خيركم من طال عمره وحسن عمله؛ يجمع هذا الحديث النبوي الشريف بين امتداد الأجل واستثمار الوقت في الطاعات، ليكون العمر رأس مال حقيقي للمسلم. في هذا المقال نعرض لكم دوافع طول العمر المبارك، ومفاتيح حسن العمل الصالح، وأقوال العلماء والسلف التي تحثّنا على اغتنام كل لحظة في طاعة الله والاستغفار.

يحتل مفهوم “طول العمر” في الإسلام مكانة خاصة، فهو ليس غاية في حد ذاته، بل وسيلة لتحقيق الغاية الأسمى وهي عبادة الله وعمارة الأرض بالخير. ويتجلى هذا الفهم بوضوح في الحديث النبوي الشريف الذي رواه عبد الله بن بسر رضي الله عنه أن أعرابياً قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: “من طال عمره، وحسن عمله” قال الترمذي: حديث حسن غريب.

عرض نص الحديث ورواياته

وللحديث شاهد من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه: أن رجلا قال: يا رسول الله، أي الناس خير؟ قال: “من طال عمره وحسن عمله”، قال: فأي الناس شر؟ قال: “من طال عمره وساء عمله”. وقال عنه الترمذي: حديث حسن صحيح.

هذا الحديث يضع قاعدة أساسية في فهم قيمة الحياة، حيث يربط الخيرية بين أمرين متلازمين: امتداد الزمن وحسن استغلاله في الطاعات والأعمال الصالحة.

شرح الحديث ودلالاته

أوضح العلماء أن معنى الحديث هو أن أفضل الناس من يمنحه الله طول العمر ويوفقه لحسن العمل، فكلما امتد عمر الإنسان في طاعة الله، ازداد قرباً منه وارتفعت درجته في الآخرة. فالأعمار هي رأس مال الإنسان في هذه الدنيا، وكل يوم يمر هو فرصة لزيادة الحسنات والتقرب إلى الله.

ويشير الحديث أيضاً إلى أن مجرد طول العمر ليس خيراً للإنسان ما لم يقترن بحسن العمل ويؤكد هذا المعنى ما جاء في مسند الإمام أحمد أبي هريرة، عن النبي ، قال: ” الشيخ يكبر ويضعف جسمه، وقلبه شاب على حب اثنين: ‌طول ‌العمر، والمال. (والحديث صحيح الإسناد)، فإن طول العمر مما يحرص على الإنسان وهو في طلبه هذا لا يتجاوز ما قدر له من العمر والرزق. ويغتنم سنين حياته في طاعة الله تعالى والاستغفار من جميع أخطائه.

أما من أمضى عمره وأفنى قوة شبابه في زينة الدنيا والتقصير في الطاعات فإن مثل هذا الإنسان يزداد إثماً مع مرور الزمن، ويكون عمره حجة عليه لا له، على ما فيه من طوله، وربما كان طول العمر شراً ووبالاً على صاحبه وهو ما أشار إليه النبي في تكملة الحديث عند الترمذي، حين سُئل: “فأي الناس شر؟” قال: “من طال عمره وساء عمله”.

تصنيف الناس بناءً على الحديث

وبناء على هذا الحديث فالناس أربعة أنواع:

  1.  طال عمره وحسن عمله
  2. قصر عمره وحسن عمله
  3. طال عمره وساء عمله
  4. قصر عمره وساء عمله

فالحديث الشريف ذكر أن خير الأربعة النوع الأول وهو من طال عمره وحسن عمله في الطاعات، وشرهم النوع الثالث الذي طال عمره وساء عمله، لَأن من كثر خَيره كلما امْتَدَّ عمره وَكثر أجره وضوعفت درجاته، وَشر النَّاس من طَال عمره وساء عمله لَان الاوقات كرأس مَال التَّاجِر وَكلما كَانَ رَأس المَال كثيرا كَانَ الرِّبْح أَكثر[1].

أقوال العلماء في أهمية طول العمر وحسن العمل

قال الشيخ ابن عثيمين: الإنسان كلما طال عمره في طاعة الله زاد قرباً إلى الله وزاد رفعة في الآخرة؛ لأن كل عمل يعمله فيما زاد فيه عمره فهو يقربه إلى ربه عز وجل فخير الناس من وفق لهذين الأمرين.

أما طول العمر فإنه من الله، وليس للإنسان فيه تصرف؛ لأن الأعمار بيد الله عز وجل، وأما حسن العمل؛ فإن بإمكان الإنسان أن يحسن عمله؛ لأن الله تعالى جعل له عقلاً، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل، وبين المحجة، وأقام الحجة، فكل إنسان يستطيع أن يعمل عملاً صالحاً، على أن الإنسان إذا عمل عملاً صالحاً؛ فإن النبي أخبر أن بعض الأعمال الصالحة سبب لطول العمر، وذلك مثل صلة الرحم؛ قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه) ، وصلة الرحم من أسباب طول العمر، فإذا كان خير الناس من طال عمره وحسن عمله؛ فإنه ينبغي للإنسان أن يسأل الله دائماً أن يجعله ممن طال عمره وحسن عمله، من أجل أن يكون من خير الناس[2].

وفي هذا دليل على أن مجرد طول العمر ليس خيراً للإنسان إلا إذا أحسن عمله؛ لأنه أحياناً يكون طول العمر شراً للإنسان وضرراً عليه، كما قال الله تبارك وتعالى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (آل عمران: 178) ، فهؤلاء الكفار يملى الله لهم ـ أي يمدهم بالرزق والعافية وطول العمر والبنين والزوجات، لا لخير لهم ولكنه شر لهم ـ والعياذ بالله لأنهم سوف يزدادون بذلك إثماً.

ومن ثم كره بعض العلماء أن يدعى للإنسان بطول البقاء، قال: لا تقل: أطال الله بقاءك إلا مقيداً؛ قل أطال الله بقاءك على طاعته؛ لأن طول البقاء قد يكون شراً للإنسان.

الأعمال الصالحة المسببة لطول العمر وبركته

يُعد طول العمر للمؤمن نعمة عظيمة، فهو يتيح له فرصة التوبة والاستغفار، وتدارك ما فات، والزيادة من الأعمال الصالحة.  وقد ورد في حديث آخر قصة رجلين أسلم أحدهما واستشهد، وعاش الآخر بعده سنة، فرُئي في المنام أن الذي عاش بعده دخل الجنة قبل الشهيد، فتعجب الصحابة من ذلك، فقال رسول الله : “أليس قد صام بعده رمضان، وصلى ستة آلاف ركعة، أو كذا وكذا ركعة صلاة السنة؟!”

وهذا يدل على أن المؤمن يغتنم حياته في زيادة رصيده من الخير.

وقد وجدنا السلف يرجون طول العمر للاستزادة في طاعة الله تعالى، قال عمر رضي الله عنه: لولا ثلاث لأحببت أن أكون قد لقيت الله، لولا أن أضع جبهتي لله، أو أجلس في مجالس يُنتقى فيها طيب الكلام كما ينقى جيد التمر، أو أن أسير في سبيل الله عز وجل.

وقد أرشدت النصوص الشرعية إلى بعض الأعمال الصالحة التي تكون سبباً في طول العمر وبركته، ومن أهمها:

  • صلة الرحم: وهي من أعظم أسباب طول العمر وسعة الرزق، حيث قال النبي : “من أحب أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه.
  • حسن الخلق والإحسان إلى الجار: فقد ورد عن عائشة رضي الله عنها أن النبي قال: “صلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار، يعمران الديار، ويزيدان في الأعمار”.
  • الأعمال الصالحة بشكل عام: فإن فعل الخيرات وترك المنكرات من أسباب البركة في العمر.

وفي الختام، فإن قيمة العمر في الإسلام لا تقاس بالسنين والأيام، بل بما يودع فيها من أعمال صالحة ترفع صاحبها في الدنيا والآخرة،  لذلك، ينبغي على المسلم أن يسأل الله دائماً أن يرزقه طول العمر وحسن العمل، وأن يستغل كل لحظة من حياته فيما يرضي الله تعالى، ليكون من خير الناس كما بشّر بذلك النبي .

الاستعاذة من سوء الكبر وآفات طول العمر

سوء الكبر فإنما استعاذ بالله من آفات طول العمر، وما يجلبه الكبر من الخرف، وذهاب العقل وضعف القوى. فقد كان النبي يستعيذ من سوء الكبر وذلك في أذكار الصباح والمساء، فكان يقول: ربَّ أعوذُ بكَ مِن الكَسَلِ، ومِن ‌سُوءِ ‌الكِبْرِ -أو الكُفْر –، ربَّ أعوذُ بكَ مِن عذابِ في النارِ، وعذابٍ في القبر”. (رواه مسلم).

كما جاء عنه أنه كان يستعيذ من أن يرد إلى أرذل العمر، فكان مما يتعوذ منهن دبر الصلاة: «اللهم إني أعوذ بك من الجبن، وأعوذ بك أن أرد إلى ‌أرذل ‌العمر، وأعوذ بك من فتنة الدنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر. وأرذل العمر: هو الخرف حتى يعود كهيئته الأولى في أوان طفولته ضعيف البنية سخيف العقل قليل الفهم.