قبل الإجابة على سؤال : كيف أجعل ولدي سليم الصدر ؟ لنتعلم هذا الحديث. روى ابن ماجه في سننه عن عبدالله بن عمرو قال: قيل لرسول الله ﷺ: أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب، صدوق اللسان، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه، ولا بغي، ولا غل، ولا حسد.
إن القلب السليم هو الذي سلِم من الشرك، والغل والحقد والحسد، والشح وحب الدنيا، فسلم من كل آفة تُبْعده عن الله، وسلم من كل شبهة تعارض خبر الله، ومن كل شهوة تعارض أمر الله، وسلم من كل إرادة تزاحم مراد الله، وسلم من كل قاطع يقطع عن الله.
يقول سليم: رزقني الله زوجة ذات قلب طيب وكبير، أعترف أني آذيتها كثيرًا، كنت أعاملها بقسوة، وأخاطبها بلسان بذيء، لكن ذلك القلب الكبير كان سليم الصدر، متسامحًا وعطوفًا، مما جعلني أتغير كثيرًا في تصرفاتي وأعمالي، أعترف أنها سبب في هدايتي، كل ذلك بسبب سلامة صدرها.
وتقول لميس: كنت أتعرض للإهانة من أخوات زوجي؛ بسبب جمالي وشهادتي الجامعية، وكنت في كل مرة أتجاوز عن أخطائهن؛ حتى لا أخسر زوجي وبيتي وأولادي، مما جعلني أبتعد عنهن، تحاشيًا للمشاكل، ويعلم الله أني أدعو لهن بالهداية في صلواتي.
أيها الآباء، وأيتها الأمهات، إن سلامة الصدر نعمة من النعم التي تُوهَب لأهل الجنة، حينما يدخلونها؛ قال الله تعالى: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ } [الحجر: 47]، فأهل الجنة لا اختلاف بينهم، ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد، يسبِّحون الله بكرة وعشيًّا؛ لذا كان لزامًا علينا تعليم أولادنا سلامةَ الصدر؛ حتى يعيشوا في بُحْبُوحة من أمرهم، وفي سلامة وعافية، فإن سلامة صدر المسلم لأخيه من أعظم الأسباب لتحقيق ذلك؛ عن زيد بن أسلم، أنه دخل على ابن أبي دجانة، وهو مريض، وكان وجهه يتهلل، فقال له: ما لك يتهلل وجهك؟ قال: “ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين: أما أحدهما، فكنت لا أتكلم بما لا يعنيني، وأما الأخرى: فكان قلبي للمسلمين سليمًا”؛ [رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى].
أيها الآباء، وأيتها الأمهات، حتى نُخْرِج جيلًا سليم الصدر؛ علينا الآتي:
- أن نعلمهم أن سلامة الصدر سبيلٌ لدخول الجنة، فهي صفة من صفات أهلها؛ قال تعالى: { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء: 88، 89].
- أن نعلمهم أن سلامة الصدر تُزِيل العيوب، وتقطع أسباب الذنوب، فمن سلِم صدره، وطهر قلبه عن الإرادات الفاسدة، والظنون السيئة، عفَّ لسانه وجوارحه عن كل قبيح.
- أن نذكِّرَهم أن الشيطان حريص على إيغار الصدور، وإفساد القلوب؛ لذا عليهم الابتعاد عنه؛ قال تعالى: { وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا } [الإسراء: 53].
- أن نحثهم على الإقبال على كتاب الله تعالى قراءةً وتعلمًا وتعليمًا؛ فهو شفاء لِما في الصدور؛ كما قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ } [يونس: 57].
- أن نعلِّمَهم الدعاء؛ فهو العلاج الناجع، والدواء النافع، فيدعو العبد مولاه أن يجعل قلبه سليمًا من الضغائن والأحقاد على إخوانه المؤمنين؛ قال الله تعالى: { وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } [الحشر: 10].
أيها الآباء، وأيتها الأمهات، علينا أن نؤكد لأولادنا ألَّا تكون قلوبهم سوداءَ، ولا مستودعًا للهموم والأحزان والأمراض، علينا أن نعلمهم أن يعيشوا سعداء بين الناس، وأن تكون قلوبهم واسعة ورحيمة، وأن تكون مليئة بالصفح، والعفو، وكظم الغيظ، والرضا بما قسمه الله لهم من رزق وبركة، ومال ووقت وعافية.
أسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يصلح لنا صدورنا وصدور أولادنا، هذا، وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد.