تمثل الحرية إحدى الركائز الأساسية في حياة الإنسان، فهي شرط إنساني يضمن له كرامته وحقه في الاختيار، مما يتيح له تحقيق التكليف الإلهي ودوره في إعمار الأرض. انطلاقًا من هذه الرؤية، يتناول كتاب “الحرية وأثرها في الاستقرار والنهضة : دراسة في التأصيل الديني والفلسفي”، من تأليف د. محمد الصادقي العماري، قضية الحرية كعنصر محوري لتحقيق الاستقرار المجتمعي والنهوض الحضاري، في مواجهة الاستبداد الذي يعطل الطاقات ويكبل الإبداع.

يكشف الكتاب عن أن الحرية ليست فقط أداة لتحقيق كرامة الفرد، بل هي محرك أساسي للنهضة الحضارية، مشددًا على أهمية التوازن بين الحرية الفردية والمسؤولية الاجتماعية.

إذا كنت تبحث عن رؤية شاملة عن العلاقة بين الحرية والتنمية من منظور ديني وفلسفي. هذه إطلالة سريعة على بعض الأفكار الواردة وكيف يمكن للحرية أن تصبح الأساس الذي تقوم عليه الحضارات.

موضوع منهجية كتاب “الحرية وأثرها في الاستقرار والنهضة”

يسعى كتاب “الحرية وأثرها في الاستقرار والنهضة: دراسة في التأصيل الديني والفلسفي إلى تقديم تأصيل ديني وفلسفي لمفهوم الحرية، ودراسة علاقتها بالنهضة والاستقرار، مع نقد فلسفات الاستبداد وقمع الحريات.

واعتمد المؤلف على منهجية تأصيلية مقارنة، حيث يناقش مفهوم الحرية في الأديان والفلسفات القديمة والفكر المادي المعاصر، ثم يقدم الرؤية الإسلامية حولها.

أكد المؤلف على أن الحرية ليست مجرد حق إنساني، بل هي أساس النهضة والاستقرار في حياة الأفراد والمجتمعات، وتعد عنصرًا محوريًا في بناء الحضارة.

وانطلق هذا التأكيد من عدة محاور أساسية:

  •  الحرية وعمارة الأرض: يؤكد الكتاب أن الإنسان الحر هو الذي يستطيع أداء مهمته في الاستخلاف وعمارة الأرض، كما أن الأمة الحرة هي التي تحقق الشهود الحضاري، وهو ما لا يتحقق بالعبودية أو الإكراه بل بالحرية الفردية والجماعية والاستقرار المجتمعي.
  • الحرية والاستقرار: يبين المؤلف أن استقرار الأمة ونهضتها مرتبط بحرية أفرادها، فالاستبداد والقمع يولدان الاحتقان الاجتماعي، ويؤديان إلى الأحقاد والانقسامات التي تعيق التنمية.

    يناقش الكتاب إشكالية تبرير قمع الحريات باسم الاستقرار، مشيرًا إلى أن النهضة الحقيقية تتطلب ممارسة الحرية وليس قمعها، وأن الحرية هي شرط أساسي للتنمية المستدامة.

ما أهمية الحرية في الإسلام؟

تعتبر الحرية مقصدًا من مقاصد الشريعة الإسلامية التي تهدف إلى حفظ كرامة الإنسان وضمان قدرته على أداء دوره في الإعمار والاستخلاف، مما يجعل الحرية حقًا أصيلًا للفرد وأداة لاستقرار المجتمع.

الحرية كقيمة حضارية وسبب من أسباب الأمن والاستقرار، بل هي قيمة حضارية تدعم الإبداع والابتكار في جميع مجالات الحياة. ويؤكد الكتاب أن المجتمعات التي تفقد حريتها تعجز عن تحقيق تقدم حقيقي.

كتاب “الحرية وأثرها في الاستقرار والنهضة” يعالج هذه المحاور بأسلوب تأصيلي، مقدمًا رؤية متكاملة عن غياب الحرية، ودورها في تعزيز التقدم الحضاري.

الحرية أصل في الإنسان

يشير المؤلف إلى أن الحرية جزء من الفطرة الإنسانية، فهي مقوم أساسي لوجود الإنسان وشرط لتحقيق التكليف الإلهي. يستند الكتاب إلى نصوص قرآنية مثل قوله تعالى: { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} (الشمس: 7-8)، لتوضيح أن الله خلق الإنسان حرًا مختارًا بين الخير والشر.

كما يؤكد المؤلف أن الإسلام جعل الحرية شقيقة الحياة، مشددًا على أن الرق طارئ على طبيعة الإنسان، وليس أصلاً فيه. ويدعم ذلك بقول عمر بن الخطاب: “متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا”.

العدل ورفض الظلم

العدل قيمة محورية في الإسلام، ويرتبط ارتباطًا وثيقًا بالحرية، حيث يؤكد الكتاب أن غياب العدل يؤدي إلى انتشار الظلم والاستبداد.

والإسلام يدعو إلى تحرير الإنسان من الظلم بجميع أشكاله. وأوضح المؤلف أن الاستبداد وقمع الحريات يضعفان الأمة ويقيدان طاقاتها، مما يؤدي إلى التخلف.

يدعم المؤلف فكرته بأقوال المفكرين من أمثال رشيد رضا وعلال الفاسي، الذين شددوا على أن الحرية هي أساس التقدم.

الحرية في الأديان السابقة

ناقش المؤلف فكرة الحرية في الأديان القديمة، وبين أن بعض الأديان قيدت حرية الإنسان لصالح الكهنة أو الطبقات الحاكمة، مما أدى إلى استغلاله وإضعاف مكانته. وتطرق للحرية في اليهودية والمسيحية، فاليهودية كانت ذات قوانين شديدة، بينما خففت المسيحية القيود على الحرية، لكنها لم تعالج مشكلة الاستعباد بشكل كامل.

ثم بين المؤلف كيف جاء الإسلام واستعاد حرية الإنسان من هذه القيود، ورسخ مبدأ العبودية لله وحده، مما يعيد للإنسان كرامته.

مفهوم الحرية في الفلسفات القديمة

استعرض المؤلف مفاهيم الفلسفة اليونانية والرومانية وكيفية تناول الفلسفات القديمة للحرية بشكل محدود، حيث كانت تُمنح لفئة معينة من الأفراد بينما بقيت طبقات أخرى كالرقيق محرومة منها. وركز د. الصادقي العماري على  القيود الاجتماعية في الفلسفات القديمة على الحرية الفردية، وعدم تقديمها رؤى شاملة للحرية في إطار يكفل العدالة الاجتماعية.

وأشار المؤلف إلى نشوء  تمييز طبقي في الفلسفات القديمة وترسخه وعدم الاعتراف بالحرية كحق طبيعي للإنسان.

الحرية في الفلسفات المادية المعاصرة

أكد المؤلف أن الفلسفات المادية المعاصرة، خاصة الليبرالية، ركزت على حرية الفرد المطلقة دون اعتبار للعواقب الأخلاقية والاجتماعية. بينما قامت الشيوعية بتقييد الحريات الفردية، وألغت الملكية الفردية، ورفضت الأديان معتبرة إياها معوقًا للتقدم.

وهذه الفلسفات المادية المعاصرة أدت إلى انعكاسات سلبية، من أهمها تفكك المجتمعات، وتفاقم الظواهر السلبية مثل الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي.

وعقد المؤلف مقارنة لفلسفة الحرية في الإسلام، فوجدها تختلف جذريًا عن هذه الرؤى من حيث التوازن بين الحقوق الفردية والمصلحة العامة، مع الحفاظ على حرية الفرد تحت مظلة من القيم الأخلاقية.

الحرية في الرؤية الإسلامية

أفرد المؤلف في كتابه (الحرية وأثرها في الاستقرار والنهضة: دراسة في التأصيل الديني والفلسفي ) بابا عن الحرية في الرؤية الإسلامية فصل فيه أهم الأفكار وبدأ بدلالات النص على الحرية وانتقل إلى حرية اختيار العقيدة والفكر دون إكراه وحرية التعبير الفكري والعقدي وحرية النقد والاعتراض لمعتقدات المخالفين.

فالإسلام يؤكد أن الحرية جزء من طبيعة الإنسان و شرط للتكليف الإلهي، والتحرر من العبودية يحرر الإسلام الإنسان من عبودية البشر أو الشهوات، ليرسخ مفهوم العبودية لله وحده.

دلالات المقاصد الشرعية على الحرية

وقف المؤلف على دلالات المقاصد الشرعية على الحرية الإنسانية ومعرفة مدى أهمية الحرية في الشريعة الإسلامية وناقش مقصد الحرية وأهميته في الرؤية الإسلامية موضحا دور الشريعة الإسلامية في حفظ الكرامة الإنسانية، و أن الحرية جزء أساسي من هذه الكرامة  مستندا على قاعدة فقهية تؤكد أن الأصل في الإنسان هو الحرية، والرق طارئ يجب إزالته.

العلاقة بين الحرية والمسؤولية التشريعية والأخلاقية

الحرية في الإسلام مقترنة بالمسؤولية الشرعية والأخلاقية، وأن هذه الحرية منضبطة وليست مطلقة، بل هي حرية مسؤولة تحكمها التشريعات والقيم الأخلاقية حيث لا مكان للفوضى أو التعدي على حقوق الآخرين. كما أن حماية الحريات العامة في الشريعة تهدف إلى صيانة الحريات الفردية والجماعية، بما يحقق الاستقرار والتنمية.

معلومات الكتاب

  • العنوان: الحرية وأثرها في الاستقرار والنهضة: دراسة في التأصيل الديني والفلسفي.
  • المؤلف: د. محمد الصادق العماري، باحث أكاديمي متخصص في العقيدة والفكر الإسلامي، ويدير مركز تدبير الاختلاف للدراسات والأبحاث بالمغرب.
  • الناشر: دار ركاز للنشر والتوزيع – الأردن.

الخاتمة

الحرية في الإسلام ليست مطلقة، لكنها تضمن للإنسان كرامته واستقلاله، ضمن إطار الشريعة والقيم الأخلاقية. يرسم كتاب الحرية وأثرها في الاستقرار والنهضة: دراسة في التأصيل الديني والفلسفي صورة شاملة لدور الحرية في تحقيق الاستقرار والتنمية، ويقدم رؤية متوازنة للحرية كحق ومسؤولية.