هل تساءلت كيف قاد عالمٌ من أزقة حلب التاريخية رسالة الإسلام إلى قلب سيؤول الصاخب، فأسس حملته الدعوية في بلدٍ بعيد عن مذاهب العالم الإسلامي؟ الشيخ عبد الوهاب زاهد الحلبي، المولود في حلب عام 1941م، قضى أكثر من أربعة عقود في نشر تعاليم الإسلام وبناء شبكة من المساجد والمراكز الإسلامية في كوريا الجنوبية، رابطًا بين فقهه المتين وفهمه العميق للثقافة الكورية.

في هذه اللمحة البسيطة سنكتشف كيف بسط الشيخ عبد الوهاب زاهد الحلبي دعوته عبر دورات تعليم اللغة العربية والثقافة الإسلامية، مؤسسًا أول فريق دعوة ومفتيًا رسميًا للمسلمين في سيؤول، لتنشأ اليوم أكثر من 30 مسجدًا وآلاف المؤمنين الجدد الذين اعتنقوا الإسلام بفهمٍ يتماشى مع تقاليدهم.

قراءة سيرة الشيخ عبد الوهاب زاهد الحلبي قراءة ملهمة وفيها الكثير من الخصال، تجعل القارئ يتعرّف على نهج الشيخ الدعوي وإنجازاته التعليمية والإعلامية التي تواصلت مع أسرته حتى اليوم؛ واستلهام قصة جسر التفاهم بين حلب وسيؤول.

رحلة عالم من حلب إلى سيؤول

في عالم يزخر بالتحديات الثقافية والدينية، برزت شخصيات استثنائية ساهمت في بناء جسور التفاهم بين الشعوب والأمم. ومن بين هؤلاء، الشيخ الدكتور عبد الوهاب زاهد الحلبي، الذي يُعدّ أحد أبرز رواد الدعوة الإسلامية في شرق آسيا. وُلد في مدينة حلب السورية عام 1941م، ونال أعلى الدرجات العلمية في الفقه والدراسات الشرعية، ليصبح لاحقًا مرجعًا دينيًا وعلميًا لا غنى عنه في كوريا الجنوبية.

قضى الشيخ عبد الوهاب زاهد الحلبي أكثر من أربعة عقود في نشر تعاليم الإسلام وتعزيز الحضور المسلم في بلاد لم يكن الدين الإسلامي معروفًا فيها بشكل كبير. بدأ رحلته الدعوية في أوائل الثمانينيات عندما استجاب لدعوة وزير الأوقاف الكويتي، ليبدأ مشروعًا طموحًا لتعريف الكوريين بالإسلام.

بفضل جهوده، أصبحت كوريا الجنوبية اليوم موطنًا لأكثر من 30 مسجدًا ومصلىً، وآلاف المسلمين الجدد الذين تبنوا الإسلام بفهمٍ عميق يتناسب مع ثقافتهم.

رجل مسن ذو لحية بيضاء يرتدي الإحرام، يجلس على أريكة ويتحدث مع شخص يحمل جهاز تسجيل. تعكس تعابير وجهه الجدية والاهتمام.

في هذا المقال، سنستعرض السيرة الذاتية للشيخ عبد الوهاب زاهد الحلبي، ومسيرته العلمية، وجهوده الدعوية، وأثره الكبير في المجتمع الكوري الجنوبي. كما سنلقي الضوء على إنجازاته التعليمية والإعلامية، ودوره في تعزيز الحوار بين الأديان، وإرثه الذي تواصله أسرته بعد رحيله.

السيرة الذاتية والتعليم العلمي

قبل أن يصبح الشيخ عبد الوهاب زاهد الحلبي شخصية مؤثرة في نشر الإسلام في كوريا الجنوبية، كان عليه أن يشق طريقه عبر سنوات طويلة من التعلم والاجتهاد. كانت بداياته في مدينة حلب السورية، حيث نشأ في كنف أسرة متدينة حرصت على غرس القيم الإسلامية منذ صغره.

النشأة والدراسة على يد كبار العلماء

ولد الشيخ عبد الوهاب زاهد الحلبي في عام 1941م في مدينة حلب، المعروفة بتاريخها العريق وتراثها الثقافي. نشأ في بيئةٍ دينية، حيث كان والده يحرص على تعليمه مبادئ الدين الإسلامي واللغة العربية. هذه البيئة شكلت الأساس الذي بنى عليه الشيخ مسيرته العلمية والدعوية لاحقًا.

بعد أن أتقن الشيخ عبد الوهاب زاهد الحلبي اللغة العربية ومبادئ الدين، قرر التعمق في العلوم الشرعية من خلال الدراسة على يد كبار العلماء في العالم الإسلامي. كانت رحلته العلمية مليئة بالتجارب الغنية التي صقلت شخصيته كعالم وداعية.

الهند (1968م): التتلمذ على يد أبي الحسن الندوي

سافر الشيخ إلى مدينة لكناو الهندية، حيث تتلمذ على يد المفكر الإسلامي الكبير أبي الحسن الندوي. هناك، حفظ تفسير ابن كثير وتلقى علوم الحديث والفقه، مما أعطاه أساسًا قويًا في الفقه الإسلامي.

باكستان: الإجازة والماجستير والدكتوراه

انتقل الشيخ إلى باكستان، حيث نال إجازة في الفقه والحديث من كبار محدثي البلاد. واصل تعليمه في جامعة كراتشي، حيث حصل على درجة الماجستير في الحديث، ثم أكمل رسالة الدكتوراه في الفقه المقارن من جامعة السند.

مصر: التخصص في التفسير والحديث بالأزهر الشريف

اختتم الشيخ رحلته العلمية في كلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف، حيث حصل على بكالوريوس في علوم التفسير والحديث. هذه المرحلة كانت حاسمة في تشكيل فكره الدعوي وتطوير منهجيته التعليمية.

الهجرة إلى كوريا الجنوبية وبداية الدعوة

بعد أن امتلك الشيخ عبد الوهاب زاهد الحلبي خبرة علمية واسعة، جاءت اللحظة التي غيّرت حياته وحياة الآخرين إلى الأبد. في عام 1984م، استجاب لدعوة وزير الأوقاف الكويتي للعمل في كوريا الجنوبية، حيث بدأ رحلةً جديدة في نشر الإسلام في بلدٍ بعيد عن العالم الإسلامي.

تأسيس فريق الدعوة الأول

عندما وصل الشيخ إلى سيؤول، وجد نفسه أمام تحديات كبيرة. كانت الثقافة الكورية مختلفة تمامًا عن ما اعتاد عليه، لكنه رأى في ذلك فرصة لنشر رسالة الإسلام بطريقة جديدة.

رجال يسيرون في موكب جنازة في منطقة خضراء، يحملون نعشاً على الأكتاف، مع جبال في الخلفية. يرتدون ملابس بسيطة وقبعات تقليدية، ويظهرون في حالة من الحزن والاحترام.
جنازة الشيخ زاهد الحلبي

تعاون الشيخ عبد الوهاب زاهد الحلبي مع عددٍ من الدعاة المحليين، مثل الحاج محمد يون وسليمان لي، لتنظيم لقاءاتٍ تعريفية وتأسيس أول المجموعات الدعوية الكورية. كانت هذه الخطوة بدايةً لتحولٍ اجتماعي وثقافي كبير في المجتمع الكوري.

إنشاء المساجد والمراكز الإسلامية

أدرك الشيخ عبد الوهاب أهمية توفير أماكن للعبادة والتعليم للمسلمين الجدد. لذلك، عمل على بناء شبكة متكاملة من المساجد والمراكز الإسلامية التي أصبحت مركزًا للتجمع والتثقيف.

كان من أبرز إنجازاته بناء مسجد أبو بكر الصديق في مدينة جونجو، الذي تموّل بناؤه رجل الأعمال المصري عبد اللطيف الشريف. كما أسس مسجد عمر بن الخطاب في مدينة أخرى، مما وفر مقارًّا دينية وتعليمية للمسلمين.

المنهج الدعوي والتعليم الثقافي

اعتمد الشيخ منهجية تعليمية قائمة على الدمج بين اللغة والثقافة، ليجعل الإسلام جزءًا من الحياة اليومية للمجتمع الكوري.

أسس دورات متخصصة لتعليم اللغة العربية ومبادئ الثقافة الإسلامية، مما ساهم في بناء جيلٍ جديد من الدعاة المحليين.

رجل مسن يرتدي ثياباً بيضاء ويقف أمام منبر في مسجد، مع خلفية تظهر زخارف معمارية.

المفتي الأول لكوريا الجنوبية

بفضل جهوده الكبيرة، انتُخب الشيخ عبد الوهاب زاهد الحلبي كأول مفتي للمسلمين في كوريا الجنوبية، ليصبح المرجع الرسمي للفتوى والإرشاد الديني.

التحديات والإنجازات

واجه الشيخ العديد من التحديات، خاصةً بعد أحداث 11 سبتمبر 2001. لكنه حوّل هذه التحديات إلى فرصٍ لتعزيز الحوار بين الأديان ونشر قيم التسامح والتعايش.

لم يقتصر جهده على الميدان الدعوي التقليدي، بل امتد إلى الإعلام والبحث العلمي، حيث أسس مجلة إسلامية باللغة الكورية وشارك في مؤتمرات دولية.

ترك الشيخ عبد الوهاب إرثًا عظيمًا، تواصله أسرته التي واصلت مسيرته الدعوية. توفي في يوليو 2025م، لكن ذكراه ستظل خالدة في قلوب كل من عرفوه واستفادوا من جهوده.