ورد في القرآن الكريم أسماء حيوانات وطيور في مواضع عدة إشارة إلى أنهم من أجناس الأمم التي خلقها الله تعالى على وجه الأرض قال تعالى : {وَما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلاّ أمم أمثالكم } [الأنعام : 38] أي أمثالكم يا بني آدم في الخلق والرزق، ومن هذه الطيور طائر جاء ذكر وصفه في سورة الأنفال وأشار إليه كثير من المفسرين.
قال تعالى : { وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ } [الأنفال: 35]
فما المقصود بـ مكاء في الآية ؟ وبماذا فسر علماء التفسير كلمة مكاء ؟
قال ابن عطية الأندلسي في المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز : المكاء على وزن الفعال الصفير قاله ابن عباس والجمهور، فقد يكون بالفم وقد يكون بالأصابع والكف في الفم، قال مجاهد وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وقد يشارك الأنف يقال مكا يمكو إذا صفر، ومكت است الدابة إذا صفرت يقال ولا تمكو إلا است مكشوفة ومن هذا قيل للاست مكوة قال أبو علي: فالهمزة في مُكاءً منقلبة عن واو.
ومن هذا قيل للطائر المكّاء لأنه يمكو أي يصفر في تغريده، ووزنه فعّال بشد العين كخطاف، والأصوات في الأكثر تجيء على فعال بتخفيف العين كالبكاء والصراخ والدعاء والجؤار والنباح ونحوه.
وجاء في تفسير ابن عاشور “التحرير والتنوير” : وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون [الأنفال: 35] معطوفة على جملة وهم يصدون عن المسجد الحرام [الأنفال: 34] فمضمونها سبب ثان لاستحقاقهم العذاب، وموقعها، عقب جملة: وما كانوا أولياءه [الأنفال: 34] يجعلها كالدليل المقرر لانتفاء ولايتهم للمسجد الحرام، لأن من كان يفعل مثل هذا عند مسجد الله لم يكن من المتقين، فكان حقيقا بسلب ولاية المسجد عنه، فعطفت الجملة باعتبارها سببا للعذاب، ولو فصلت باعتبارها مقررة لسلب أهلية الولاية عنهم لصح ذلك، ولكن كان الاعتبار الأول أرجح لأن العطف أدل عليه مع كون موقعها يفيد الاعتبار الثاني.
والمكاء على صيغة مصادر الأصوات كالرغاء والثغاء والبكاء والنواح، يقال: مكا يمكو إذا صفر بفيه، ومنه سمي نوع من الطير المكاء بفتح الميم وتشديد الكاف، وجمعه مكاكيء بهمزة في آخره بعد الياء، وهو طائر أبيض يكون بالحجاز.وعن الأصمعي قلت لمنتجع بن نبهان «ما تمكو» فشبك بين أصابعه ثم وضعها على فمه ونفخ.
أما في تفسير القرطبي : قال ابن عباس: كانت قريش تطوف بالبيت عراة، يصفقون ويصفرون، فكان ذلك عبادة في ظنهم والمكاء: الصفير. والتصدية: التصفيق، قاله مجاهد والسدي وابن عمر رضي الله عنهم.
ومنه قول عنترة:
وحليل غانية تركت مجدلا تمكو فريصته كشدق الأعلم
تمكو أي تصوت ، ومنه مكت است الدابة إذا نفخت بالريح. قال السدي: المكاء الصفير، على لحن طائر أبيض بالحجاز يقال له المكاء.
وجاء في تفسير الطبري : حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: “وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية”، و”المكاء”، الصفير، على نحو طير أبيض يقال له “المكَّاء”، يكون بأرض الحجاز، ( المكاء بضم الميم وتشديد الكاف، وجمعه ” مكاكي طائر نحو القنبرة، إلا أن في جناحيه بلقًا. سمى بذلك، لأنه يجمع يديه، ثم يصفر فيهما صفيرًا حسنًا.) و”التصدية”، التصفيق.
ماهو طائر المكاء ؟
وأورد محمد بن موسى الدميري ( من فقهاء الشافعية توفي 808 هـ ) فصلا عن طائر المكاء في كتابه “حياة الحيوان الكبرى” قال فيه : ” المُكَاء ” بضم الميم وبالمد والتشديد طائر يصوت في الرياض، يسمى مكاء لأنه يمكو أي يصفر كثيرا ووزنه فعال كخطاف. والأصوات في الأكثر تأتي على فعال بتخفيف العين كالبكاء والصراخ والرغاء والنباح والجؤار ونحوه. وجمعه المكاكي وهذا الطائر يصفر ويصوت كثيرا.
قال البغوي في تفسير المكاء: الصفير وهو في اللغة اسم طائر أبيض يكون بالحجاز له صفير، وقال ابن السكيت في إصلاح المنطق: يقال: مكا الطائر ومكا الرجل يمكو مكوا، إذا جمع يديه وصفر فيهما، وكأنهم اشتقوا له هذا الاسم من الصياح. وجمعه المكاكي والمكاء الصفير قال الله تعالى: { وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً } أي صفيرا أو تصفيقا. وقال ابن قتيبة: المكاء الصفير أي بالتخفيف والمكاء بالتشديد طائر يصفر في الرياض ويمكو أي يصفر.
قال الشاعر:
إذا غرّد المكاء في غير روضة فويل لأهل الشاء والحمرات
قال البطليوسي في الشرح: إن المكاء إنما يألف الرياض فإذا غرد في غير روضة، فإنما يكون ذلك لإفراط الجدب وعدم النبات، وعند ذلك يهلك الشاء والحمير، فالويل لمن لم يكن له مال غيرهما.
ومما جاء في تعريف طائر المكاء بموجب العلم الحديث: “المكاكي جنس من الطير من رتبة العصافير المشقوفة المنقار وهي قريبة من الخطاطيف وتتميز بمنقار كثير التفلطح معقوف الطرف بشعر عند قاعدته كثير الانفتاح عند الحاجة وريشها أغبر أصدأ بخطط سوداء وسيقانها مسرولة. وأصل هذا الجنس مكاء الحجاز ويسميه العلماء بمكاء أوربية”. (مجلة المقتبس العدد 8 ، محمد كرد علي ) .