في أجسادنا التي هي أقرب شيء لنا، يعيش شركاء لنا ليلا و نهارا فوق أجسادنا و بداخلها، شركاء في كل شيء، شئنا أم أبينا،، مخلوقات لا نراها تسمى “بكتيريا ” .
شركاؤنا منذ ولادتنا، فجسم الطفل قبل الولادة يكون خاليا من البكتيريا، و أثناء الولادة يأخذ الطفل من شركاء أمه بداية من المهبل و الشرج، ثم من بكتيريا جلد أمه هكذا تبدأ بكتيريا الأم مشاركته حياته من اللحظة الأولى للولادة، فالأم عندما ترضع رضيعها، فإن حليبها منه ما يطعم الرضيع و منه ما يطعم من بكتيريا الأمعاء بمادة “البوليسكغيد” التي لا يقدر الرضيع على هضمها ( polysaccharides ) فلشركائنا نصيب فيما رزقنا الله من أول قطرة حليب يرضعها الرضيع.
فعندما تقوم الأم بإرضاع طفلها، فإنها لا تغذيه فحسب، بل تعطيه من شركائها المميزين، و هكذا تضمن له الحماية الكافية و المميزة طوال حياته، فسبحان الله فكل ما في الأم جميل، فنعم الشركاء شركاء الأم، كأمثال بكتيريات “الاكتوبسليس” ( Lactobacillus ) و “البفيدباكتريوم” ( bifidobacterium ) و غيرهما .
و من النعم التي رزقنا الله، نعمة الحواس الخمس، نعمة العين و الأذن و اللسان و الأنف و الجلد، حتى ندرك و نتعرف على ما حولنا، فكل هذه الأعضاء لا تخلو من ملايين البكتيريا المتخصصة لكل عضو من الأعضاء، تتعايش معه في جو من التكافل البيولوجي.
وتتواجد الأجزاء الكبرى من البكتيريا في الأمعاء حيث تأكل مما نأكل و تشرب مما نشرب، وترافقنا أينما ذهبنا و ارتحلنا، و تشاركنا ملابسنا، و مع ذلك نخاف من الأمراض المتسببة فيها، و لهذا فإننا نحرص حراسة شديدة على نظافة أجسادنا حتى نحافظ على صحتنا من كل البكتيريا المضرة.
نخاف أنفسنا من رائحة الفم، التي هي ليست إلا نتيجة تخمر بروتينات اللعاب و زوايا الفم و الأمعاء بالبكتيريا، وقد يصل وزنها في الأمعاء إلى 1.5 كيلوغرام، و لهذا ففي اليوم الواحد قد تصل الغازات التي تخرج عبر الفم إلى لترين. كذلك نخاف من البكتيريا حين تتسبب بخروج رائحة العرق، وما هي إلا نتيجة لبكتيريا “كورنيبكتريوم” ( corynébactéries ) و “ستافلكوك” ( staphylocoques ) من أجزاء الجلد كالأرداف و الإبطين و زوايا الأنف. باختصار فإن جراثيم الجلد، هي التي تنتج الجزيئات الغازية، التي تسبب معظم الروائح.
وتساعد البكتيريا في الحفاظ على صحتنا، حيث تفرز الأمعاء عددا كبيرا من الفيتامينات و المعادن الغائبة عن وجباتنا الغذائية، و بعضها يتفاعل مع السموم و المواد الكيميائية المتسربة إلى أجسادنا بطريقة دينامكية وفعالة و تبيدها و تزيل خطورتها.
البكتريا أيضا تساهم في شفاء الأبدان، فمثلا البكتيريا التي تقطن في ما يسمى الأمعاء بالزائدة ( appendice ) – و ما هي بزائدة- تعمل على إعادة صياغة الأمعاء بسرعة، في حالة مرض أو تناول الأدوية كالمضادات الحيوية.
تبين بكتيريا الأمعاء للجهاز المناعي النوع المفيد لجسم الانسان حتى يتمكن الجهاز المناعي من التمييز بين البكتيريا الصديقة و البكتيريا الضارة، ثم يتصدى للبكتيريا الضارة و يقضي عليها. وتقوم البكتيريا بتدريب و تحفيز الجهاز المناعي ليتمكن من مقاومة المخلوقات من الفيروسات الغريبة المسببة للأمراض، مهما تكاثرت و حاولت الاختفاء في جسم الإنسان.
وللبكتيريا دور هام في الزراعة، فهي تتفاعل مع النباتات و الأشجار تحت سطح التربة، بحيث تتدخل هذه المخلوقات في مراحل عديدة من زراعتنا أولها الإنبات. فمثلا من البكتيريا تفرز مادة “سايتوكينين” و هو هرمون يقوم بإنبات بعض النباتات، وبصفة عامة إن للبكتيريا دور في تغذية النباتات، في امتصاص الماء من التربة، في حماية النباتات ضد مسببات الأمراض و مقاومة الضغوط البيئية.
باختصار البكتيريا شريكة في كل ما رزقنا الله تعالى بدون استثناء حتى بعد الموت فإنهم يشاركوننا تعفن أجسامنا و تراب قبورنا، فهل من شركاء في ما رزقنا الله، نخافهم أكثر من شركاء أجسادنا ؟
يقول الله عز و جل في سورة الروم الآية 28 ﴿ ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا مِّنْ أَنفُسِكُمْ هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاءَ فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ تَخَافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.
مصادر :
Backhed, F and all. 2015, Dynamics and stabilization of the human gut microbiome during the first year life. Cell Host Microbe 17, p. 690-703-
Belkaid, G.M. et Moran, N.A. (2014). Role of the microbiota in immunity and inflammation, Cell 157,p. 121-141-
Blase, M (2014), La santé par les microbes, paris, Flammarion
Bode, L. (2012), Human milk oligoscchariudes : every baby needs a sugar mama. Glycobiology 22, p.1147-1162
Bravo, J.A and al (2011) Ingestion of Lactobacillus strainregulates emotional behavior and central GABA receptor expression in a mouse via the vagus nerve. Proc. Natl.Acad. , Sci, 108, p. 16050-16055.
Chichlowski, M and al (2011). The influence of milk oligosccharides on microbiota of infants : opportunities for formulas. Annu Rev, Food Sci. Technol. 2, p.331-351-
Debré, P. (2015) l’Homme microbiotique, Paris, Odile Jacob
Eckburg, P.B. (2005). Diversity of the human intestinal microbial flora. Science 308, p.1635-1638
Maynard, C.L and al, (2012). Reciprocal interactions of the intestinal microbiota and immune system. Nature 453, p. 620-625-
Sonnenburg, J et Sonnenburg, E. (2016), l’incroyable pouvoir de votre microbiote. Tout se passe dans votre intestin : poids, humeur et santé à long terme, Paris, Groupe Eyrolles.
Young, Ed (2017). Moi microbiote, Maître du monde. Dunod-