كيف نجحت اليابان في بناء نظام تعليمي يمزج بين القيم الأخلاقية والإبداع الفردي ليصبح نموذجا يحتذى به عالميا؟ في كتابه “التربية اليابانية المركبة: الاقتراحات والدروس المستفادة”، يقدم الباحث الجزائري ناصر يوسف دراسة معمقة عن كيفية تطور التعليم الياباني عبر العصور، واستطاعه دمج القيم الأخلاقية مع الإبداع الفردي.
هذا الكتاب يفتح أفقًا جديدا للعالم العربي والإسلامي لاستلهام التجربة اليابانية، حيث يبرز أهمية التعليم في بناء مجتمع قائم على القيم والتنمية المستدامة، مع التركيز على دور المعلم، الإبداع، والابتكار.
دعونا نستكشف الأفكار والاقتراحات الواردة في هذا الكتاب، ونتعرف على التجربة التعليمية اليابانية !
محتويات كتاب “التربية اليابانية المركبة”
يسعى كتاب”التربية اليابانية المركبة: الاقتراحات والدروس المستفادة” للإجابة عن تساؤل محوري: كيف يمكن للعالم العربي والإسلامي الاستفادة من هذا النموذج لخلق نظام تعليمي يدمج بين الأصالة والحداثة؟
يستعرض الكتاب في ستة فصول رحلة التعليم في اليابان، بدءًا من جذوره التاريخية وحتى تجلياته المعاصرة، مع تقديم مقترحات عملية لتطوير التعليم في الدول العربية والإسلامية.
الفصل الأول: الخبرات العملية المكتسبة من التربية والتعليم – السياق الثقافي الياباني
يبدأ الكتاب بتأصيل التجربة اليابانية من خلال عرض مرحلتين تاريخيتين:
- عهد توكوغاوا (1603-1868): كان التعليم يعتمد على تعاليم الكونفوشيوسية، التي ركزت على الولاء والانضباط وتقوى الأبناء. لعبت مدارس هانكو دورًا رئيسيًا في تعليم النبلاء أما مدارس تيراكويا، فقد أتيحت لعامة الناس، وركزت على المهارات العملية مثل القراءة والحساب. هذا النموذج أرسى قواعد السلم الأهلي في تلك الحقبة.
- عهد ميجي (1868-1912): مع الانفتاح على العالم، تم تحديث التعليم في اليابان، فظهرت المدارس الحديثة، وتوسعت البعثات الخارجية، وشهد التعليم الإلزامي تطورًا كبيرًا ودمجت القيم التقليدية مع العلوم الغربية، كما أعطيت الفتيات فرصًا متساوية للتعليم، وهو أمر نادر في تلك الفترة.
الفصل الثاني: التربية المركبة والشخصية اليابانية المتعلمة
يوضح المؤلف أن النظام التعليمي الياباني يعتمد على مفهوم التربية المركبة، الذي يمزج بين:
- القيم الأخلاقية: مثل العمل الجماعي، التضحية، والولاء.
- الإبداع الفردي: باعتباره أساسًا للابتكار والتميز.
ويشير المؤلف إلى أن هذه التربية ليست مجرد تعليم نظري، بل نهج عملي يعزز قدرة الفرد على التعلم مدى الحياة، مما يضمن استدامة التطور الشخصي والمجتمعي.
الفصل الثالث: ملامح التربية المركبة في اليابان القديمة والحديثة
يسلط هذا الفصل الضوء على أثر الفلسفات الدينية في اليابان، في صياغة القيم التعليمية. كما يبرز الكاتب كيف تمكنت اليابان من دمج هذه القيم مع التعليم الحديث دون المساس بهويتها الثقافية، عبر توطين العلوم الغربية واعتماد اللغة اليابانية كوسيط تعليمي رئيسي.
الفصل الرابع: واقع التربية المركبة في اليابان المعاصرة
يقدم هذا الفصل تحليلًا للنظام التعليمي الياباني الحالي، الذي يهدف إلى بناء مجتمع معرفي يعتمد على التفكير النقدي والإبداع. ويستعرض المؤلف المكونات الرئيسية لهذا النظام:
الفلسفة والأهداف
التعليم الياباني يهدف إلى بناء شخصية متوازنة وقادرة على خدمة المجتمع.
المراحل التعليمية
- الروضة والابتدائي: غرس القيم الأساسية مثل النظافة والتنظيم والعمل الجماعي.
- التعليم العالي: إعداد قادة المستقبل عبر التركيز على التخصص والإبداع.
المناهج الدراسية
نبه كتاب “التربية اليابانية المركبة” إلى تراجع المناهج كل عشر سنوات لضمان ملاءمتها للتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية، مع تركيز خاص على العلوم والتكنولوجيا والأخلاقيات.
- الإبداع والابتكار: يعتمد التعليم على تعزيز التفكير النقدي والعمل بروح الفريق لتحقيق أهداف المجتمع والأمة.
- التحديات: أشار المؤلف إلى أن الضغط الأكاديمي الشديد والمنافسة يمكن أن تؤدي إلى آثار نفسية سلبية، وهو تحدٍ يتطلب حلولاً لتخفيف العبء دون المساس بالجودة التعليمية.
الفصل الخامس: المعلم الياباني ودوره في التعليم
المعلم هو حجر الزاوية في النظام التربوي الياباني. ويتميز بـ:
- التدريب المستمر: يشمل إعدادًا أكاديميًا ومهنيًا، مع برامج تطوير أثناء الخدمة.
- المكانة الاجتماعية: يحظى باحترام كبير من الطلاب وأولياء الأمور والمجتمع.
- علاقته بالتلاميذ: قائمة على الاحترام المتبادل وتعزيز روح الفريق.
يؤكد المؤلف أن نجاح التعليم الياباني يعود بشكل كبير إلى كفاءة المعلمين واستثمار الدولة في تدريبهم وتأهيلهم.
الفصل السادس: الاقتراحات والدروس المستفادة عربياً وإسلامياً
يطرح المؤلف رؤية لتطوير التعليم العربي والإسلامي بالاستفادة من التجربة اليابانية، مع التركيز على النقاط التالية:
- القيم والتعليم: يجب أن يكون التعليم وسيلة لتفعيل القيم الأخلاقية، مثل المسؤولية والاعتماد على الذات والعمل الجماعي.
- إعداد المعلمين: تعزيز مكانة المعلم كركيزة أساسية للنظام التعليمي مع توفير برامج تدريبية مستدامة لتحسين أدائهم.
- التعلم مدى الحياة: التعليم يجب ألا يقتصر على الفصول الدراسية، بل يمتد ليشمل كل مراحل الحياة.
- ربط التعليم بالتنمية: التركيز على المهارات العملية وتطوير مناهج تلبي احتياجات المجتمع وسوق العمل.
- التوازن بين الأصالة والحداثة: مثلما استطاعت اليابان الحفاظ على هويتها، يمكن للعالم العربي دمج القيم الإسلامية مع العلوم الحديثة لإحياء دوره الحضاري.
الدروس المستفادة من الكتاب
أشار كتاب “التربية اليابانية المركبة .. الاقتراحات والدروس المستفادة” إلى عدة نقاط مستفادة من تجربة التعليم الياباني منها :
- ركز التعليم في عهد توكوغاوا على تدريب النساء على الفنون والمهارات الحياتية، مما مهد لإدماجهن في النهضة التعليمية لاحقًا.
- يناقش المؤلف مشكلات الضغط الأكاديمي والمنافسة الشديدة، مع اقتراح حلول لتقليل هذه الضغوط دون التأثير على جودة التعليم.
- يبرز الكاتب أن التعليم العربي يعاني من غياب التفعيل العملي للقيم، مما يؤدي إلى ضعف ارتباط المعرفة بالتنمية الحقيقية.
- التعليم يجب أن يكون وسيلة لإحياء القيم وبناء المجتمعات.
- الجمع بين الإبداع الفردي والجهد الجماعي ضروري لتحقيق التنمية المستدامة.
- النهضة التعليمية تعتمد على التخطيط الاستراتيجي بعيد المدى.
عن المؤلف
مؤلف كتاب “التربية اليابانية المركبة .. الاقتراحات والدروس المستفادة” هو الدكتور ناصر يوسف باحث جزائري، يحمل درجة الدكتوراه في اقتصاد التنمية المقارن من جامعة ملايا بماليزيا عام 2008م. مهتم بشؤون اليابان الإنمائية، والبحث في العلاقة بين التنمية والدين. يعمل حالياً باحثاً ومحرراً ومشرفاً بمكتب النشر العلمي- مركز البحوث في الجامعة الإسلامية العالمية/ ماليزيا. له إسهامات علمية وفكرية في مجلّات أكاديمية وعلمية محكّمة، إلى جانب مؤلفات أخرى تناقش فكرة (التنمية المركَّبة) بوصفها مشروعاً فكرياً يعكف عليه الباحث.
صدر له المؤلفات الآتية: كتاب “مسالك التنمية المركَّبة: الأنموذج الياباني والمستقبل العربي” عن المعهد العالمي للفكر الإسلامي، واشنطن، عام 2019م؛ و”التواصل الإنساني والإنمائي المركَّب: سيميائيات الغلبة” عن دار الكتب العلمية، بيروت، عام 2012م؛ و”فرضية التنمية المركَّبة: استعادة الإنسان المتعدد الأبعاد” عن أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، عام 2022م.
معلومات الكتاب
- كتاب: التربية اليابانية المركبة .. الاقتراحات والدروس المستفادة
- تأليف: ناصر يوسف
- الناشر: المعهد العالي للفكر الإسلامي – الولايات المتحدة الأمريكية
- تاريخ النشر: الطبعة الأولى 1445 هـ/ 2024 م
خاتمة
يعد كتاب “التربية اليابانية المركبة” دعوةً لإعادة التفكير في نظم التعليم بالعالم العربي والإسلامي. يقدم المؤلف نموذجا واقعيا لكيفية الدمج بين الأصالة والحداثة، مع التركيز على التعليم كوسيلة لبناء الإنسان والمجتمع ومن أجل تحقيق نهضة شاملة.