لم تكن كتب الحديث مصنفة ومبوبة حتى مرت بمرحلة التقييد الفردي – وذلك في العهد النبوي بأيدي بعض الصحابة – ثم مرحلة التدوين الرسمي الذي تولاه أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الأموي، ثم دخل عهد أتباع التابعين وجاءت مرحلة تصنيف وترتيب الأحاديث حسب الكتب والأبواب والفصول والتراجم ونحوها، وكثرت جهود التصنيف في عامة أنحاء الأمصار الإسلامية المعمورة حينها، إلا أن الله تعالى قدر لكتاب الإمام مالك البقاء الكامل كما هو بين يدي الأمة اليوم، ليكون أول كتاب وصلنا مبوبا في تاريخ تدوين السنة النبوية وفي الفقه الإسلامي.
تنظيم كتاب الموطأ ومحتوياته الأساسية
وقد انتظم كتاب الموطأ بين دفتيه خلاصة أصول حديث الأحكام ومهمات الدين وقواعد الإسلام، وعصارة طيبة من فقه أهل المدينة من الصحابة وتابعيهم، ومنهج الاستنباط الصحيح، بدأه بكتاب وقوت الصلاة وختمه بكتاب أسماء النبي ﷺ.
ويقول الإمام عن محتويات الموطأ:” فيه حديث رسول الله صلى الله عيه وسلم وقول الصحابة والتابعين ورأيهم، وقد تكلمت برأيي على الاجتهاد، وعلى ما أدركت عليه أهل العلم ببلدنا ولم أخرج عن جملتهم إلى غيره”[1].
وفي هذا النص إيضاح شامل لما أودعه الإمام مالك في كتابه الموطأ من نفائس العلوم، وهي – بالنظر العام لكلام الإمام – أربعة علوم:
- الحديث المرفوع
- الحديث الموقوف على الصحابي
- آثار التابعين
- اجتهاد الإمام مالك.
تفصيل العلوم السبعة في كتاب الموطأ
وعند التفصيل نجد أن في واقع طيات سطور الكتاب سبعة أشياء من العلم:
أولا: الحديث المرفوع المتصل
بلغ عدد الحديث المسند في الموطأ – كما في إحصائية أبى بكر الأبهري – (600) حديثا، وكله صحيح على التحقيق. وصرح الإمام البخاري إمام الصنعة بأن أصح الأسانيد كلها: مالك، عن نافع، عن ابن عمر. وكان أكثر رواية مالك بهذا الإسناد النظيف.
أمثلة على الحديث المرفوع في الموطأ
مثال ذلك: ما رواه مالك، عن نافع، عن ابن عمر؛ أن رسول الله ﷺ قال: “إذا جاء أحدكم الجمعة، فليغتسل”
وفي الكتاب أيضا من الأسانيد قيل فيها أصح الأسانيد، كرواية الإمام عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة، أو عن عبد الرحمن بن القاسم عن عائشة، أو عن أبى الزناد عن الأعرج عن أبى هريرة. وغير ذلك.
وهذا يعني أن “من اقتصر على حديث مالك رحمه الله فقد كُفِي تعب التفتيش والبحث، ووضع يده من ذلك على عروة وُثقى لا تنفصم؛ لأن مالكاً قد انتقد وانتقىوخلص ولم يرو إلا عن ثقة حجة “[2]
ولهذا تداعت رغبات الرواة إلى تحصيله وروايته ولو بالنزول كما فعل البخاري في بعض الأحيان وغيره، وصار هذا الكنز النفيس الغالي العالي عمدة لجميع كتب الحديث، فامتلأت به كتب السنة المصنفة في الصحيح.
ثانيا: الحديث المنقطع أو المرسل
يدخل في هذا النوع كل حديث لم يتصل سنده، حيث بلغ عدده (222) مرسلا حسب إحصائية أبى بكر الأبهري، ولكن جله قد روي موصولا في خارج الموطأ ومقبولا أيضا إلا أحرف يسيرة، ونبه ابن عبد البر على أن ” موقع مرسلات كتابه – يعني الموطأ – وموضعها من الصحة والاشتهار في النقل”[3].
انتهى بحث الحافظ ابن عبد البر في الموطأ بعد ثلاثين عاما إلى أن “مراسيل مالك أصولها صحاح كلها
ولذا كان مراسيل مالك من أصح المراسيل عند أهل الحديث المتقدمين كيحي بن سعيد وابن مهدي، علاوة على أن غالب إسناد مالك ثنائيات، مع ما عرف عنه من شدة انتقائه للرجال.
وهذا أبو داود يقول:” مراسيل مالك أصح من مراسيل سعيد بن المسيب ومن مراسيل الحسن البصري، ومالك أصح الناس مرسلا [4].
حكم بلاغات ومراسيل الموطأ
وقد تتبع الحافظ ابن عبد البر بلاغات الكتاب ومراسيله ووصلها في كتابه التمهيد إلا أربعة بلاغات أعلن عنها أنه لم يعثر على إسنادها، ثم جاء الحافظ ابن الصلاح واجتهد أن يجد لها إسنادا ولم يظفر بها، إلا بأحاديث مسندة أخرى لا تكاد تسعف تلك البلاغات الأربعة، أوردها في جزء صغير سماه: “وَصل البَلاغاتِ الأَربَعَةِ فِي الْمُوَطَّإِ” وأعلن هو أيضا أن الحديثين منهما لا يصحان لا بلفظهما المذكور ولا بمعناهما، وأن الحديثين الآخرين: لا يصحان باللفظ الوارد في الموطإ، ويصح من معناهما القدر الذي جاء في غيرهما، وعليه، تبقى البلاغات الأربعة غير متصلة.
ولكن انتهى بحث الحافظ ابن عبد البر في الموطأ بعد ثلاثين عاما إلى أن “مراسيل مالك أصولها صحاح كلها”[5].
وبالغ السيوطي فقال:” وما من مرسل في الموطأ إلا وله عاضد أو عواضد، فالصواب إطلاق أن الموطأ صحيح لا يستثنى منه شيء[6] وعلى كل حال، مراسيل الموطأ من أقوى المراسيل في الاعتبار عند أئمة الشأن.
ثالثا: الآثار الموقوفة على الصحابة
عدد الحديث الموقوف في الموطأ ستمائة وثلاثة عشر (613) موقوفا، حسب إحصائية أبى بكر الأبهري، ويقصد به ما قاله الصحابي أو فعله، وقد اهتم الإمام مالك بإيراد الموقوفات لأهميتها من حيث الاقتداء، والتفقه، والفتوى، والقضاء، ولتنويه بمكانة الصحابة رضوان الله عليهم.
أمثلة على الآثار الموقوفة في الموطأ
ومن الحديث الموقوف ما له حكم الرفع، مثل ما رواه مالك، عن نافع، أن عبد الله بن عمر بن الخطاب، كان يقول: إذا فاتتك الركعة فقد فاتتك السجدة.
وما رواه عن أبي حازم بن دينار، عن سهل بن سعد الساعدي، أنه قال: ساعتان تفتح لهما أبواب السماء، وقل داع ترد عليه دعوته: حضرة النداء للصلاة، والصف في سبيل الله.
وهذا من الأمور الغيبيات التي لا يتصور صدوره عن الصحابي إلا عن السماع من النبي ﷺ.
ومنه ما كان على سبيل الاجتهاد والرأي، مثل ما رواه مالك عن نافع؛ أن عبد الله بن عمر كان إذا سئل هل يقرأ أحد خلف الإمام؟
قال: إذا صلى أحدكم خلف الإمام فحسبه قراءة الإمام، وإذا صلى وحده فليقرأ.
وروى عن نافع؛ أن عبد الله بن عمر كان يحلي بناته وجواريه الذهب، ثم لا يخرج من حليهن الزكاة.
وروى عن يونس بن يوسف، عن سعيد بن المسيب؛ أن عمر بن الخطاب، مر بحاطب بن أبي بلتعة، وهو يبيع زبيبا له، بالسوق. فقال له عمر بن الخطاب: إما أن تزيد في السعر، وإما أن ترفع من سوقنا.
وهذه المسائل مما يسوغ فيها الاجتهاد والأحذ والرد، ولا تنهض مستوى حجية الحديث المرفوع.
رابعا: الآثار المقطوعات
قد احتوى كتاب الموطأ على (285) أثرا حسب إحصائية أبى بكر الأبهري، وهي آثار مشاهير علماء التابعين المجتهدين أمثال فقهاء المدينة السبعة، زين الإمام بها الكتاب لما فيها من العلم والهدى، ولما فيها من التفسير وفقه السنة والبيان لكثير من النصوص المجملة، ولأن أصحابها هم ورثة صحابة النبي عليه الصلاة والسلام في العلم والعمل، وأمناء على التراث العلمي الأصيل.
أمثلة على الحديث المقطوع في الموطأ
مثاله: مسألة تأثير الدين في الزكاة، روى مالك، عن يزيد بن خصيفة؛ أنه سأل سليمان بن يسار، عن رجل له مال وعليه دين مثله. أعليه زكاة؟ فقال: لا
ومثل: مسألة قبلة الصائم، قال مالك: قال هشام بن عروة: قال عروة بن الزبير: لم أر القبلة للصائم تدعو إلى خير.
وفي البيوع: روى مالك، عن ربيعة بن عبد الرحمن؛ أن القاسم بن محمد، كان يبيع ثمر حائطه، ويستثني منه.
خامسا: حكاية الإمام مالك لعمل أهل المدينة
الإمام مالك مدني مولدا ونشأة ووفاة، والمدينة هي عاصمة السنة ومنبعها، وفيها مواد حديثية عالية جدا، وثروة علمية خصبة، مجتمع الصحابة والتابعين والأئمة الراشدين، وقد أخصها أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بالذكر دون غيرها من المدن عند تدوين السنة، نظرا لمزيد فضلها وشرفها، وكان إذا راسل الأمصار راسل ليعلّم أهلها، وعندما يراسل أهل المدينة فإنه يطلب منهم السنة النبوية حتى يبعث بها إلى بقية البلدان، تنويها لمكانة أهلها ولمحافظتهم واهتمامهم بالتراث النبوي الأصيل والعض عليه بالنواجذ كابرا عن كابر، حتى تسلسل ذلك تسلسلا مباشرا في أعرافهم وعاداتهم.
عمل أهل المدينة لا يخلو من كونه ينقله في معرض الاحتجاج، أو مرجحا أو مؤكدا به الخبر، أو يقدمه على الخبر الثابت لا سيما إذا كان العمل مستندا إلى الحس النقلي
ومن هنا دخل عملهم في الاعتبار الشرعي وعُد من القرائن المحتج بها في الأدلة الشرعية دون غيرها من المدن، وخاصة تلك الأمور الجلية والمشاهدة كالأذان ومقدار الصاع والمد ونحوها، وهذه الأجواء المدنية التراثية النبوية الصافية هي التى ربت وصبغت مالكا صبغة علمية راسخة، وجعلت له ذات طبيعة منهجية فقهية واضحة، وفق تلك الأصول الأثرية الموروثة، حتى صار إمام دار الهجرة بجدارة بين أهل عصره، – ولم يرتحل لطلب العلم خارج المدينة كعادة العلماء آنذاك إلا في مواسم الحج- وكان ركناً عظيما في الحديث والسنة والفقه يضرب الناس إليه أكباد الإبل يلتمسون العلم والهدي، وكذا أكسبه إجلاله وتوقيره لحديث النبي عليه الصلاة والسلام وسنته وقارا وهيبة ومكانة في النفوس، ومستدعى لنشر علمه ومذهبه.
والقول بحجية عمل أهل المدينة قول قديم ومأثور عن بعض السلف من أهل المدينة، ولم يكن الإمام مالك أول من احتج به أو أصله، وإن كان أكثر من أبان به واشتهر به، وخاصة في كتابه الموطأ، حيث فيه تسعون مسألة احتج فيها الإمام بعمل أهل المدينة، وتنوعت تعبيراته في النقل بين النفي والإثبات أو الفعل والترك، حتى ذكر الشيخ الحسين ألحيان أن الشيخ عطية سالم أحصى تعبيرات الإمام مالك التى يحكى بها عمل أهل المدينة فوجدها تزيد على عشرين عبارة.
والإمام مالك في نقله عمل أهل المدينة لا يخلو من كونه ينقله في معرض الاحتجاج، أو مرجحا أو مؤكدا به الخبر، أو يقدمه على الخبر الثابت لا سيما إذا كان العمل مستندا إلى الحس النقلي.
ولذا قال مالك: إذا كان الأمر بالمدينة ظاهرا معمولا به لم أر لأحد خلافه” [7]
ومن زعم أن مالكا لا يعمل بالحديث الصحيح المخالف لعمل أهل المدينة مطلقا فقد أبعد النجعة وخالف الواقع، بل الظاهر من تصرفات الإمام مالك ومن توظيفه لعمل أهل المدينة عند المسائل أن العمل متفاوت في الرتبة والاعتبار.
وحكى عن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي ـ رضي الله عنه ـ: إذا وجدت متقدمي أهل المدينة على شيىء، فلا يدخل قلبك شك أنه الحق، وكلما جاءك شيىء غير ذلك، فلا تلتفت إليه، ولا تعبأ به[8].
وفي لفظ آخر: إذا رأيت أوائل أهل المدينة على شيىء فلا تشكن أنه الحق، والله إني لك ناصح والقرآن لك ناصح. وإذا رأيت قول سعيد بن المسيب في حكم أو سنة، فلا تعدل عنه إلى غيره.[9] لقرب العهد من مصدر التلقي النبوي الصافي.
فيجب على من رام تحقيق المسألة تحقيقا علمية دقيقة أن يراجع التفصيل الذي ذكره القاضي عبد الوهاب وأبي العباس ابن تيمية وغيرهما من أهل التحقيق في كتبهم، حيث خلصوا إلى أن من عمل أهل المدينة ما جرى مجرى النقل والإجماع، ومنه ما هو قريب من ذلك، ومنه ما يعتبر به عند ترجيح بين الأدلة ومنه دون ذلك.
سادسا: شرح الإمام مالك لغريب الألفاظ
إذا كان كتاب الموطأ يعد أول تصنيف حديثي وصلنا فلا مانع أن يكون أول كتاب اعتنى بشرح بعض غريب ألفاظ الحديث أو شرح الكلمات الغامضة، وإن كان الاعتناء بهذا الجانب ليس كبيرا.
أمثلة على شرح غريب مفردات الموطأ
ومن المواضع التي تعقب فيها الإمام بعض الحديث بالتوضيح:
- حديث:” لعن رسول الله ﷺ المختفي والمختفية”. قال مالك: يعني نباش القبور.
- حديث ” ونهيتكم عن زيارة القبور، فزوروها. ولا تقولوا هجرا». قال مالك: يعني لا تقولوا سوءا
- حديث:” أن ابن محيصة الأنصاري استأذن رسول الله ﷺ في إجارة الحجام، فنهاه عنها. فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى قال: «اعلفه نضاحك». قال مالك: يعني رقيقك
- أثر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب:” لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة” قال مالك: إنما يعني بذلك أصحاب المواشي، ثم قال: وتفسير لا يجمع بين متفرق أنه يكون النفر الثلاثة الذين يكون لكل واحد منهم أربعون شاة، وقد وجبت على كل واحد منهم في غنمه الصدقة. فإذا أظلهم المصدق جمعوها، لئلا يكون عليهم فيها إلا شاة واحدة. فنهوا عن ذلك.
وتفسير قوله: «ولا يفرق بين مجتمع» أن الخليطين يكون لكل واحد منهما مائة شاة وشاة، فيكون عليهما فيها ثلاث شياه. فإذا أظلهما المصدق، فرقا غنمهما. فلم يكن على كل واحد منهما إلا شاة واحدة. فنهي عن ذلك. فقيل: لا يجمع بين متفرق، ولا يفرق بين مجتمع. خشية الصدقة.
وهذا المنحى الذي أبداه الإمام في الشرح والتوضيح؛ هو الذي سار عليه جل شراح الحديث فيما بعد، ويعد منهجا سليما رصينا في تقريب المعاني والتفقه.
سابعا: آراء الإمام مالك الفقهية
لا يكاد يستقل الإمام مالك بقول في الموطأ أو برأي لم يسبق إليه، وإنما كان يرجح ويختار ويعتمد على أقوال سلف الأمة، وجل استنباطاته وأقواله الفقهية أساسها ومستنداتها من قضايا عمر وأقاويل ابنه عبد الله بن عمر وعائشة وغيرهم من الصحابة، وكذا من قضايا التابعين وأقاويلهم لا سيما الفقهاء السبعة وغيرهم، وتراه كثيرا يردد هذه العبارة ونظائرها ” وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك” عند تحريره للمسائل إشعارا بأن العهدة على من سبقه.
أمثلة على آراء الإمام مالك الفقهية
ومن أمثلة ذلك أنه:
- سئل سعيد بن المسيب عمن غلبه الدم من رعاف فلم ينقطع عنه؟ فقال: أرى أن يومئ برأسه إيماء. فقال مالك:” وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك”
- قال مالك: من أوتر أول الليل، ثم نام، ثم قام، فبدا له أن يصلي فليصل، مثنى مثنى. فهو أحب ما سمعت إلي
- سئل مالك عن الرجل يضطر إلى الميتة. أيأكل منها، وهو يجد ثمرا لقوم، أو زرعا، أو غنما بمكانه ذلك؟
قال مالك: إن ظن أن أهل ذلك الثمر، أو الزرع، أو الغنم، يصدقونه بضرورته، حتى لا يعد سارقا؛ فتقطع يده. رأيت أن يأكل من أي ذلك وجد، ما يرد جوعه، ولا يحمل منه شيئا. وذلك أحب إلي من أن يأكل الميتة.
وإن هو خشي أن لا يصدقوه، وأن يعدوه سارقا؛ بما أصاب من ذلك، فإن أكل الميتة خير له عندي، وله في أكل الميتة على هذا الوجه سعة. مع أني أخاف أن يعدو عاد ممن لم يضطر إلى الميتة؛ يريد استجازة أخذ أموال الناس، وزروعهم، وثمارهم بذلك.
ثم قال رحمه الله:” وهذا أحسن ما سمعت“. وهذا يدل على اختياره لأحسن ما سمع في المسألة وأنه ترك بقية الأقوال.
يستخلص مما تقدم أن كتاب الموطأ وعاء فقه أهل المدينة العملي التطبيقي، الحاوي للحديث النبوي وعلم الصحابة والتابعين وتلاميذهم، وأصل أصيل للمذهب المالكي وباكورة انطلاق المذهب.
يقول أبو العباس ابن تيمية:” فلا ريب عند أحد أن مالكا – رضي الله عنه – أقوم الناس بمذهب أهل المدينة رواية ورأيا؛ فإنه لم يكن في عصره ولا بعده أقوم بذلك منه كان له من المكانة عند أهل الإسلام – الخاص منهم والعام – ما لا يخفى على من له بالعلم أدنى إلمام”[10]
وقال الإمام الدهلوي:” وعلم …أن الكتب المصنفة في السنن كصحيح مسلم، وسنن أبي داود، والنسائي، وما يتعلق بالفقه من صحيح البخاري وجامع الترمذي مستخرجات على الموطأ تحوم حومه وتروم رومه، مطمح نظرهم فيها وصل ما أرسله ورفع ما أوقفه، واستدارك ما فاته وذكر المتابعات والشواهد لما أسنده، وإحاطة جوانب الكلام بذكر ما روى خلافه……وبالجملة فلا يمكن تحقيق الحق في هذا ولا ذاك إلا بالإكباب على هذا الكتاب[11]