رسم الأهداف هو نوع من التركيز في الحياة على أمور نعتقد أنها عظيمة ومهمة، أو أنها توصلنا إلى شيء عظيم وعزيز.

إن النجاح لا يأتي بطريقة اعتباطية، وإنما نتيجة تخطيط واهتمام وعمل على المدى البعيد، ولو أننا تأملنا في الناس حولنا لوجدنا أن لهم جميعا رغبات وطموحات وأحلاما، لأنه من غير هذا تصبح الحياة مستحيلة، لكن يتبين لنا أيضا أن الأحلام شيء والأهداف شيء آخر، وإن (98٪) من الناس هم أشخاص عاديون، والمتفوقون في حدود (2٪)، أما المتفوقون جدا فقد لا يصلون إلى (2) في الألف، وهذه الظاهرة لها العديد من الأسباب، وهناك من الدراسات ما يفيد أن عدم وجود أهداف واضحة ومكتوبة هو السبب الأساسي وراء ذلك.

لو تأملنا فيما يقوله صغارنا عن تطلعاتهم في الحياة لوجدنا أنها بسيطة للغاية وغير عقلانية، فمنهم من يريد أن يكون مهندسا، ومنهم من يحب أن تكون لديه في المستقبل بقالة يبيع فيها، ومنهم من لا يعرف ما يريد.

حين يصبح الطفل في الثانية عشرة يتعرف أكثر على ذاته وعلى محيطه، ويسمع عبارات الإعجاب على بعض الأشخاص والمهن والأعمال، ويبدأ في حصر تطلعاته في إطار شيء منها، لكن هذا يظل فير كاف، حيث إننا نرى كثيرا من طلاب الثانوية حائرين في التخصص الجامعي الذي سيدرسون فيه بعد نيلهم شهادة الثانوية العامة وبعضهم قد عزم على دخول تخصص محدد، لكنه لم يفعل من أجله أي شيء، فهو من الناحية العملية مثل الذي ليس له أي هدف.

لدى خبراء التنمية البشرية في هذا السياق (التفوق والنجاح) ثلاث مصطلحات هي: الرؤية والرسالة والأهداف، وللأسرة دور جوهري في مساعدة الطفل على الوعي بها جميعا:

1- الرؤية: هي الصورة المتخيلة للوضعية النهائية التي يسعى إليها الإنسان في هذه الحياة، الرؤية لابد أن تكون واقعية أي ممكنة التحقيق، لكن إمكانية تحقيقها تظل في حاجة إلى الطموح والمثابرة والتعب وإجهاد النفس، نحن المسلمين لنا مذهبيتنا الخاصة في هذا، ومن ثم فإننا نقول دائما إن الشيء النهائي الذي نسعى إليه هو وضعية ترضي خالقنا عنا، ونحن إذ نرضيه، فإنما نفعل ذلك من خلال نجاح وتفوق باهر في تخصص من التخصصات أو عمل من الأعمال، أي رؤيتنا مركبة: هذا مسلم رؤيته في الحياة أن ينشيء دارا للأيتام خلال عشر سنوات، ويعمل على إدارتها بكفاءة إلى أن يلقي ربه، وهذا رؤيته أن يكون أفضل داعية إسلامي في بلده، وهذا رؤيته أن يكون بين أفضل عشرة جراحين في المنطقة، وذلك حتى يدرب الكثير من الأطباء المبتدئين، ويجري الكثير من العمليات الجراحية المجانية للفقراء.

الأسرة مسئولة من خلال التشاور مع الأبناء على بناء رؤية كل واحد منهم لنفسه ومستقبله، وحتى يصبح الطفل في الثالثة عشرة يمكن للعمل على تحقيق الرؤية أن يبدأ من خلال المطالعة الحرة ودخول بعض الدورات التدريبية وبعض الندوات وورش العمل، والتطوع للعمل في بعض المؤسسات بما يخدم رؤيته الشخصية.

2- الرسالة: هي تلك المهام الكبرى، وذلك المسار العريض الذي سنسلكه إلى تحقيق رؤيتنا لأنفسنا، إذا كانت رؤيتي هي أن أكون داعية ناجحا ومؤثرا ومن الخمسة الأوائل في بلدي مثلا، فإن رسالتي هي تكوين شخصيتي ومعارفي ومهاراتي الدعوية على نحو يمكنني من ذلك، وهذا يشكل نصف المهمة، أما النصف الثاني فهو القيام بأعمال وأنشطة دعوية قوية ومؤثرة، تغير في حياة الناس، وتكون لديهم صورة إيجابية جدا، فما دور الأبوين في هذا؟

– تحفيز الطفل على مطالعة سير الدعاة الناجحين، وحثه على اتخاذ واحد من أعلامهم قدوة له.

– الحرص على أن يحفظ الطفل أو الفتى أكبر قدر ممكن من الآيات والأحاديث النبوية، لأنها تشكل ذخيرة أساسية للداعية.

– تهيئة الظروف للطفل حتى يتمكن من حضور أكبر قدر ممكن من مجالس ومحاضرات ولقاءات كبار الدعاة.

– جعل الولد يعتقد أن الخيار الوحيد الذي لا يفكر في غيره هو نيل درجة الدكتوراه في الدعوة من جامعة جيدة.

– تدريبه على الخطابة حتى يبزغ فيها في وقت مبكر وإلحاقه بإحدى المجموعات التي تتيح له الفرصة لممارسة الخطابة عمليا.

– تذكيره دائما بالأخلاقيات والآداب التي يتحلى بها كبار الدعاة، وعلى رأسها الإخلاص لله تعالى ثم التواضع.

– العمل على تذليل العقبات التي تواجهه خلال المضي في طريقه، وكما ذكرت فإن هذه الجهود تبدأ والطفل في الثانية عشرة من عمره، وبعضها يبدأ قبل ذلك، كما هو الشأن في حفظ القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة.

3- الأهداف: هي مجموعة الخطوات والأعمال المبرمجة التي تساعد المرء على الوصول إلى الرؤية التي رسمها في مخيلته لنفسه، وحين ننظر إلى طبيعة الارتباط بين الأهداف نجد أن ما هو هدف صغير ليس سوى وسيلة لهدف كبير، وما هو هدف كبير ليس سوى غاية للأهداف الصغيرة، وهذا يعني أننا لا نستطيع بلوغ أهدافنا النهائية من غير تحديد عدد من الأهداف الصغيرة التي تقربنا منها، وهذه مشكلة معظم الناس، حيث إن في أذهانهم أمورا يرغبون في الوصول إليها دون أن يحددوا كيفية ذلك الوصول ومتطلباته، فظلت أمنياتهم أحلاما هائمة وماتوا دون أن يحققوا شيئا منها.


من كتاب:  (ابن زمانه) د. عبدالكريم بكار