يجمع العديد من الكتاب أن أغلب مجهود المسلمين الفكري في القرن العشرين قد دار حول طرح الإسلام في مواجهة ثنائية مع العلمانية والديمقراطية وصراعات الهوية، دون أن يحاول هذا المجهود بناء نقد يتوجه للمستقبل. ولا يقتصر الأمر على المفكرين “الإسلاميين”، حيث أن النقاد الحداثيين للإسلام، لم يتجهوا لتطوير نقدهم الفكري نحو المستقبل، فوقعوا في فخ الجدالات الدائرية الثنائية.
من هنا تأتي أهمية تناول أحد أهم مفكري الإسلام في الغرب وهو ضياء الدين ساردار باعتباره نموذجا فكريا لإعادة طرح الإسلام على أساس مستقبلي. حيث يتركز فكر ساردار غير ذائع الصيت في عالمنا العربي حول “بناء مستقبل الإسلام على أساس تجديد أصوله وإعادة تأويلها كأسس لبناء مستقبل مزدهر لشعوبه في ظل عالم متسارع التغير، ويتسم بالتعقد والتشابك في علاقاته وقضاياه”.
ويعبر فكر ساردار عن مزيج ثري من المعارف والعلوم. وهو يرى نفسه أنه أقرب إلى أبي الريحان البيروني عالم الإسلام الموسوعي الذي عبر عن تداخل العلوم والمعارف حتى الهويات، فيكتب ساردار أنه يحمل هويات متنوعة ومتشابكة، فرغم أنه يعيش في الغرب، فإنه ليس من الغرب ،ورغم التزامه الديني، فإنه بعيد عن الأصولية الدينية، ورغم خلفيته الأكاديمية، فلم يقع في شرك الأكاديمية الهرمية، ورغم استخدامه لأدوات ما بعد الحداثة، فإنه ليس ما بعد الحداثي على الإطلاق.
من هو ضياء الدين سردار؟
ضياء الدين سردار (ولد في 31 أكتوبر 1951) كاتب صحفي وناقد ثقافي وعالم بريطاني من أصل باكستاني مقيم بلندن، متخصص في مستقبل الإسلام والعلم والعلاقات الثقافية. إختارته مجلة بروسبكت بوصفه واحد من أشهر 100 مثقف في بريطانيا، كما كتبت عنه صحيفة “الإندبندنت” مقالا بعنوان “بريطانيا لديها علاّمة مسلم”.
وُلد ضياء الدين في بلدة ديبالبور، بولاية بنجاب في باكستان، لكنه نشأ وتلقى تعليمه في بريطانيا. درس الفيزياء ثم علم المعلومات في جامعة سيتي لندن.
عاش سردار حياة عالم مغامر، وسافر على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم. عاش بين عامي 1974 و1979 في مدينة جدة السعودية، و سافر إلى جميع أنحاء العالم الإسلامي لإجراء البحوث اللازمة لإنجاز أول كتبه “العلم والتكنولوجيا والتطوير في العالم الإسلامي” عام 1977. عمل سردار في أوائل الثمانينيات من القرن العشرين في تحرير المجلة الإسلامية الرائدة، “إنكويري”، قبل إنشاء مركز الدراسات والأبحاث المستقبلية في جامعة الشرق والغرب في شيكاغو. عاش سرداد خلال التسعينيات من القرن العشرين في مدينة كوالالمبور، حيث عمل كمستشارٍ لأنور إبراهيم، نائب رئيس مجلس الوزراء السابق، وزعيم المعارضة الماليزية حاليًا. كما عاش في شيكاغو وفي لاهاي، وعاش أيضًا لفترات قصيرة في القاهرة وفي فاس.
الموسوعي النقدي
كتب سردار فيلمًا وثائقيًا من ثلاثة أجزاء ومدته ساعة واحدة، بعنوان حياة محمد، لصالح محطة “بي بي سي 2” التلفزيونية، وعُرض في شهر يوليو من عام 2011. وظهر في العديد من البرامج التلفزيونية.
يصف سردار نفسه بأنه “موسوعي نقدي”. يتسم أسلوبه بالقوة، خصوصًا في مواضيع التنوع والتعددية ووجهات النظر المخالفة. يقول الصحفي إحسان مسعود بأن سردار “يهذب بتأنٍّ غموضًا محسوبًا بعناية، ويسلط الضوء على العديد من المواضيع في وقت واحد، دون أن يذكر موضوعًا واحدًا بمعزل عن البقية”.
المبدأ الأساسي الذي يعتمد عليه فكر ضياء الدين سردار هو: “يوجد أكثر من طريق واحد لتكون إنسانًا”. والسؤال الذي لطالما طرحة سردار هو: كيف تعرف؟ تعتمد إجابة هذا السؤال إلى حد كبير على من تكون أنت: “كيف تنظر إلى العالم، وكيف تصوغ استفساراتك، وما هي الفترة التي تشكلت فيها وجهات نظرك والثقافة التي أثرت على ذلك، إضافة إلى القيم التي تحدد لك إطار تفكيرك”.
يصف سردار نفسه دائمًا أنه على الهامش وأنه تعبير عن “الآخر” في مواجهة الأنماط الفكرية السائدة سواء في عالم الإسلام أو في الغرب، وبالتالي يحاول دائمًا أن يخرج من هيمنة المركز السائد، وأن تعكس أعماله أصواتًا نقدية غير سائدة.
نقد سرديات الحداثة وما بعد الحداثة
وينطلق ساردار في هذا المسعى من الإيمان بالهوية الإنسانية الجامعة المبنية على التنوع والتعددية، وبالتالي يبتعد عن سرديات الهوية المغلقة سواء كانت غربية أو إسلامية. وهو إن كان قد نقد سرديات الحداثة وما بعد الحداثة الغربية في كثير من أعماله التي تربو على الأربعين مؤلفًا، فقد نقد الفكر الأصولي الإسلامي المبني على رؤى أحادية هوياتيه مغلقة في أعمال عديدة، حيث سعى إلى إنقاذ نظرية المعرفة الإسلامية من هيمنة الأصوليين والعلمانيين والحداثيين وما بعد الحداثيين والساسة الانتهازيين.
يعتقد بعض المفكرين أن الفكر الإسلامي وقع في مأزق خطير مع إغلاق باب الاجتهاد، حيث وقع الإسلام كرؤية كونية أسيرًا للأصولية، وبالتالي وُضعت الحضارة الإسلامية في مأزق كبير وتحدٍّ كبير. ولمواجهة هذا التحدى يجب أن ينقد الإسلام من داخله. ويرى ساردار أن ما كشفته أحداث سبتمبر/ أيلول 2011، وما بعدها أن المسلمين قد ابتعدوا إلى حد كبير عن روح الإسلام باعتباره قوة تحررية وديناميكة فكرية لترسيخ المساواة والعدالة وقيم الإنسانية، لقد استبطن المسلمون كل تمثيلات الغرب الاستشراقية لهم.
نقد الحضارة الغربية المهيمنة
يهدف مشروع ساردار إلى عصرنة الإسلام ونقد الحضارة الغربية المهيمنة، وهو يرى أن الهدفين هما وجهان لعملة واحدة. إن نقد الحضارة الغربية يجب أن يتم من خلال وجهة نظر نقدية تمييزية تفرق بين الحق والباطل والصحيح والخطأ بما لا يعني رفض الغرب بل التعامل معه إنسانيًّا من خلال مبدأ الإسلام في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أما عصرنة الإسلام فهي عملية مستقبلية لن تتم في الحاضر الذي يشهد المزيد من ضعف العالم الإسلامي وتفتته.
يرى ساردار أن الحضارة الإسلامية يجب أن يتم بناؤها حجرًا حجرًا من خلال مفاهيم الإسلام الأساسية باعتبارها حضارة المستقبل، غير أن أخطر ما يواجهه هذا المستقبل أنه عرضة للاستعمار من قبل الغرب. وهو ما يراه كأزمة في حقل الدراسات المستقبلية.
يرى ساردار أن “الدراسات المستقبليةFutures Studies” ليست علمًا خالصًا، بمفهوم العلوم الطبيعية، بل هي تعبير عن تداخل العلوم البينية فأي علم مهما كان، عباره عن بنى اجتماعية اصطناعية تتسم بالتعقد والتداخل. وبالنسبة إلى الدراسات المستقبلية فإن التعامل معها بدايةً يقتضي “في أن نهمل الفكرة القائلة بأن الدراسات المستقبلية هي علم discipline له حدود جامدة ونظريات ثابتة، ومصطلحات سرية غامضة ورجال عظام قاموا بوضع أسسه وكيانه المهيب”. ويقول سردار “إن استعمار المستقبل هو استمرار لاستعمار الحاضر، فالحضارة الغربية لا زالت هي المهيمنة والمنتجات التكنولوجية والعلمية وتكنولوجيا الاتصالات والأخبار تحمل في خلفياتها تحيزات وأفكارًا غربية. هذه التحيزات والتفضيلات سادت العالم منذ مرحلة الاستعمار، غير أن التغريب يتم تحت مسمى العولمة.
يدعو ساردار إلى تحويل الدراسات المستقبلية إلى حركة خلاقة من شأنها أن تقاوم الواقع الحالي. وكي يتحقق هذا يجب أن يتم تغيير أطرها المفاهيمية، بحيث تخرج من الأطر الغربية المهيمنة، وإلا ستظل غريبة عن تناول المجتمعات غير الغربية.
نقد الفكر الإسلامي
ويتناول ساردار الفكر الإسلامي كأساس لمستقبل بديل يساهم في الحضارة العالمية. وينقد الفكر الإسلامي، بشقيه التراثي والحديث، من منظور يقوم على الإيمان بالتعددية التي يمثلها الإسلام والتعددية باعتبارها الحالة الطبيعية التي أوجد الله البشر عليها. لقد ساهمت الروافد الفكرية الثرية التي شكلت فكر ساردار في تأطير هذا النقد. تبدأ هذه الرؤية بالنظر إلى الإسلام باعتباره رؤية كونية “كطريقة للنظر للعالم وتشكيله، ونظام للمعرفة والوجود والفعل”. إن المعنى الحرفي للإسلام هو الخضوع والسلام، وأن تكون مسلمًا يعني أن تخضع طوعًا لإرادة الله الواحد الرحمن الرحيم القدير، وأن تجد السلام في هذا الخضوع. إن هذا السلام يتحقق من خلال مفاهيم وقيم خالدة عبر عنها القرآن الكريم وسنة النبي عليه الصلاة والسلام. إن المفهوم الأساسي الذي شكل رؤية الإسلام للعالم هو التوحيد الذي يعني وحدة الإله الخالق، ولكن يمكن تفسيره أيضًا على أنه وحدة الجنس البشري والطبيعة.
وبهذا الإطار الجامع للتوحيد، يصبح الخلق رجالاً ونساءً متساوين أمام الخالق، دونما اعتبار للون والعرق والعقيدة، مسئولين عنها وهم خلفاء عليها، وسيحاسب كل فرد على أفعاله في الآخرة. وتتحقق مسئولية البشر عن الأمانة على أساس مفهومين إسلاميين آخرين؛ هما: العلم والعدل. إن أفعال خليفة الله وأفكاره ليست قائمة على إيمانٍ أعمى ولكن على معرفة. وهذه الأفعال والأفكار وظيفتها الوحيدة هي إقامة العدل. ويتحقق كلٌّ من العلم والعدالة على قاعدة الإجماع والشورى والمصلحة العامة. في هذا الإطار القيمي، فإن كل أشكال المعرفة والوجود والفعل هي حلال، وخارج هذه الأوضاع الأخلاقية يكمن الحرام. إن التحدي القائم أمام أي مجتمع إسلامي هو أن يؤطر الحلال بما يتناسب مع مرحلته التاريخية.
يرى ساردار أن أزمة الحضارة الإسلامية قد بدأت مع إغلاق باب الاجتهاد الفكري والفقهي، لقد أدى هذا الجمود الفكري إلى ما يسميه “الكوارث الميتافيزيقية الثلاثة” في تاريخ الفكر الإسلامي. وتتمثل في تصعيد الشريعة إلى مرتبة المقدس الإلهي، وإلغاء السلطة عن المؤمنين، ومساواة الإسلام بالدولة. يقول ساردار: “إنه لا يوجد ما هو مقدس في الشريعة، والشيء الوحيد المقدس في الإسلام هو القرآن الكريم، أما الشريعة فهي بناء إنساني ومحاولة لفهم الإرادة الإلهية في سياقات معينة. إن الشريعة في جزئها الأكبر هي فقه، ولا يعدو إلا أن يكون آراءً شرعية للمشرعين القدامى “الفقهاء”. ولم يكن الفقه قبل العصر العباسي بدعًا، حيث تمت صياغته وتقنينه.. وفي هذه المرحلة، عبر الفقه عن الروح التوسعية لدى المسلمين، وعلى سبيل المثال استمدت أحكام الفقه فيما يتعلق بالردة من هذا المنطق (التوسعي) لا من القرآن.
وتؤدي هذه الكارثة إلى كارثة أخرى، حيث تنزع السلطة عن المؤمنين طالما أن القانون الفقهي “الشريعة” معطى مقدس فلا مجال للتفكير والنقد، وهنالك يصبح المؤمن مجرد متلقٍ سلبي لا فائدة من بحثه لما تقتضيه مصلحته. يؤكد ساردار أن الشريعة في أحسن الأحوال ليست إلا مبادئ وقيمًا تسترشد بها المجتمعات الإسلامية، إنها منهاجية لحل المشكلات وليست قانونًا ينبغي اتباعه. ويتطلب هذا من المؤمنين أن يبذلوا جهدًا وأن يعيدوا تأويل القرآن باستمرار.
أما الكارثة الأخيرة المترتبة على ما سبق من اختزال للإسلام، فهي مساواة الإسلام بالدولة، وفقًا للرؤية التي تعبر عنها جماعات الإسلام السياسي. يقول ساردار: “إن هذا اختزال آخر للإسلام يضعه في مقام الأيديولوجيا، ويضع هذه الأيديولوجيا داخل بنية الدولة القومية وذلك لتحويلها إلى دولة إسلامية.” إن كل هذه الدول المسماة بالإسلامية قائمة على افتراضات سخيفة. والأخطر من هذا أن الإسلام بكل ما يشتمله من حقائق عندما يتحول إلى أيديولوجيا حركية تحملها جماعة معينة، فإنه يفقد إنسانيته، ويصبح ساحة للصراع السياسي الذي يتم فيه التضحية بالأخلاق والعقل والعدالة.” تقوم هذه الأيديولوجية التوتاليتارية Totalitarianism عند ساردار على جعل الدولة المتحكم في كل شيء باسم الدين، وتبني برامج سياسية بلا معنى، وتجعل من كل فعل سياسي إسلاميًّا.
علاج داء الجمود الفكري
إن مستقبل الإسلام وفقًا لساردار مرتهن على قدرة المسلمين على علاج داء الأصولية والجمود الفكري، وذلك من خلال تجديد الأصول التي يرتكز عليها الإسلام كرؤية كونية. هذا التجديد لا يعني رفض التراث والتقليد، فهو يؤكد – على خطى أشيس ناندي؛ المفكر الهندي – أنه تقليدي نقدي لا يقبل التقاليد بشكل أعمى؛ فالتقاليد يجب أن تبتدع وتخترع باستمرار، ولا يعني أن هذه التقاليد التي قد نجحت في الحفاظ على أنماط حياة الشعوب الإسلامية وهويتها لقرون تعتبر مقدسة لمجرد أنها تاريخية. ومن هنا نستطيع فهمه للشريعة كبناء تاريخي إنساني.
أما القرآن فهو ما يجسد استمرارية الإسلام وجوهره الوحيد المقدس، غير أن تفسيره وإعادة تأويله يجب أن يتم حسب كل سياق وبفهم جديد حسب كل عصر لمقتضى آياته. إن هذا يعني أن الدين نفسه يجب أن يجدد فهمه طالما تغيرت ظروف البشر وحياتهم. هذا التجديد يقتضي أن تتحطم كل سلطة تدعي احتكار تفسير القرآن والدين، فهو مسئولية كل مسلم قادر على الفهم والاستيعاب.
يستخدم ساردار في نقده للتراث الإسلامي أدوات ما بعد حداثية، تقوم على تفكيك سردية الشريعة وسلطة الفقهاء والعلماء، دون أن يعني هذا القول بنهاية سردية الشريعة أو محاولة هدمها. وهذا الفيصل بين النقد والهدم هو جوهر نقد ساردار لما بعد الحداثة. مثلت رواية سلمان رشدي “آيات شيطانية” والضجة التي أثيرت حولها خاصة بعد فتوى مرشد الثورة الإيرانية آية الله الخميني بقتل رشدي انعطافة في اهتمامات ساردار. لقد تنبه إلى الخطر الذي تمثله ما بعد الحداثة على الحضارة الإنسانية بشكل عام والإسلام على وجه التحديد. وما بعد الحداثة وفقًا لساردار، هي الحالة التي تنعدم فيها الحدود الفاصلة بين الحياة والموت، الصورة والواقع، الأصالة والزيف. وفيها يصبح الفزع هو الحالة الطبيعية، وكل شيء يمكن تبريره بمطلقات علمانية ودينية، فكلٌّ من رواية رشدي وفتوى الخميني تجسيد لهذه الحالة؛ حيث تستباح المقدسات في حالة رشدي، وتُستباح الحياة في حالة الخميني باسم المطلق.
يرى ساردار أن التحدي الذي يواجه المسلمون اليوم في عالم ما بعد الحداثة هو إدراكهم لأسس الإسلام وكيفية استيعابها كمنهج للحياة في عالم سريع التغير. وهو يتحدث عن هوية يجب الحفاظ عليها، ولكنها هوية منفتحة مدركة لأصل القيم الإنسانية المشتركة؛ فهناك سبل متعددة للإنسان ليحيا وليدرك القيم الإنسانية العظيمة؛ العدالة والحرية والمساواة والأصالة، وليست الطريقة الغربية العلمانية إلا طريقة واحدة. وينبغي أن ينفتح المستقبل لبقية الحضارات؛ كي تعبر عن رؤاها الخاصة بها على أساس من الإنسانية المشتركة.
ماهية المستقبليات الإسلامية
حاول ساردار في أكثر من عمل تطور منظور علمي لدراسة مستقبل الإسلام كحضارة وثقافة من خلال إعادة تفعيل أسسه، أطلق على هذا المنظور “المستقبليات الإسلامية” ويقول إن هدفها “إن هدف المستقبليات الإسلامية وضع طريق للخروج من المأزق الحالي، وتطوير رؤى للإدارة وبدء التغيير، ووضع خطط بديلة مستقبلية مرغوبة للأمة الإسلامية. يتطلب مشروع المستقبليات الإسلامية قطيعة فاصلة مع الفكر الإسلامي التقليدي والمعتمد على التقليدية المتصلبة والفهم أحادي البعد للعالمين الحداثي وما بعد الحداثي، ويتطلب أيضًا فهمًا جريئًا ومبدعًا للتحديات التي تواجه الأمة الإسلامية”.
ونقطتا الانطلاق في هذا المشروع، هما دراسة الأحوال المتردية للعالم الإسلامي، ودراسة أسباب تقدمه وانهياره. وأيضًا الإيمان بالفرص والتحديات التي تطلقها عملية العوملة المستمرة والتي لا فكاك منها، ولا سبيل أمام مسلمي العالم إلا الانخراط فيها بإيجابية، وبثقة. يقول ساردار إن التعددية هي أهم سمات عصر العولمة، ويرى أن ” إن التعددية أو التنوع ليسا فقط جوهَري الاستمرار في الطبيعة، لكنهما أيضًا حجرا الأساس للمجتمعات المستقرة والثقافات الحيوية. فالثقافات الأحادية ليس لها مكان في المستقبل”.
والإسلام كما يراه ساردار ذو نزعة مستقبلية نجدها قارة في نصوصه الأصلية وفي تراثه، فيقول “إن الإسلام بطبيعته رؤية كونية متوجهة نحو المستقبل؛ فالقرآن يأمر المؤمنين بأن يكونوا واعين بتاريخهم كما بمستقبلهم “وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ” سورة يس: الآيه 45. إن فكرتيْ المستقبل والمحاسبة مرتبطتان في الإسلام بمفهوميْن رئيسيْن؛ هما: الآخرة، والخلافة أي الأمانة التي حملها الإنسان” ويضيف ” لا يؤكد الإسلام على وعي المؤمنين بالمستقبل فحسب، ولكنه يؤكد أيضًا على ضرورة أن يقوم المؤمنون بتشكيل مستقبلهم بفاعلية.
عموما، وعلى الرغم من ثراء أفكار ساردار وغزارة إنتاجه وتنوعه، فلم يقدم بشكل كافٍ إلى قراء العربية، فمن بين أعماله الخمس والأربعين لم يترجم أي منها سوى كتاب “الاستشراق” الذي صدر بعد ثلاثة عشر عامًا من صدوره بالإنجليزية 2012 بترجمة فخري صالح. وربما تزداد الحاجة إلى تقدم هذا المفكر إلى العربية كونه يمثل نموذجًا تقدميًّا للأطر الحضارية السائدة والمتصارعة.