بدلة يحمل تلفازًا قديمًا يعرض عبارة "خطاب الكراهية" بخط بارز، مع خريطة العالم في الخلفية، مما يبرز موضوع الكراهية والمعلومات المضللة في الإعلام.

ويُظهر الإسلام موقفًا واضحًا وشاملًا تجاه خطاب الكراهية، حيث يدعو إلى التسامح، احترام الآخر، والحوار البنّاء، ويحرم كل أشكال الإساءة والتحريض على الكراهية. إن التعامل مع هذه الظاهرة يتطلب تضافر الجهود بين الأفراد والمجتمعات والمؤسسات الدينية، لتوعية الناس بخطورة الكلمة وتأثيرها على العلاقات الإنسانية. فالإسلام ليس فقط دينًا يحذر من خطاب الكراهية، بل هو دين يسعى إلى بناء مجتمع تسوده المحبة والسلام والتعايش.

ماهي جريمة خطاب الكراهية؟

على الصعيد القانوني الدولي، تُجرَّم أكثر أشكال خطاب الكراهية حدةً، لا سيما التحريض على التمييز أو العداء أو العنف، بموجب المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تحظر “الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تُعدّ تحريضاً على التمييز أو العداء أو العنف. توفر “خطة رِباط للعمل” دليلاً للدول حول معايير تطبيق هذه المادة وآليات تحديد درجة الخطر الذي يفرضه الخطاب لمنع انتهاك حق التعبير المشروع.

كما تبنت بعض الدول تشريعات وطنية متقدمة؛ فمثلاً أقر البرلمان الجنوب أفريقي “قانون الوقاية ومكافحة جرائم الكراهية وخطاب الكراهية لعام 2023″، الذي يعاقب بالحبس من ينشر خطاب كراهية يستهدف الأفراد أو الجماعات بناءً على سماتهم الشخصية، مع استثناءات للأبحاث العلمية والفنون والتعابير الدينية الهادفة بحسن نية.

وفي الإسلام، هناك عقوبات شرعية تُفرض على من ينتهك حقوق الآخرين أو يثير الفتنة بين الناس. فالإسلام يعاقب على القذف والسب والتشهير، كما جاء في قوله تعالى:

وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” (سورة النور: 4).

كما أن الإسلام يشدد على ضرورة تقديم النصح بصوت هادئ وبأسلوب حكيم، بعيدًا عن الإساءة أو الإهانة.

التحديات التي يثيرها خطاب الكراهية

خطاب الكراهية يمثل تحديًا كبيرًا للمجتمعات الحديثة، خاصة في ظل التطور التكنولوجي الهائل الذي جعل من السهل نشر الأفكار السلبية بسرعة كبيرة عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي. من أبرز التحديات:

تهديد التماسك الاجتماعي : ينشر ثقافة عدم التسامح والكراهية تجاه الأقليات والفئات الضعيفة، مما يقوض القيم المشتركة ويشكل بارومترًا لتصاعد العنف الجماعي.

تفاقم الصراعات : يؤدي إلى تأجيج الصراعات واستباحة العنف ضد الجماعات، مما يخلق ذهنية تبريرية للتمييز والتطهير العرقي أو الديني.

انتشار سريع عبر المنصات الرقمية : بفعل خوارزميات تكريس التحيزات، يتحول خطاب الكراهية إلى “نفايات سامة” تلوث النقاشات الإلكترونية وتغذي التطرف المعزز بالحرب المعلوماتية.

أهمية مكافحة خطاب الكراهية

مكافحة خطاب الكراهية ليست مجرد قضية حقوقية، بل هي ضرورة مجتمعية وأخلاقية. فعندما نسمح لهذا الخطاب بالانتشار، فإننا نفتح الباب أمام المزيد من الانقسامات والصراعات. ومن هنا تأتي أهمية العمل المشترك بين الحكومات والمجتمع المدني ومنصات التواصل الاجتماعي لمواجهة هذه الظاهرة.

  • تعزيز التعايش السلمي : مكافحة خطاب الكراهية تسهم في بناء مجتمعات أكثر تسامحًا واحترامًا للتنوع.
  • حماية الحقوق الإنسانية : يعمل القضاء على خطاب الكراهية على حماية حقوق الأفراد في العيش بكرامة وأمان.
  • دعم التنمية المستدامة : كما أكدت الأمم المتحدة، فإن تحقيق أهداف التنمية المستدامة يتطلب بيئة خالية من الكراهية والتمييز.

أمثلة على خطاب الكراهية

شهد العالم العديد من الأمثلة المؤلمة على خطاب الكراهية، سواء عبر التاريخ أو في العصر الحديث. من بينها:

  • الحملات الإعلامية التي مهدت الطريق للإبادة الجماعية في رواندا عام 1994.
  • تصاعد خطاب الكراهية ضد المسلمين في أوروبا بعد هجمات 11 سبتمبر 2001.
  • رسائل ومشاركات الكراهية ضد الأقليات الدينية والإثنية في شوارع مدن عدة، مما يبرز انتقال الخطاب الإلكتروني إلى الواقع الميداني.
  • منشورات عنصرية على منصات التواصل الاجتماعي تنادي بمنع دخول طالبي اللجوء من مناطق معينة، وتدعو لمقاطعة المنتجات “الداعمة للأجانب”.

كل هذه الأمثلة تثبت أن خطاب الكراهية ليس مجرد كلمات، بل هو أداة قوية قد تقود إلى نتائج مدمرة إذا لم يتم التصدي لها.

مكبر صوت أسود مع مقبض خشبي، مثبت بزاوية على خلفية حمراء. تصميم حديث يبرز في مجال الدعاية والإعلان.

كيفية مكافحة خطاب الكراهية

هناك العديد من الطرق والوسائل لمكافحة خطاب الكراهية، تختلف باختلاف الثقافات والأديان والمؤسسات، لكنها تلتقي في مجملها في كره خطاب الكراهية.

الأطر القانونية الدولية والوطنية

تفعيل المادتين 19 و20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية للتمييز بين التعبير المشروع والتحريض على الكراهية، مع اعتماد “خطة رِباط للعمل” كمرجعية لتحديد العتبات القانونية المجرّمة للخطر المحدق. كما يجب سن تشريعات وطنية شاملة تشمل عقوبات رادعة وخططًا وقائية، كما فعلت جنوب أفريقيا بقانونها لعام 2023.

التوعية والتعليم

إدراج مواد “المواطنة الرقمية” و”الإعلام والمعلومات” ضمن المناهج الدراسية، لتمكين الطلاب من التمييز بين الخطاب المحرض والموضوعي وتعزيز التفكير النقدي. تنظيم حملات توعية مجتمعية وورش عمل للشباب تساعدهم على اكتساب استراتيجيات “الرد المضاد” (Counterspeech) بتقديم حقائق بديلة والتصدي للسرديات الكريهة بروح من التعاطف والحوار.

دور المنصات الرقمية والإعلام

فرض معايير شفافة للشركات التكنولوجية للإفصاح عن سياسات إدارة المحتوى وخوارزميات التوصية، وضمان إمكانية الإفصاح عن نسب مخاطبة خطاب الكراهية والتدابير المتخذة. دعم الإعلام المهني والنزيه لتعزيز مبدأ “التوازن والحقيقة” ومراقبة دعايات الكراهية، مع تشجيع الإعلاميين على حماية الفئات المستهدفة بالخطاب التحريضي.

مبادرات المجتمع المدني والشباب

تمكين منظمات حقوق الإنسان والجمعيات الشبابية لإطلاق مبادرات “السلام الرقمي” والمسابقات الإبداعية التي تبث رسائل التسامح عبر الوسائط المتعددة. الاحتفاء بصوت الشباب الفاعل عبر استضافة منتديات ومسابقات لكتابة المقالات والقصص المصغرة التي تدعو إلى التعايش وقبول الآخر.

ماهو خطاب الكراهية؟

يعرَّف “خطاب الكراهية” بأنه أي شكل من أشكال التواصل – سواء كان شفهيًا أو كتابيًا أو سلوكياً – يهاجم أو يستخدم لغة تحقيرية أو تمييزية تجاه شخص أو جماعة استنادًا إلى هويتهم، كدينهم أو عرقهم أو جنسهم أو غيرها من العوامل. يشمل ذلك تجسيد الفئات المستهدفة كبش فداء، وتعزيز الصور النمطية السلبية، والتحريض على الكراهية من خلال النظريات المؤامراتية أو إنكار أحداث تاريخية كالإبادات الجماعية.
على سبيل المثال، عندما يتم نشر تصريحات تدعو إلى العنف ضد مجموعة دينية معينة، أو إطلاق عبارات مهينة تستهدف النساء أو ذوي الإعاقة، فإن ذلك يدخل ضمن نطاق خطاب الكراهية. المشكلة هنا ليست فقط في الكلمات نفسها، بل في تأثيرها على المجتمع؛ حيث تعمل هذه التصريحات على تعزيز التمييز والعنف وتقويض القيم المشتركة.
الإسلام، كدين شامل يدعو إلى السلام والتسامح والتعايش، يحمل في نصوصه الشرعية وتعاليمه الأخلاقية إطارًا واضحًا لمواجهة خطاب الكراهية الذي يُعتبر من أخطر الظواهر الاجتماعية المهددة للسلم الأهلي والإنساني. يُعرَّف خطاب الكراهية بأنه أي شكل من أشكال التعبير – سواء كان شفهيًا أو كتابيًا أو سلوكيًا – يهدف إلى إذكاء الكراهية أو العداء ضد الأفراد أو الجماعات بناءً على اختلاف الدين، العرق، الجنس، أو غيرها من عوامل الهوية.

ماهي جريمة خطاب الكراهية؟

على الصعيد القانوني الدولي، تُجرَّم أكثر أشكال خطاب الكراهية حدةً، لا سيما التحريض على التمييز أو العداء أو العنف، بموجب المادة 20 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، التي تحظر “الدعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية التي تُعدّ تحريضاً على التمييز أو العداء أو العنف”. توفر “خطة رِباط للعمل” دليلاً للدول حول معايير تطبيق هذه المادة وآليات تحديد درجة الخطر الذي يفرضه الخطاب لمنع انتهاك حق التعبير المشروع.
كما تبنت بعض الدول تشريعات وطنية متقدمة؛ فمثلاً أقر البرلمان الجنوب أفريقي “قانون الوقاية ومكافحة جرائم الكراهية وخطاب الكراهية لعام 2023″، الذي يعاقب بالحبس من ينشر خطاب كراهية يستهدف الأفراد أو الجماعات بناءً على سماتهم الشخصية، مع استثناءات للأبحاث العلمية والفنون والتعابير الدينية الهادفة بحسن نية.
وفي الإسلام، هناك عقوبات شرعية تُفرض على من ينتهك حقوق الآخرين أو يثير الفتنة بين الناس. فالإسلام يعاقب على القذف والسب والتشهير، كما جاء في قوله تعالى:
“وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ” (سورة النور: 4).
كما أن الإسلام يشدد على ضرورة تقديم النصح بصوت هادئ وبأسلوب حكيم، بعيدًا عن الإساءة أو الإهانة.

رسالة للأجيال

يتعاظم التحدي العالمي في مواجهة خطاب الكراهية مع تطور وسائل التواصل وانتشاره عبر الحدود، مما يستلزم جهودًا منسقة بين الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني والأفراد. إن نجاح مكافحة هذا الخطاب لا يقتصر على فرض القوانين وحسب، بل يتجاوز ذلك إلى بناء ثقافة مشتركة قائمة على الاحترام المتبادل والحوار والتسامح، حتى يستشرف العالم مستقبلاً يسوده التعايش والسلام.

في عالم يزداد فيه الاعتماد على التكنولوجيا وتتصاعد فيه التحديات الاجتماعية، يصبح من الضروري أن نعمل جميعًا على مكافحة خطاب الكراهية. علينا أن ندرك أن الكلمة الطيبة قد تكون بداية طريق نحو السلام، بينما الكلمة السيئة قد تكون شرارة لصراع طويل الأمد. لذلك، دعونا نجعل من اليوم الدولي لمكافحة الكراهية في 2025 فرصة لتعزيز القيم الإنسانية المشتركة وبناء مستقبل أفضل لأجيالنا القادمة.