كل والد يرجو أن يكون أولاده قرة أعين له في الدنيا والآخرة، وذلك من شيم الصالحين، كما قال ربنا سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } [الفرقان: 74].
وحتى يكون الولد قرة عين لوالده، هناك وسائل عدة يجب على الإنسان أن يتبعها، وآداب يجب مراعاتها، وحق يجب أداؤه، ومن ذلك ما يلي:
1- حب الولد : وحب الوالد لولده فطرة فطر الإنسان عليها، وقد كان النبي ﷺ يحب الحسن والحسين – رضي الله عنهما- حبا جما.
وكان عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يبالغ في حب ولده سالم حتى لامه الناس فيه فقال: يلومونني في سالم وألومهم … وجلدة بين العين والأنف سالم.
2- التأديب : فكثير من الناس تصور في زماننا أن واجبه تجاه ولده أن يسعى ليطعم جوعته، ويكسو عورته، ويأتي له بكل ما يشتهي، فإذا به بعيدا كل البعد عن أدبه وتربيته، لأنه اهتم بجسده دون روحه، وظن أنه قد أدى ما أوجبه الله عليه تجاه ولده، بل ينبغي للوالد أن لا يسهو عن تأديب ولده ويحسن عنده الحسن ويقبح عنده القبيح ويحثه على المكارم وعلى تعلم العلم والأدب ويضربه على ذلك.وقد قال النبي (حق الولد على والده أن يحسن اسمه ويحسن موضعه ويحسن أدبه”. وقال عليه الصلاة والسلام: “أكرموا أولادكم وأحسنوا آدابهم”.
فليس أفضل من هدية يهبها الإنسان لولده من الأدب والعمل الصالح، كما ورد عن النبي ﷺ: “ما نحل والد ولده أفضل من عمل صالح“..
وقالت الحكماء: من أدب ولده صغيراً سره كبيراً.
وقال آخر:
لا تسه عن أدب الصغير … وإن شكا ألم التعب
ودع الكبير لشأنه … كبر الكبير عن الأدب
3 – مشاركته في صباه : فبعض الآباء يجعل بينه وبين ولده حاجزا، فيحرم الولد من الحنان والمشاركة، بل الواجب على الوالد أن يتصابى لولده، فيفكر بعقله، ويشاركه لعبه، وقد كان النبي ﷺ يجعل نفسه فرسا للحسن والحسين يركبان على ظهره ﷺ، وفي الحديث: “من كان له صبي فليستصب له”. وقال أبو حيان التوحيدي رحمه الله: يجب على الرجل أن يستقبل عمره بولده ليستمتع كل منهما بصاحبه، وأن يمهد له المعيشة، وأن يختار أمه واسمه ويختنه ويؤدبه ولا يستأثر دونه، وأن يختار له زوجة صالحة ومعيشة جميلة كافية، وأن يكفيه العار وسوء الحديث.
4 – النفقة عليه بلا إفراط ولا تفريط : وقد جاء في الحديث:” وخير دينار تنفقه على أهلك”، والنفقة لابد فيها من سياسة، فلا يحرم الوالد ولده فينشأ محروما، ويتربى على البخل والشح، وينظر إلى ما في أيدي زملائه، فيصاب بأمراض نفسية قد تدفعه إلى التطلع لما في يدي غيره، وهو أمر ملاحظ عند بعض الأبناء ممن يحرمهم آباؤهم النفقة الكافية لهم، وفي ذات الوقت لا يعطي ولده ما يفسده، بل يعطيه ما يحتاجه، ويعلمه كيف ينفق المال، كما يعوده على النفقة ويعلمه الصدقة على الفقراء والمساكين، حتى ينشأ الولد سويا في النفقة. قال الزمخشري: من حق الولد على والده أن يوسع عليه ماله كيلا يفسق.
5 – أن يكون الوالد قدوة صالحة لولده : فليس من الحكمة أن يقوم الوالد بواجب النصيحة لولده وهو يحتاج من ينصحه، فإنه كما قيل: فعل رجل في ألف رجل خير من قول ألف رجل في رجل. فلابد أن يقدم الوالد القدوة الحسنة لولده، فإن أمره بالصلاة كان أول من حافظ عليها، وإن أمره بالامتناع عن التدخين فليكن أول من يمتنع، وإن أمره بالاجتهاد في دراسته فليكن أول المجتهدين في عمله، فالتربية بالقدوة من أهم وسائل التربية الناجحة.
6 – توازن التربية : ومن وسائل التربية الناجحة أن يوازن الوالد في مجالات التربية، فلا يهتم بجانب العبادات دون السلوكيات، ولا جانب الدين دون جانب الدنيا، فكما يهتم بصلاته فليهتم باحتياجاته وترفيهه، وأن يحببه فيما يريد أن يعلمه إياه دون إكراه، فإن زمان الأبناء غير زمان الآباء، وقد وصى عمرو بن عتبة مؤدب ولده قائلا: يا أبا عبد الصمد ليكن أول إصلاحك بني إصلاحك نفسك فإن عيوبهم معقودة بعيبك، فالحسن عندهم ما فعلت، والقبح ما تركت، علمهم كتاب الله ولا تملهم منه فيكرهوه، ولا تدعهم منه فيهجروه، روهم من الشعر أعفه، ومن الكلام أشرفه، ولا تخرجهم من علم إلى علم حتى يحكموه، فإن ازدحام الكلام في السمع مضلة للفهم، تهددهم بي، وأدبهم دوني، وكن كالطبيب الذي لا يعجل بالدواء قبل معرفة الداء، وجنبهم محادثة النساء، وروهم سير الحكماء، ولا تتكل على عذر مني، فقد اتكلت على كفاية منك، واستزدني بزيادة منهم أزدك.
وقال عبد الملك للشعبي حين أخذه بتعليم ولده: علمهم الصدق كما تعلمهم القرآن، وجنبهم السفلة فإنهم أسوأ الناس رعة وأقلهم أدباً وعلماً، وجنبهم الحشم فإنهم لهم مفسدة، وأحف شعورهم تغلظ رقابهم، وأطعمهم اللحم تصح عقولهم، وتشتد قلوبهم، وصقل رؤوسهم وعلمهم الشعر يمجدوا وينجدوا، ..، فإذا احتجت إلى أن تتناولهم بأدب فليكن ذلك في ستر لا يعلم به أحد من الغاشية فيهونوا عليهم.
7 – المساواة بين الأبناء : فحتى يكون الأبناء قرة عين للوالد عليه أن يسوي بين أبنائه، فعن النعمان بن بشير قال: نحلني أبي نحلاً فقالت أمي: أشهد رسول الله، فأتى النبي فقال: “أكل ولدك أعطيت مثل هذا” قال: لا، قال: “اعدلوا بين أولادكم”.
وعلى الوالد أن يراعي صاحب الأعذار، فيراعي الصغير والمريض منهم. قيل لأعرابي أي أولادك أحب إليك؟ فقال: صغيرهم حتى يكبر، ومريضهم حتى يصح، وغائبهم حتى يقدم.
8- أن يعمله الصلاح التقوى : فلا من سبيل إلى أن يكون الولد قرة عين أبيه من تعلميه طاعة الله تعالى الذي أوجب بر الوالدين، فالولد الذي ينشأ على طاعة الله تعالى يكون قرة عين لوالده عند الكبر، إذ هو يتذكر دائما قوله تعالى: {قَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} [الإسراء: 23، 24]،
وليكن تعليم الوالد لولده التدين تدينا حقيقيا لا ظاهريا، يشمل التوحيد ومراقبة الله تعالى والعبادات والأخلاق والسلوكيات، ومراعاة الحلال والحرام، فذلك هو الزرع الطيب والشجرة الزكية التي تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، فيكون الولد قرة عين لوالده في الحياة بالبر وبعد الممات بالدعاء لهما والترحم عليهما، ووصلهما في حياتهما وبعد مماتهما.
وبالجملة فإن صلاح الأبناء بدايته صلاح الآباء، مع حسن صحبة، ورعاية وتربية على تقوى الله تعالى ومراقبته، وأن تكون التربية وسطا بين اللين والشدة، تغلفها الحب والحرص..