في الوقت الذي يعتبر فيه رمضان شهرا للارتقاء الروحي والاجتماعي، اكتشف الانسان المسلم ارتباط الشهر الكريم بالعلم من مختلف جوانبه وخاصة في مجالات علم الفلك والطب.

عندما نتحدث عن رمضان والعلم، نجد أن الرابطة الأولى بين شهر رمضان وعلم الفلك مثلا تكونت من خلال التقويم القمري (الإسلامي) حيث يقع ترتيب شهر رمضان من بين الشهور هو التاسع.

يبدأ الشهر القمري عندما يعبر القمر اتجاه الأرض والشمس ( تُعرف باسم الاقتران أو القمر الجديد)، ويبدأ الشهر القمري بحسب التعاليم الإسلامية عندما يظهر هلال متناهي في الصغر ، بعد يوم تقريبا من مولد القمر الجديد. وبما أن الشهور القمرية إما 29 أو 30 يومًا، يخرج المسلمون في مساء 29 شعبان من أجل رؤية هلال رمضان ، وهو بمثابة إعلان بداية الشهر الكريم .

هذا الإجراء المتبع في تحديد بداية ونهاية رمضان هو نهج دعا إليه النبي محمد صلى الله عليه وسلم (لم يكن لدى العرب في ذلك الزمان سوى القليل من المعرفة العلمية)  وكان لذلك تبعات مثيرة للاهتمام.

أولا لا تسمح هذه الطريقة في تحري بداية الشهر بالتخطيط للمستقبل، حيث يجب الانتظار إلى اليوم التاسع والعشرين ليعرف ما إذا كان اليوم التالي هو الـ 30 من الشهر الحالي أم الأول من الشهر التالي.  والحاجة إلى أجندة تقويم سنوية ضرورية لأي مجتمع من أجل تنظيم شؤونه، بما في ذلك جداول الأعمال، والتي تتغير في رمضان، وأوقات الإفطار والسحور، وعطلة عيد الفطر (بعد نهاية الشهر)، والسفر، وما إلى ذلك.

وتفاعلا مع هذه الحاجات، طورت الحضارة الإسلامية تقويمات سنوية، على سبيل المثال «التقويم الحسابي»، بالتناوب 29 و 30 يومًا بقاعدة معقدة لتحديد ما إذا كانت السنة طبيعية أم سنة كبيسة، بإجمالي 354 أو 355 يومًا.

ثانيا، ظهرت مشكلة أخرى وهي هل يجب أن تبدأ كل المناطق المختلفة صيام شهر رمضان بنفس التقويم، أم لكل منطقة رؤية مختلفة للهلال خاصة بها وبالتالي تبدأ وتنتهي من الشهر بتقويم مختلف.

واقع الحال في الزمن الماضي، إذا شوهد الهلال في مكة كان يتعذر إبلاغ أهل المدينة المنورة على الفور، لكن من المؤكد أن لا تعلم المناطق المجاورة بمواعيد المناسبات الدينية المختلفة، كالحج على سبيل المثال حيث كان توقيته معلوما لدى للجميع.

وثالثاً، بمجرد أن أصبحت الحسابات والتقنيات العلمية (التلسكوبات والكاميرات وما إلى ذلك) متاحة وشائعة الاستخدام بين المسلمين، أصبح السؤال: هل يجب استبدال الطريقة التقليدية القديمة ( كانت فعالة ومناسبة في ذلك الوقت) ، بالحسابات العلمية والرصد وأنظمة حساب التقويم الحديثة ؟

معضلة أزلية

وفي إطار الحديث عن مسألة رمضان والعلم ، نجد أن التحديد الفلكي لموعد رؤية الهلال مشكلة قديمة تعود إلى عصر البابليين، الذين توصلوا إلى قاعدة بسيطة: سيظهر الهلال الجديد إذا غرب القمر 48 دقيقة (12 درجة) على الأقل بعد غروب الشمس وسيعتبر بداية دورة قمرية جديدة.

 وبما أن علماء الفلك يمكنهم حساب مواقع وحركات القمر والشمس جيدًا، فيمكنهم التنبؤ بـ “الوقت المتأخر” بينهما وبالتالي معرفة إذا سيتسنى رؤية الهلال .

وتناول علماء الفلك المسلمين هذا الأمر منهم العلامة الخوارزمي  (القرن 9) وابن يونس (القرن 11) والطوسي (القرن 13) ، وتوصلوا إلى معايير تنبؤ مماثلة ولكنها أكثر دقة: 9 إلى 11 درجات بين الشمس والقمر.

خلال القرن العشرين، تطورت الآلية والتقنيات وأصبحت أكثر تعقيدًا، وشكلت إسهامات علماء الفلك الغربيين والمسلمين عاملا أساسيا منها  إدخال عناصر الفيزياء الفلكية مثل التباين بين السطوع.

من أبرز علماء الفلك الغربيين أندريه لويس دانجون وفرانز بروين وبرادلي شايفر، ومن علماء الفلك المسلمين محمد إلياس.

ساعد هذا التطور العلمي الهائل في تقليل المعدل المرتفع للأخطاء والمرتكبة من قبل الأشخاص الذي يحاولون رؤية الهلال بالعين المجردة.

و على أرض الواقع أظهرت الدراسات أنه خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وتراوحت معدلات الخطأ في العالم العربي بين 50 – 90 في المائة! ومن المعلوم أن شكل الهلال الرقيق يصعب رؤيته خاصة في مناطق العواصف الرملية أو تعاني من التلوث أو من ارتفاع نسب الرطوبة، و جاءت المساهمات العلمية حتى تساهم في الفرز بين الخطأ والصواب وتقليل نسبة الخطأ.

وتبقت قضية أساسية تثير التساؤل : هل يجب أن نستمر في إجراء الرؤية ( بجانب استخدام أدوات الرصد الفلكية أو من غيرها)، أم يجب أن نستخدم الحسابات لبناء تقويم ثابت والاستغناء عن طريقة الرؤية القديمة ؟ ولا يزال غالبية فقهاء المسلمين يصرون على اعتماد أسلوب الرؤية، ولكن الوعي بأهمية بناء واعتماد تقويم للأغراض المدنية والدينية على حد سواء يتزايد يوما بعد يوم.

الفوائد الصحية.. والمخاطر

يرتبط رمضان أيضا بالطب، وأثبتت الدراسات الحديثة الفوائد الصحية الجمة للصيام ، إلا أنه قد يحمل بعض الأضرار الجانبية على الأقل في بعض الحالات. ويمارس الصيام منذ آلاف السنين من قبل مختلف الثقافات والأديان وبأشكال مختلفة (صيام اليوم البديل، والقيود الغذائية، وما إلى ذلك)، لأسباب دينية أو صحية.

أظهرت الدراسات الحديثة فوائد مختلفة للصيام (مثل الصيام الأصغر أو المتقطع) : باتباع النظام الغذائي 5-2 (استهلاك ما لا يزيد عن 500 سعرة حرارية خلال يومين في الأسبوع) ؛ وتقييد السعرات الحرارية خلال 5 أيام (السعرات الحرارية في اليوم الأول 1000، ثم 700 في الأيام الأربعة التالية) ؛ مع الالتزام بتناول الطعام خلال 8-12 ساعة ولمدة 5 أيام من الأسبوع، إلخ.

بالإضافة إلى رصد عدد من الفوائد الموجودة في صيام الحيوانات (الفئران)، تم العثور على الآثار الإيجابية التالية في البشر: انخفاض نسبة الكوليسترول  تصل إلى 30 في المائة وتحسن مرض السكري بنسبة 20 في المائة ؛ وانخفاض ضغط الدم والدهون الثلاثية، وزيادة خلايا الدم الحمراء والصفائح الدموية ؛ والفوائد الأخرى المحتملة (التحسن في نسب دهون الدم والجلوكوز… الخ.)

في بعض الحالات الخاصة قد يتسبب الصيام بأضرار جانبية – بحسب الحالة الصحية لكل إنسان- وواقع الدراسات أظهر بعض الأعراض المتزامنة مع شهر رمضان خاصة عندما تكون فترة الصيام طويلة جدا (16 ساعة أو أكثر) مثل: القرحة الهضمية والتهاب البنكرياس وتوسع المعدة ؛ وما إلى ذلك.

ومن المعلوم أن توقيت شهر رمضان يتغير بمقدار 11 يومًا كل عام بسبب الاختلاف بين السنة القمرية والشمسية. ويتصادف رمضان في الوقت الحاضر مع شهر مايو والذي تطول ساعات نهاره خاصة في شمال العالم (الدول الاسكندنافية واسكتلندا على سبيل المثال) ، والصيام لأيام طويلة على مدى شهر كامل يمكن أن يسبب أضرارا لبعض الأشخاص.

وينبغي الإشارة إلى أن القرآن يعطي الإذن للمرضى بعدم الصيام (إذا أمكن تعويض تلك الأيام في أوقات لاحقة) ؛ ومع ذلك، فإن تعريف المرض غامض إلى حد ما لدى معظم الناس، حتى المصابين بأمراض مزمنة (مثل مرض السكري) يصرون على الصيام، مستدلين بما ورد في القرآن من حث على الصيام في حالة الاستطاعة.

وتتعلق الآثار السلبية الأخرى بنقص المياه وانخفاض ساعات النوم: انخفاض التركيز والوظائف المعرفية (مهمة للطلاب على وجه الخصوص) ؛ والإرهاق المادي العام (الذي يؤثر على السائقين ومشغلي الآلات الثقيلة) ؛ والتهيج وسوء الحالة المزاجية .