إن أكبر دليل على أهمية علم التاريخ ما ورد من أخبار تاريخية في القرآن الكريم. إذ قص الله جل ذكره علينا في كتابه العزيز أخبار الأمم الماضية. وفي ذكر أخبارها عظة وعبرة وتهذيب للأمة الإسلامية كي تتأسى بتلك الأمم فيما أثنى الله تعالى به عليها، وتنتهي عما كان سببا في هلاكها ودمارها. قال تعالى: { لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب }[يوسف: 111].
وفي هذا السياق أشار القرآن العظيم إلى السنن التاريخية، وقدم تلخيصا وافيا ودقيقا عنها، حيث نبه المسلمين إلى أهمية التعرف عليها بعرضه لقصص الأمم السابقة، للإفادة منها في الاعتبار، وبناء الحضارة، وكيفية المحافظة عليها من السقوط، فقال تعالى: { قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين }[آل عمران: 137].
معرفة نظام السنن
ومن التنبيه بمكان أن معرفة نظام السنن بصورة صحيحة هو الطريق الوحيد المأمون إلى:
- تفسير حركة التاريخ تفسيرا شمولياً وصحيحاً.
- تحديد موقع الإنسان في هذا الوجود ودوره وقيمته بين مكوناته المختلفة.
- رد كل حادثة تاريخية وكل ظاهرة اجتماعية إلى سببها الطبيعي الشرعي.
- إبراز حكمة الله تعالى من وراء خلق هذا الوجود، وجدية الحياة، وخلوها من العبث، وثبات سننها وصرامتها واطرادها.
وليست الحاجة اليوم إلى التثبت من الأخبار، وتوثيق النصوص التاريخية الإسلامية، بأقل من الحاجة إلى باقي العلوم الاسلامية كالتفسير والحديث والفقه. ذلك أن معظم البدع التي لا تزال حية في الأمة، إنما ترتكز على تزوير تاريخي، وتدليس في رواية أحداث صدر الاسلام خاصة، مما لا يدع مجالا للشك بأن التوعية التاريخية ضرورة لابد منها لاكتمال التوعية الشرعية والرؤية السليمة للأحداث، علما بأن تاريخ الاسلام خاصة في عصر النبوة وعصر الخلفاء الراشدين هو التاريخ التطبيقي للإسلام عقيدة وشريعة.
اعتبارات دراسة التاريخ الإسلامي في مجال التربية
ولأجل ذلك، ينبغي الاستفادة من دراسة التاريخ الإسلامي في مجال التربية والقدوة الحسنة.
ويرجع ذلك إلى اعتبارات وعوامل عدة منها:
- أهمية عصر النبوة وعصر الخلفاء الراشدين، حيث قوي تأثير العقيدة في دوافع سلوك المسلمين ومواقفهم من ناحية، ولأهمية تاريخ صدر الاسلام الذي يمثل التطبيق الصحيح لتعاليم الاسلام الكاملة الشاملة من ناحية أخرى. إذ هو الصورة النموذجية والمثال الذي يجب على مجتمعاتنا الاسلامية المعاصرة أن تسعى للوصول إليه.
- إن المسلمين اليوم أشد ما يكونون في حاجة إلى معرفة فضائل أصحاب رسول الله ﷺ، وأثر تربيته عليه الصلاة والسلام فيهم، وما كانوا عليه من علو الهمة التي صاروا بها الجيل المثالي الفذ في تاريخ البشرية. وفي ذلك تنبيه لهم ليحسنوا القدوة، ويكونوا خير أمة أخرجت للناس، حتى يتهيأ لهم إنقاذ العالم المعاصر من دركات الحيرة والتيه والضياع، وترشيده إلى خيري الدنيا والآخرة.
- دراسة التاريخ وفق منهج علمي صحيح، منبثق من التصور الاسلامي والعقيدة الصحيحة، وتفسيره تفسيرا يتطابق مع النظرة الاسلامية للكون والانسان والحياة، ونشأة الانسان، ومركزيته في هذا الكون بأن سخر الله تقدست أسماؤه له ما في السماوات وما في الأرض، ووظيفته، وغاية وجوده على سطح هذا الكوكب، ومصيره الذي ينتهي إليه.