زعم بعض علماء اللغة أنَّ (علم) تأتي بمعنى (عرف) في قوله تعالى: (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) (1) ، فيقولون: ” إنما هو لا تعرفونهم الله يعرفهم”(2).

وكذلك في قوله تعالى: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) (3).
وقد ألجأهم إلى ذلك التركيب النحوي من حيث اقتصار (علم) هنا على مفعول واحد دون اثنين .
والذي يظهر لي أن المعنى مختلف تماماً بين (علم) و (عرف).
فقد فرق كثير من العلماء بين (علم) و (عرف)، (فعلمت زيداً) ليس كـ (عرفتُ زيداً)، فالأول إدراك ذات الشيء بمعرفة صفته أو حكمه وبالكليات، في حين أن المعرفة تكون بالجزئيات وتمييز الذوات(4).
والبيان القرآني دقيق في الاستعمال؛ لذ قال تعالى (وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ) (5)، أي: لا تعلمون اتصافهم بهذه الخصلة وهي عداوتهم لكم مع أنهم قد يكونون بينكم ، فلم يُرد من (علم) هنا تمييز الذوات وإنما الوقوف على الخصال والصفات.

وكذلك الحال في قوله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) (6)، فليس معناه (عرفتم) ” لأنهم لا يعرفون ذواتهم وأعيانهم وبينهم القرون المتطاولة، ولكن معناه أنكم عرفتم أمرهم وحالهم وفرق بين المعنيين” (7).


1- الانفال 60

2- المقتضب 3/189.

3- البقرة 65

4- ينظر: حاشية الخضري 1/153 ، وحاشية الصبان 2/23 ، ومعاني النحو 2/8 ، ودقائق الفروق اللغوية في البيان القرآني 190.

5- الانفال 60

6- البقرة 65

7- معاني النحو 2/9.