في بيتنا طالب: مع بداية العام الدراسي، تتأهب الأسر لاستقبال العام الجديد وتهيئة أبنائها الطلاب ومتابعتهم، بحيث يتغير نمط الحياة، خاصة لدى الأسر التي بها طلاب في مراحل التعليم الأولى أو المتوسطة؛ حيث الاهتمام أكبر، والمتابعة مطلوبة باستمرار.
والتعليم هو أحد أولويات الأسر، ومن أهم واجباتها تجاه أبنائها؛ فهو البوتقة التي تشكِّل وعيهم بدرجة كبيرة، وتقوم على تهيئتهم للمستقبل؛ ولهذا تحظى العملية التعليمية باهتمام كبير لدى الأسر، ويبذل له الأبوان كل ما يستطيعان من دعم مادي ورعاية معنوية، تربوية ونفسية.
في بيتنا طالب: التعليم مهمة أسرية
ومن أهم ما يقتضيه وجود طلاب في الأسرة، لاسيما كما أشرنا مع طلاب المراحل الأولى والمتوسطة، أن ندرك أن التعليم بالأساس مهمة أسرية؛ من حيث تهيئة الظروف المادية والنفسية، وتوفير أجواء النجاح والتفوق، إضافة إلى المتابعة المستمرة مع المدرسة والتواصل مع المعلمين، فأهمية العملية التعليمية، وما فيها من عبء، يقتضي ألا يُترك الطالب للمدرسة وحدها، وألا يُعتَمد على الدروس الخصوصية اعتمادًا كليًّا.. وإنما يبقى للبيت دوره الأساس في الإشراف على ذلك، ومتابعة الابن أولًا بأول، مع حثه على المذاكرة وتهيئة الظروف الأسرية المناسبة، وأيضًا تشجيعه على التفوق وإثارة حافز التميز لديه.
للأسف، بعض الآباء يعتقدون أن دورهم في تعليم أبنائهم محصور في توفير النفقات اللازمة، وكأنهم مموِّلون فقط في هذا “المشروع” الذي يقع عليه عبء مستقبل الأبناء!! لا.. إن الأمر أكبر من هذا، والمسؤولية أعظم من مجرد المال.
وكذلك، قد تعجز المدرسة عن توفير المتابعة المطلوبة لكل تلميذ، نتيجة التكدس أو عدم توافر الإمكانات اللازمة. وهنا، يكون العبء أكبر على الأسرة، من حيث المتابعة واكتشاف أي خلل بشكل مبكر، ثم تعويض ما قد يحصل من نقص؛ إما بمساعدة الأبوين أنفسهم أو بتوفير الدعم الخاص، بمحاضرات على المواقع التعليمية أو بدروس التقوية. المهم أن تتكامل أدوار تعليم البيت والمدرسة في رعاية الأبناء والأخذ بأيديهم للنجاح والتفوق.
التخفف من المشاكل الأسرية
من المهم أن يدرك الأبوان حاجة الأبناء لظروف أسرية مناسبة، فيها الاستقرار والرعاية والحنو؛ حتى يواصلوا عامهم الدراسي بنجاح وتميز.
فمما لا شك فيه أن المشاكل الأسرية تؤثر بالسلب على التحصيل الدراسي للأبناء، وتصيبهم بالقلق والتوتر.. وتتفاقم هذه الآثار بقدر ما تتعمق الخلافات الزوجية بين الأبوين. ولهذا، على الأبوين مراعاة ذلك، والتخفف بشكل كبير من مشاكلهما الأسرية؛ فيتم تأجيل ما يمكن تأجيله، أو تجاوز ما يمكن تجاوزه، أو الحل المبكر لما يمكن حله، أو على أقل تقدير: عدم مناقشة المشاكل الزوجية بحضور الأبناء، خاصة إذا كانوا في سن صغيرة؛ حتى يتم تجنيبهم الآثار السلبية لهذه المشكلات، وانعكاساتها على تحصيلهم الدراسي، فضلًا عن استوائهم النفسي
تنمية المهارات
التعليم في زمان الإنترنت والذكاء الاصطناعي يحتاج لمهارات عالية ومتنوعة، لم يعد ينفع الأسلوب التقليدي -المعتمد على الحفظ والتلقين- في تخريج عقلية ناضجة مستوعبة. كذلك لم يعد ينفع الاقتصار على المقررات الدراسية. لا بد من اتباع أساليب ومسارات تعليم تراعي مختلف جوانب الشخصية الإنسانية؛ من الحفظ والتفكير والإبداع وتنمية المهارات والقدرات.. مع وَصْلِ ذلك كله بما يحدث من تغيرات سريعة في الحياة حولنا.
صحيح أن عبء ذلك يقع بالأساس على المدرسة ومؤسسات التعليم بالدولة؛ فهي الأقدر والأكفأ، والأكثر خبرة.. لكن دور الأسرة أيضًا مهم هنا، ولو بدرجة تكميلية.
تنظيم الوقت
على الأسرة أيضًا أن تساعد الابن على تنظيم وقته، وتقسيمه بين مختلف المواد الدراسية، حتى لا يطغى الاهتمام بجانب على جانب آخر؛ فنحن بحاجة للشخصية المتكاملة.. خاصة أن الطفل في سنواته الأولى لم تتشكل بعد ميوله الأدبية أو العلمية بصفة واضحة؛ فلا بد أن يهتم وعلى قدم المساواة بمختلف المواد الدراسية.. ثم له الحق بعد ذلك في أن يقرر أي السبل يسلك.
وهنا، من المهم التأكيد على الاعتدال في المذاكرة، مع الانتظام.. بحيث لا يكون الابن في يوم ممتلئًا جدًّا ونشطًا لدرجة الإرهاق الشديد، بينما في يوم آخر يكون خاليًا من المذاكرة. الاعتدال مع الانتظام هو ما يعين الإنسان على الاستمرار مع الفاعلية. وكم يحدث أن نرى طلابًا يدخلون العام الدراسي بكل نشاط وعمل متواصل، ثم لا يلبثون أن ينقطعوا بعد أن يصابوا بالملل والضجر والإرهاق!!
وتنظيم الوقت يقتضي أيضًا إعطاء الجسم قدرًا من الراحة المناسبة.. مع تخصيص وقت للرياضة ولو على فترات، فالجسم السليم يمكنه ممارسة وظائفه المتعددة بشكل أفضل.. بجانب تخصيص وقت للترفيه، ولو أسبوعيًّا أو نحو ذلك؛ فالنفس تحتاج لهذا التنوع، لتستعين بشيء من الراحة على الجد.
الغذاء الجيد
وينبغي للأسرة أن تهتم بغذاء أبنائها الطلاب؛ فالصحة الجيدة طريق للفهم الجيد.. وبعض الأبناء، للأسف، قد لا ينتبه لأهمية الغذاء، أو يأكل كثيرًا خارج البيت؛ فتتأثر صحته سلبًا بذلك.
فوجبة الصباح هنا تكون وجبة ضرورية، أو على الأقل يأخذ الابن الطعام من البيت معه إلى المدرسة، يأكله في بداية اليوم الدراسي.. ولا مانع إذا كانت الأسرة في سعة من حالها، أو بما يتيسر لها، أن تعطي الابن كمية إضافية من الطعام يشاركه مع زملائه، خاصة من يحتاجون؛ فيكون ذلك درسًا عمليًّا في مَزْجِ التعليم بالرحمة والإنسانية والتشاركية.. فيتأسس لديه ارتباط العلم والقيم معًا.
تعليم القيم
كذلك مما ينبغي أن نحرص عليه، تعليم الأبناء القيم الكبرى التي يرتبط بها التعليم.. حتى يدرك الابن جيدًا أنه يتعلم لا لمجرد الحصول على “شهادة” تكون سبيله لوظيفة؛ وإنما لأن التعليم جزء من كينونة الإنسان وإنسانيته.. وجزء من معادلات الحياة وشروط الحضارة.
نحن نتعلم لنترقى لا لنتوظف فحسب.. نتعلم لنفهم معنى الحياة لا لنعيشها فقط.. نتعلم لأن العلم فريضة من فرائض إسلامنا، وقيمة حضارية كبرى في بنائه الحضاري.. نتعلم لأن العلم سبيل إلى معرفة الله تعالى والخشية منه سبحانه.. نتعلم لأن العلم أداة كبرى للدول في حلبة التنافس أو الصراع الحضاري؛ فالغلبة لمن يراكم ثرواته ولو كانت قليلة ويحوّلها بالعلم إلى أدوات فاعلة ومنتجة في مختلف مظاهر الحياة.
وفي المجمل، يمكن القول إنه عندما يكون في بيتنا طالب، فهذه مسئولية وأمانة.. علينا أن نعي جيدًا ما يلزمها من أعباء، ونوفر لها الأجواء.. مع الاستعانة بالله تعالى أولًا وآخرًا، وسؤاله التوفيق لنا ولأبنائنا.