يعد كتاب ” إطلاق طاقات الحياة من منظور علم النفس الإيجابي ” والصادر عن المركز الثقافي العربي استكمالا لمشروع المفكر اللبناني والمتخصص في علم النفس الإجتماعي الدكتور مصطفى حجازي في توظيف علم النفس لخدمة الانسان وفهم خصائصه وديناميته السلوكية وذلك بعد كتابيه السابقين : سيكلوجية الإنسان المقهور ، وسيكولوجية الإنسان المهدور، إذ ركز في الكتابين السابقين على معوقات تنمية الإنسان الموضوعية والذاتية تحديدا ، بينما ركز في الكتاب الأخير على إمكانات الإنسان وفاعليته الذاتية والجماعية.
يوظف الدكتور مصطفى حجازي في هذا الكتاب فهمه لخصائص طاقات الحياة ويبين كيفية إطلاقها منطلقا من فرع جديد من فروع علم النفس هو “علم النفس الإيجابي” الذي يهتم بالكشف عن كل ما هو حي وفاعل ومعافى عند الإنسان، كما يبين كيفية تنميتها وصولاً إلى تحقيق الاقتدار الإنساني.
ويعتبر علم النفس الإيجابي من أحدث فروع علم النفس بعد إكماله عقدين من الزمن ، ومحور اهتمامه دراسة واكتشاف الإيجابيات وأوجه الاقتدار وتنمية الإمكانات لدى الفرد والمجتمع وإبراز أفضل ما لديهم والعمل على تعزيزه وصولا إلى تحقيق السعادة.
ويتمسك علم النفس الإيجابي بالأطروحة القائلة بأن في مقابل أوجه الاضطراب لدى الانسان ، هناك أوجه الصحة ، وفي مقابل القصور هناك إمكانات الاقتدار ، وفي مقابل التشاؤم واليأس هناك التفاؤل والأمل الصانع للمصير .
قسم د. مصطفى حجازي كتابه ” إطلاق طاقات الحياة من منظور علم النفس الإيجابي ” إلى ثمانية فصول ، استعرض في الفصل الأول أسس علم النفس الإيجابي ومعطياته وتوجهاته ومجلات الاهتمامات الراهنة .
وخصص الفصل الثاني من الكتاب لإطلاق الطاقات الحية وهي إحدى الغايات الأساسية لعلم النفس الإيجابي ، خاصة أن المجتمعات مازلت تهدر الطاقات الحية.
وعالج الفصل الثالث آليات ومقومات التفكير الإيجابي عبر إستيعاب دروس التاريخ وتجارب الحياة والتفكير في إيجاد الحلول. وتتمثل غاية هذا الفصل في الدعوة إلى التنبه لأخطار الاستسلام للتفكير السلبي الذي يتسم بسهولة السيطرة على وعي الانسان ، ولذلك يحتاج التفكير الإيجابي إلى جهد واجتهاد ومقاومة واعية للسلبيات.
ويتابع د. حجازي في الفصل الرابع عملية التفكير الإيجابي عبر طرق باب التفاؤل والأمل ، بتحديد معنى التفاؤل والبحث في مضمونه ومقوماته وصولا إلى التدريب على التفاؤل. ويرتكز هذا البحث على فرضية إمكانية تعلم التفاؤل من خلال برامج أصبحت معروفة لدى الجميع تتصدى نزعة التشاؤم المنتشرة.
ويستخدم د. حجازي توصيف ” الأمل الفاعل ” ويعرفه بـ تلك الثقة بالقدرة على الانتصار على التحديات والمعوقات من خلال تدبر الوسائل وسبل الوصول والتصميم والمثابرة ، وهو أمر قابل للتدرب عليه وصولا إلى تعلمه وممارسته.
وتناول الفصل الخامس موضوع الدافعية الجوانية الأصيلة بعكس الدافعية البرانية التي تدفع المرء إلى النشاط والتصرف بتأثير من قوى خارجية ، أو لتحقيق أهداف برانية ، فالدافعية الجوانية هي ذلك النزوع إلى الانخراط في مهمات تشكل تحديا عاليا لتحقيق أهداف قائمة بذاتها ولها دوافعها الذاتية الجوانية وليست وسائل للحصول على مكاسب أو منافع.
وركز في الفصل السادس على معالجة الاقتدار الإنساني وبناءه . ويتلازم ذلك مع إطلاق الطاقات الحية وتفعيلها وهما يشكلان معا بوابة الإمساك بزمام المصير والقدرة على صناعته ، كما تطرق في الباب إلى مكونات الاقتدار الإنساني الذاتية والجماعية .
ويطرح الفصل السابع موضوعا مهما على صعيد تحول المنظور في الممارسة القيادية للإدارة ، ويقدم من خلال علم النفس الإيجابي منظورا مختلفا يتمثل في القيادة التحويلية المنمية في الإدارة ، كما في تدريب المديرين وإدارة الأنشطة الشبابية.
وفي الفصل الثامن والأخير تطرق د. مصطفى حجازي لموضوع الانفعالات الإيجابية وحسن الحال حيث تتلازم الانفعالات الإيجابية مع التفكير الإيجابي في علاقة جدلية من التعزيز المتبادل وهي بدورها توسع الرؤى وتفتح آفاق السعي وتنشط القدرة على الفعل والتدريب مما ينعكس إيجابا على الصحة الجسدية والنفسية.
يشكل كتاب ” إطلاق طاقات الحياة من منظور علم النفس الإيجابي ” دعوة نفسية جديدة لاستنهاض همة الانسان وإخراجه من التاريخ الآسن وصولا إلى صناعة التاريخ الحي المسك بالمصير والمحقق لانسانيته ، وهو بذلك يأتي بمثابة الوصفة التي تُجيب على داء القهر والهدر ويستكملها بإبراز طاقات الحياة وآليات النماء والبناء.