نربّي أطفالنا على ما نتصوره حول مفهوم التفوق ونظل نقول لهم “لا تجعل أحدًا يسبقك” ، ونطلب منهم “أن يكون الأول”، وإذا انخفضت درجاته الدراسية عن الدرجة النهائية وجهَّنا إليهم أصابع اللوم، وأحيانا نشعرهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة أنهم وقعوا في ” فشل”، يكون ذلك في السنة الأولى أو في الخطوات الأولى له في عالم المدرسة، وتصبح الحياة بالنسبة لنا وله هي الدراسة، ونهمل هواياته وقدراته الأخرى.
يكتسب الطفل هذا المفهوم للتفوق ويغفل عن بقية معاني التفوق، وحتى التفوق الدراسي ينحصر لديه في الحصول على المركز الأول وفي الحصول على الدرجات القصوى، ونسعد عندما يكتسب الأطفال هذه الصورة ونفخر بهم، ولكن البعض يجدون أن هذه الصورة الفريدة للتفوق قد تخلق مشكلة جديدة لدى الطفل.
والحل بسيط ولكنه يحتاج إلى وقت.. يحتاج إلى تعديل مفهوم التفوق لدى الطالب أو الطالبة بصورة عملية حقيقية، بحيث نشجع على ممارسة الهوايات، وعلى إظهار المواهب في المجالات المختلفة، ونقوم بتشجيع النجاح في هذه المجالات بنفس درجة تشجيعنا على التفوق الدراسي، بحيث يكون الاتساع في المفهوم ليس كلامًا نظريًّا فقط، ولكن واقعًا ملموسا.
من المهم التذكير بأمرين هامين يلزم الانتباه لهما خلال رحلة تربية الأبناء :
الأول: أن من معوقات سير العملية التربوية في مسارها الصحيح والحفاظ على مميزات الأبناء، الضغط عليهم ومطالبتهم بتحقيق إنجازات أكبر من قدراتهم الحقيقية أو تخالف قدراتهم وسماتهم الشخصية من أجل تحقيق طموحنا المفرط –في بعض الأحيان-كآباء بالنسبة لأولادنا خاصة؛ إذ أخذ شكل التربية المتسلطة التي لا تقيم وزنًا لميول الطفل أو لا تحترم مبادرته الشخصية، والأخطر أن يكون الدافع لذلك اهتمامنا بآراء الغير، لما لذلك من خطر في المستقبل على شخصية الأولاد؛ إذ يجعلهم ينشؤون وقد تعوّدوا على الخجل، وعدم الثقة بالنفس، وعدم القدرة على الإحساس بهويتهم الخاصة، منقادين إلى توجيهات الآخرين وقراراتهم، وهم في الخارج خدومون جدًّا ومطيعون، ولكنهم يَحْيَون داخليًّا في عالم من الفراغ وعدم التوافق مع أنفسهم ومع الغير.
الثاني: أن لكل طفل إمكاناته الخاصة به المميزة له عن غيره، وهي حكمة الله التي تأبى إلا تنوّع الناس في مهاراتهم وقدراتهم؛ ليظلوا محتاجين بعضهم لبعض.
يجب أن يكون محور التركيز الأساسي على اكتشاف القدرات الحقيقية والمواهب المميزة لكل طفل أو طفلة، والعمل على تنميتها ورعايتها باستمرار، وذلك عن طريق تعريضها لمثيرات بيئية تظهر الكوامن المدفونة بداخلها بتوفير الصلصال، وأوراق الرسم، ولعب الحل والتركيب، وكتيّبات التلوين…الخ، وعن طريق مراقبتها أثناء اللعب، ومن خلال طريقة التعامل مع هذه الأدوات، وفهم كيفية عملها، والاستجابة لما يواجهه الطفل من مشكلات، وكذلك الطرق المتبعة (طرق سوية أو غير سوية، تقليدية أم فيها إبداع وتميز ستمكن من اكتشاف مواهبها وقدراتها، وهذا هو أساس العملية التربوية) ومن الممكن القيام بعدة اختبارات ترعاها جهات تربوية متخصصة لاستكشاف جميع المواهب والقدرات ، ومن ثم العمل على تنميتها وليس مجرد التركيز فقط على التحصيل والتفوق الدراسي بالرغم من أهميته؛ لأن الرعاية المتكاملة تعني نموًّا متوازنًا وكاملاً لشخصية الطفل، ومن ضمنها النمو العقلي الذي يفيد في الحفاظ على استمرار التفوق العلمي والعقلي، بالإضافة إلى الحرص على عمل الآتي:
1 -الإشباع العاطفي للطفل بإحاطته بالرعاية والحب، ومراعاة أنه في هذه السن المبكرة متمركز حول ذاته، يعشق التفات الآخرين له، ويطلب من الآخرين دائمًا أن يحبوه لذاته.
2 -متابعة الأداء الدراسي والتحصيل، والوقوف على مناطق الخلل ومعالجتها، فقد توصلت الدراسات في السنوات الأخيرة إلى أن “الاستغراق” ومشاركة الوالدين لابنهما لها التأثير الأكبر على نجاحه في المدرسة، ويسبقان في الأهمية المدرسين أو مستوى الدراسة؛ وذلك عن طريق:
أ – التعاون المستمر مع المدرسة والإخصائية الاجتماعية – على الأخص-؛ لإزالة أي معوقات للنضج الاجتماعي أو عملية التنشئة الاجتماعية.
ب – تنويع مظاهر النشاط داخل المدرسة وخارجها، والتركيز على اللعب الهادف، فالتعليم من خلال لعبة أو مسرحية أو مزاولة عملية أقوى بكثير من التعلم بالتلقين والحفظ، بل وأكثر ثباتًا وإفادة للذات.
جـ- العمل على تزويد الطفل بالمعلومات المفيدة عن البيئة المحيطة والكون من خلال مشاهدات عملية: مثل القيام برحلات لحديقة الحيوان، أو متحف العلوم.. أو الأماكن التاريخية.. ومتابعة برامج الكمبيوتر، ودوائر المعارف الخاصة بالأطفال.