يقول الحق سبحانه: { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.} سورة النور، الآية: 63.
أول ما خطر ببالي وأنا أتدبر هذه الآية ما كان من الرماة يوم أحد إذ اختار النبي ﷺ من أصحابه خمسين رامياً، وأمّر عليهم عبد الله بن جُبير رضي الله عنه، وجعلهم على جبل يُقال له ” عينيْن ” يقابل جبل أحد، وقال لعبد الله بن جبير قائد الرماة ـ كما ذكر ذلك البيهقي في الدلائل وابن إسحاق في السيرة النبوية – : (انضح عنا الخيل بالنبل، لا يأتوننا من خلفنا، إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك لا نؤتين من قِبَلِك)،
ثم قال للرماة: (إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتى أرسل إليكم، وإن رأيتمونا هزمنا القوم ووطأناهم، فلا تبرحوا حتى أرسل إليكم) رواه البخاري.
لكن الرماة لما رأوا أن المسلمين انتصروا نزلوا عن الجبل وتنادوا قائلين: ” الغنيمةَ أيها القوم، الغنيمةَ، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ ” ، فقال أميرهم عبد الله بن جبير : “أنسيتم ما قال لكم رسول الله ﷺ “، فلم يلتفتوا إليه وقالوا: ” والله لنأتين الناس فلنصيبنّ من الغنيمة
وخالفوا أمر الرسول الله ﷺ لهم ألا ينزلوا فما ذا كان؟
هذا الخطأ العظيم قلب وضع المعركة، فحول النصر إلى هزيمة، إذ هزم المسلمون، وقتل منهم سبعون، ومثل ببعضهم بسبب مخالفة أمر النبي ﷺ.
ومن خلال هذا الدرس العظيم ظهر لنا أن مخالفة أمر النبي ﷺ من أهم أسباب الهزيمة وتخلف النصر عن الأمة، فبسبب مخالفة الرماة لأمره ﷺ فاتهم النصر بعد أن انعقدت أسبابه، وأشرقت بوادره وفي ذلك يقول الحق سبحانه : {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (آل عمران:152)
ولا شك أن من أعظم أسباب الفتن التي يموج فيها المسلمون اليوم وما يلاقونه هنا وهناك من القتل والتشريد والتنكيل لا شك أن من أعظم أسباب ذلك: مخالفة أمر النبي ﷺ في حياة المسلمين.
فالآية فيها تهديد صريح للذين يخالفون أمره أي سبيله وسنته وشريعته ليحذر أولئك. وليخش من خالف شريعة الرسول باطنا وظاهرا أن تصيبه فتنة يزيغ بها قلبه ويلتبس عليه بها شأنه فيضل أو يصيبه عذاب أليم في الدنيا أو في
ذكر الشاطبي في الاعتصام قال : حكى ابن العربي عن الزبير بن بكار ، قال : ” سمعت مالك بن أنس ، وأتاه رجل ، فقال : يا أبا عبد الله ! من أين أحرم ؟ قال : من ذي الحليفة ، من حيث أحرم رسول الله ﷺ ، فقال : إني أريد أن أحرم من المسجد . فقال : لا تفعل ، قال : فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر ، قال : لا تفعل; فإني أخشى عليك الفتنة ، فقال : وأي فتنة هذه ؟ ! إنما هي أميال أزيدها ، قال : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله ﷺ ! إني سمعت الله يقول : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.}”
ثم قال الشاطبي: “وهذه الفتنة التي ذكرها مالك رحمه الله في تفسير الآية هي شأن أهل البدع وقاعدتهم التي يؤسسون عليها بنيانهم ، فإنهم يرون أن ما ذكره الله في كتابه وما سنه نبيه ﷺ دون ما اهتدوا إليه بعقولهم”.
هذا هو لازم فعلهم وقولهم وإن لم يصرحوا به تصريحا، والابتداع والزيغ عن الصراط المستقيم هو من تلك الفتن التي قد تصيب من يخالف أمر الرسول ﷺ.
ما ذا لو أراد امرؤ أن يقيس نسبة حضور سنة نبينا ﷺ في حياتنا اليومية في بيوتنا ومجالسنا وأسواقنا ومساجدنا وطرقنا وغيرها فكم هي النسبة التي تتوقعون.؟
لا أبالغ لو قلت إنها ستكون نسبة ضيئلة ومع ذلك يقول بعضنا: ما بال المسلمين في ضعف وهوان، ما بالهم يدعون فلا يستجاب لهم ويستنصرون فلا ينصرون. ما بال الإسلام وأهله في كل مكان.
أنّى اتـجـهت إلى الإسلام في بـلـد *** تجده كالطير مقصـــوصاً جناحاه
كم صرّفـتنا يـدٌ كنا نـُصـرّفــــــــــــهـا *** وبات يحكــــــــــمنا شعب ملكنـــاه
والجواب قول الحق سبحانه : { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} سورة آل عمران، الآية : 165.
وقوله سبحانه : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.} سورة النور، الآية: 63.
وقوله: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} سورة الرعد، الآية: 11.