“ما من قضية أثارت جدلاً في كل بيت مسلم وفي كل بيت غير مسلم مثل قضية الأحكام الخاصة بالمرأة في القرآن الكريم، وما حُورِبَ الإسلام من المستشرقين ومن سار على دربهم مثلما حُورِبَ بقضايا المرأة في تعدد الزوجات وميراثها الذي يبلغ نصف ميراث الرجل”. بهذه الكلمات افتتح محمد متولي الشعراوي كتاب “المرأة في القرآن الكريم” الذي تطرق من خلاله إلى جملة من القضايا والأحكام الخاصة بالمرأة في القرآن الكريم، فتحدث عن التكامل بين الرجل والمرأة، وعن تعدد الزوجات، وأحكام الطلاق، وعن عاطفة المرأة وعقلها، وعن الحجاب والنقاب والتبرج، وعن عمل المرأة.
وسنحاول في هذه المقالة أن نقف على جوانب من الأفكار التي أوردها الشعراوي في كتابه “المرأة في القرآن الكريم” الذي نعتقد أن من المهم أن تقرأه كل امرأة لكي تتأكد أن المكانة التي أعطاها الإسلام لم ولن تجدها في أي دين آخر مهما طال الزمن، وبالتالي فإن عليها أن تبحث عن نفسها وشرفها ومكانتها وأحكامها بين دفتي المصحف الشريف وليس في القوانين والاتفاقيات المسمومة التي تصدرها الدول الغربية رغبة في الإجهاز على المرأة المسلمة وإخراجها من سكينة وطمأنينة دينها الحنيف.
الرجل والمرأة
يتحدث الشعراوي في الفصل الأول من كتاب” المرأة في القرآن الكريم” عن عدد من القضايا المتعلقة بالرجل والمرأة محاولاً الكشف عن علاقة التكامل بينهما، فنجده يذهب إلى أن الله تبارك وتعالى أراد أن يلفت أنظارنا من خلال قوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} إلى أن قضية التكامل بين الرجل والمرأة كقضية التكامل بين الليل والنهار، فالليل والنهار مختلفان في الطبيعة ولكنهما مع ذلك متكاملان في المهمة وكلاهما يكمل الآخر ولا يعانده.
وهكذا يتوصل الشعراوي إلى أن الله تبارك وتعالى خلق الرجل والمرأة “متكاملين وليسا متعاندين، فالرجل له وظيفته في السعي على الرزق ورعاية زوجته وأولاده وتوفير أسباب الحياة لهم، والمرأة مهمتها في رعاية البيت وإنجاب الأولاد، وتكون سكناً للزوج عندما يعود إلى بيته متعباً من حركة الحياة، تستقبله بابتسامة تمسح له شقاء اليوم”، واستدل الشعراوي على هذه المعاني بقوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}.
وفي هذا الإطار، يؤكد الشعراوي في كتاب “المرأة في القرآن الكريم” على أن الله تبارك وتعالى حدد من خلال هذه الآيات “المهمة المتكاملة للرجل والمرأة، فكلاهما يكمل بعضه بعضاً، فلا الرجل يصلح لمهمة المرأة في إنجاب الأطفال ورعاية البيت وتربية الأولاد والعناية بهم، ولا المرأة مهمتها الأساسية أن تسعى في سبيل الرزق لتوفير لقمة العيش للرجل”.
ويذهب الشعراوي إلى حقيقة دقيقة مفادها أن قضية تداخل الأدوار بين الرجل والمرأة أخذت مساراً غير مسارها، فـ “أصبح هناك شبه معركة بين الرجل والمرأة، فلا المرأة قنعت بدورها ومهمتها، ولا الرجل رضي بمهمة المرأة في الحياة، بل كلاهما دخل في معركة معاندة، وهذا هو الذي أوجد القضية التي ما كان يجب أن توجد لو أن كلاً منهما رضي بمهمته في الحياة”.
تعدد الزوجات
في الفصل الثاني من كتاب ” المرأة في القرآن الكريم” يطرق الشعراوي موضوعاً من أكثر الموضوعات التي تزعج غالبية النساء وتثير جدلاً واسعاً بين الناس ألا وهو موضوع تعدد الزوجات، فقد أورد الشعراوي في بداية هذا الفصل قصة حدثت له في “سان فرانسسكو”، حيث سألته إحدى المحاضرات: هل الإسلام يبيح تعدد؟ فقال لها: نعم يبيح أكثر من زوجة، فقالت له: لماذا لا يبيح تعدد الأزواج للمرأة؟ فرد عليها قائلاً: أنتم -في دول عديدة- هناك أماكن تعدونها لمن أراد من الشباب غير المتزوج أن يستريح جنسياً، فيها نساء يتقاضين أجراً من أجل العملية، لماذا لا تعدون أماكن فيها شباب وتذهب إليها النساء إذا أردن الراحة الجنسية؟ بُهتت المرأة وسكتت.
وقد أعاد الشعراوي سكوت هذه المرأة إلى “أن المرأة بطبيعتها تكره تعدد الرجال، وهي ترى أن كرامتها وعزتها أن تكون زوجة لرجل واحد وأحيانا يموت زوجها فترفض أن تتزوج مرَّة أخرى، لأنها ترفض أن تعاشر رجلاً آخر”، من أجل المحافظة على كرامة المرأة التي لا تتزوج أكثر من رجل، والمحافظة على الأنساب أيضاً.
وفي هذا المضمار حاول الشعراوي تكييف تعدد الأزواج من خلال الوقوف مع الآية القرآنية التي تقول: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً}، وذهب إلى أن الحكم الأصلي في التعدد هو الإباحة وليس الوجوب، ومعنى ذلك “أن الإسلام لا يوجب على الرجل أن يتزوج بأكثر من واحدة، ولكنه يبيح له ذلك إذا رأى أن حياته محتاجة إليه”.
ومن الناحية المنطقية يرى الشعراوي أن لا تعدد لشيء على شيء إلا بفائض، فالحجرة التي يوجد فيها خمسة أشخاص وخمسة مقاعد تختلف اختلافاً منطقياً عن الحجرة التي يوجد فيها خمسة أشخاص وعشرة مقاعد، ومن هنا يتوصل الشعراوي إلى أن “لا تعدد إلا إذا كانت هناك زيادة في العدد، فالمقصود بتعدد الزوجات ألا تبقى امرأة في المجتمع بلا زوج حتى لا تحدث انحرافات وينتشر الحرام”.
وإذا كان البعض يرى أن التعدد قد يكون سبباً في فقدان الزوجة الأولى لزوجها، فإن الشعراوي يعتقد “أن التعدد في كثير من الأحيان يكون حفاظاً للزوجة الأولى وحفاظاً للزوجة الثانية”، لأن الزوجة الأولى قد تفضل أن تبقى في بيتها على أن تفقد زوجها وأسرة، في حين أن الزوجة الثانية لن تقبل بأن تكون زوجة ثانية إلا لأنها لم تجد فرصة إلا أن تكون زوجة ثانية.
وفي سياق حديثه عن نظرة الإسلام إلى التعدد، قال الشعراوي إن الأسرة قد تتعرض لمشكلات تهدد كيانها وتعرضها للدمار والفساد، مثل: زيادة عدد الإناث عن عدد الذكور، وقوة الدوافع الجنسية عند الرجال وبرودته عند بعض النساء، ومرض الزوجة بمرض مزمن أو إصابتها بعقم، ونقص عدد الرجال بسبب الحروب، ولكنه أكد أن علاج هذه المشكلات لا يكون إلا بالتعدد، لذلك أباحت الشريعة للرجل الزواج من أخرى لكي لا يكون فريسة للصراع النفسي فيدفعه ذلك إلى الوقوع في الحرام.
وتوقف الشعراوي في هذا السياق مع قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ}، وقال إنه لو كان المقصود منها إبطال الحكم لكانت الآية الكريمة وقفت عند قوله تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا}، ولكن قوله تعالى: {وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ} يشير إلى أن حكم التعدد ما زال باقياً، لأنه كيف يكون الحرص والعدل مستحيلاً؟ وكيف نحرص على تنفيذ حكم أبطله الله سبحانه وتعالى؟.
العقل والعاطفة
“ما رأيت ناقصات عقل ودين أغلب لذي لبِّ منكنَّ.. إلخ”، لا يزال هذا الحديث النبوي يمثل إشكالاً لدى كثيرين بخصوص طبيعة عقل المرأة، ولعل السبب في ذلك يعود إلى أن البعض لا ينظر إلى الحديث كاملاً وإنما ينظر غالباً إلى ثلاث كلمات فقط (ناقصات عقل ودين)، فيقرر من خلال هذه الكلمات أن المرأة ناقصة عقل ودين وبالتالي لا يمكن أن تفوق الرجل نهائياً في العقل والدين، وهذا ليس على إطلاقه لأن الحالة البيولوجية تكشف أن طبيعة تكوين المرأة عاطفية وحياة الرجل عقلانية.
وهكذا فإن من الواضح أن الموقف السابق يكشف عن خلل في فهم هذا الحديث النبوي على حقيقته، ولهذا فقد عقد الشعراوي فصلاً خاصاً سماه (العاطفة بين العقل والدين) استهله بالتأكيد على أن “البعض أخذ هذا الحديث على أنه إهانة للمرأة وحط من كرامتها ومنزلتها في المجتمع، وأنه اتهام لها بنقص العقل والدين” ولكن الحقيقة غير ذلك، فالحديث الذي بين أيدينا يشرح طبيعة المرأة ويؤكد أنها تكوينها تغلب عليه العاطفة، “فهي التي تحنو، وهي التي تمسح الدموع وتضع مكانها الابتسامة، وهي التي تمسح تعب اليوم وشقاءه عن زوجها وأولادها، وهذا لا يتم بالعقل ولكن يتم بالعاطفة”.
ولم يمضِ الشعراوي يُلقي الكلام على عواهنه بهذا الخصوص، بل قدم أمثلة ناصعة على رجاحة عقل المرأة وسداد رأيها ودورها في حسم واحد من أهم أحداث السيرة النبوية التاريخية ألا وهو صلح الحديبية الذي كان انتصاراً للدعوة للإسلامية وأخذ فيه الرسول برأي أم سلمة. ففي هذا الحدث العظيم أمر ﷺ المؤمنين بأن ينحروا هديهم ويحلوا إحرامهم ولكنهم لم يفعلوا، فدخل ﷺ على زوجته أم سلمة بنت بني أمية غاضباً، فقالت: مالك يا رسول الله؟ فلم يرد! فكررتها عدة مرات حتى قال ﷺ: “هلك المسلمون، أمرتهم بأن ينحروا ويحلقوا فلم يفعلوا”، فقالت أم سلمة: يا رسول الله لا تلمهم، فإن الناس قد دخلهم أمر عظيم مما أدخلت على نفسك من المشقة في أمر الصلح ورجوعهم بغير فتح، يا نبي الله أخرج ولا تكلم أحدا منهم وانحر هديك واحلق رأسك، ففعل النبي ﷺ ذلك، وقام المسلمون فنحروا وحلقوا.
الميراث والشهادة
وتعتبر قضية المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق والمناصب والمواريث من القضايا التي لا يتوقف الجدال حولها إلا يبدأ من جديد، فهناك من يريد أن يملأ الدنيا بالأكاذيب عن الإسلام ويحرص على تزييف الحقائق وإثبات أن المرأة مهضومة الحقوق وتعاني من التمييز في ظل الدين الإسلامي الحنيف، ولذلك يتساءل البعض: لماذا يأخذ الرجل ضعف المرأة في الميراث؟ ولماذا شهادة الرجل بشهادة امرأتين؟ أليس هذا تمييزاً للرجل عن المرأة؟
والحقيقة التي لا غبار عليها هي أن من ينظر إلى الإسلام ونصوصه وتاريخه المجيد نظرة موضوعية لن يجد عناء في اكتشاف المكانة العالية التي أعطاها للمرأة، فالإسلام هو الدين الذي جعل المرأة ترث في حين كانت تورث كأي متاع، ولم تكن للمرأة حقوق مصانة ومكانة عالية قبل الإسلام.
وللإجابة على سؤال: لماذا يأخذ الرجل ضعف المرأة في الميراث؟ توقف الشعراوي مع المقصود من قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}، فأكد على حقيقية منطقية مفادها أن المرأة تختلف عن الرجل من ناحية الحقوق المنوط لكل واحد منها، فالرجل يتحمل واجبات عديدة منذ أن يصبح بالغاً راشداً فهو مسؤول عن أمه وإخوته وزوجته، أما المرأة فتعيش حياتها كلها في كنف رجل منذ دخولها إلى عالم الحياة حتى رحيلها إلى عالم الفناء، ولهذا فإن المولى سبحانه وتعالى أعطى “الذكر نصيبين لأنه سيتزوج وسيُعيل أنثى، وأعطى الأنثى نصيباً واحداً لأن غاية ما ستتحمله -وفي أقصى الظروف- هو أن تقيم حياتها أو تنفق على نفسها”.
أما سؤال: لماذا شهادة الرجل بشهادة امرأتين؟ الذي أشارت إليه الآية القرآنية: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}، فقد ذكر الشعراوي أن السبب يعود في ذلك إلى أن كلمة شهادة مأخوذة من مشهد وهذا المشهد يحتاج إلى عين تشهد وكلمة صدق تقال وأمانة نقل، والمرأة بطبيعتها مخلوقة على الستر ممنوعة من مخالطة الرجال، فإذا حدثت مشاجرة في الطريق العام فالغالب أن المرأة لن تسرع إلى الخروج لمعرفة ما يحدث، بل ستبتعد تماماً لأنها مخلوق ضعيف وعاطفي ولا قدرة لها على المنازلة أو المشاجرة أو الاشتباك في الغالب، وهذا الأمر سيمنعها من حضور الكثير من الأحداث وبالتالي جعل شهادة رجل واحد تعادل شهادة امرأتين.
وتوقف الشعراوي بين صفحات كتاب “المرأة في القرآن الكريم” مع موضوع ضرب المرأة الذي جاءت الإشارة إليه في قوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا}، فذهب إلى أن هناك من غابت عنه الحكمة الإلهية في هذه الآية الكريمة، فالله تبارك وتعالى لم يأمر بضرب النساء وإنما أباحه وجعله مرحلة ثالثة بعد الوعظ والتذكير والهجر في الفراش، ثم أكد على أن المجتمعات الإسلامية هي أقل المجتمعات إيذاءً للنساء.
الحجاب والنقاب
جاءت الإشارة إلى حكم الحجاب في أكثر من آية قرآنية، منها قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا}، ومع ذلك لا يزال حجاب المرأة يثير جدلاً بين الناس حتى يومنا هذا، بل إن هناك من يرى أن الحجاب عبارة عن تقييد لحرية المرأة، ولا شك أن هذا الفهم خاطئ وغير بريء، فالله تبارك وتعالى لا يأمر عباده إلا بما فيه مصلحتهم وراحتهم وسعادتهم، ومن سعادة المرأة وأمنها أن تلتزم بما أمرت به من إخفاء للزينة عن الأجانب.
والناظر إلى موضوع الحجاب بشكل موضوع يرى أنه حاجة مجتمعية متجددة، فالعري أمر مرفوض شرعاً وخلقاً وذوقاً ولا يخدم تماسك الأسرة ولا يدعم أمن المرأة، ولهذا فقد ذهب الشعراوي إلى أن الهدف من الحجاب هو “صيانة المجتمع كله من الفتنة وإبقاء للاستقرار والأمن بالنسبة للمرأة حتى لا يخرج زوجها من بيته وهي لا تعلم هل ستفتنه امرأة أخرى فيتزوجها أم أنه سيعود إلى بيته”.
عمل المرأة
وفي محاولة منه لتكييف عمل المرأة والإجابة على سؤال: متى يباح عمل المرأة؟ انطلق الشعراوي من قصة شعيب وموسى عليهما السلام التي تبين لها طبيعة عمل المرأة: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ}، وقال إن هذه الآية تكشف لنا عن الضمانات التي يجب أن تتوفر عندما تضطر المرأة لعمل ضروري، ومنها: خروج الفتاتين معاً لتراقب كل منهما الأخرى، وعدم مزاحمتهما للرجال عند الاضطرار للخروج بل وقفتا بعيداً تمنعان ماشيتهما من السُّقيا حتى ينصرف الرعاة.
ولعل من الفوائد التي نستفيدها من قوله تعالى: {فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} أن المرأة إذا اضطرت للخروج إلى العمل فعلى الرجل “أن يقضي لها مهمتها بسرعة، فهذه هي المهمة الإيمانية التي قام بها موسى عليه السلام” مجاناً رغم حاجته للمال في ذلك الوقت، وهي المهمة الإيمانية للمجتمع الإسلامي في كل زمان ومكان.
في كتاب “المرأة في القرآن الكريم” لم يُخْفِ الشعراوي امتعاضه من عمل المرأة وما يُسببه من مشكلات في عصرنا اليوم تتعدَّى الفرد لتصل إلى المجتمع، فهو يرى أن الأم تتخلى عن أولادها وتخرج للعمل وتتركهم طوال اليوم بلا رعاية ولا عناية، وعندما “تعود للمنزل تصبح جثة هامدة لا تستطيع تحمل أي عمل آخر، وهي إما أن تكون أمًّا وربة بيت أو امرأة عاملة”.
وختم الشعراوي حديثه عن عمل المرأة بملاحظة مهمة تتمثل في أن الزمن أكد وسيظل يؤكد أن المرأة لا يمكنها أن تصبر على العمل بشكل مستمر، فهي تدخل إلى هذا الميدان بحماس الشباب وبعد فترة تطلب إجازة بنصف المرتب، وقد عقدت النساء الأمريكيات مؤتمرات للمطالبة بعودة المرأة إلى بيتها وتربية أولادها بعد أن اكتشفن صعوبة العمل على المرأة وضرره على أولادها.