متى يكون الرجل مباركا في بيته ونفسه وماله وأهله وأسرته وزوجته وفي أعماله؟
البركة هي الزيادة والنماء وكثرة الخير، والبركة كلها من الله، وكل ما نسب إليه مبارك، فكلامه مبارك، ورسوله مبارك، وعبده المؤمن النافع لخلقه مبارك، وبيته الحرام مبارك، وقد يجعل الله بعض خلقه مباركا، فيكثر خيره، ويعظم أثره، وتتصل أسباب الخير فيه، وينتفع الناس منه؛ كما قال تعالى على لسان عيسى عليه السلام: { وجعلني مباركا أين ما كنت } [مريم: 31].
إن البركة هبة من الله فوق الأسباب المادية التي يتعاطاها البشر، وإذا بارك الله في العمر، أطاله على طاعته، أو جمع فيه الخير الكثير، وإذا بارك الله في الصحة، حفظها لصاحبها، وإذا بارك في المال، نماه وكثره، وأصلحه وثمره، ووفق صاحبه لصرفه في أمور الخير وأبواب الطاعة، وإذا بارك الله في الأولاد، رزق برهم وهداهم وأصلحهم، وإذا بارك الله في الزوجة، أقر بها عين زوجها؛ إن نظر إليها سرته، وإن غاب عنها حفظته.
قال ابن القيم رحمه الله: “وكل شيء لا يكون لله فبركته منزوعة؛ فإن الله تعالى هو الذي تبارك وحده، والبركة كلها منه”.
الرجل مباركا في بيته وأسرته
والسؤال هنا: متى يكون الرجل مباركا في نفسه وماله وأهله وأسرته وزوجته وفي أعماله؟ سؤال يبحث عن جوابه كثير من الرجال والنساء والأولاد؟
إن القارئ لسير الصالحين يرى البركة في حياتهم وأعمالهم وأسرهم، فكم رأى الناس من بركة الله في الأوقات والأقوال، والأعمال والأشخاص، فيكثر القليل، ويعم النفع، ويتصل الخير، وتتم الكفاية، ويعلو الرضا، وتطيب النفوس.
كانت خلافة أبي بكر رضي الله عنه سنتين وأشهرا، ومع ذلك حقق فيها ما يحتاج إلى عقود، وهذا الإمام النووي رحمه الله ترك لنا إرثا من العلم والكتب ما تنقضي دونه الأعمار، ويعجز عنه كثير من الرجال، وليس ذلك إلا إعانة من الله، وبركة جعلها في أوقاته وفي آثاره.
وحتى يكون الرجل مباركا في بيته وأسرته عليه بإكرام أهله وحسن معاشرتهم ومعاملتهم بالمعروف، والرفق والإحسان بهم؛ قال عليه الصلاة والسلام: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)).
ومن بركة الرجل في بيته حثهم على طاعة الله وتعليمهم شرعه وسنة نبيه ﷺ؛ قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6].
وتزداد بركته عندما يغض الطرف عن بعض أخطاء بيته، ما لم يكن فيه إخلال بشرع الله، وهذا يكون من خلال الموازنة بين حسناتهم وسيئاتهم، فإن رأى منهم ما يكره؛ فليتذكر ما يرى منهم ما يعجبه ويحبه، وإلى هذا يشير النبي ﷺ بقوله: ((لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا، رضي منها خلقا آخر)).
ومن البركة أن يجلس مع أهل بيته يحدثهم ويحدثونه ويستمع إليهم بحب وشوق، فهذا النبي ﷺ كان يجلس مستمعا إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عندما كانت تقص عليه حديث النسوة اللاتي جلسن وتعاقدن على ألا يكتمن من خبر أزواجهن شيئا – وهو حديث أم زرع المعروف – وهو حديث طويل، ومع ذلك لم يمل رسول الله ﷺ من عائشة وهي تحدثه؛ والحديث عند البخاري ومسلم.
ومن البركة اللعب واللهو، والسفر والتلطف معهم، وليكن لنا في رسول الله ﷺ الأسوة الحسنة في ذلك؛ فقد حدثت السيدة عائشة أم المؤمنين، قالت: ((كنت ألعب بالبنات عند النبي ﷺ، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله ﷺ إذا دخل ينقمعن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي)).
ومن البركة حسن الظن والثقة بهم مالم ير سوءا واضحا يتطلب فيه التدخل والعلاج، فإن سوء الظن يبعث على الحقد والضغينة والهجر بين أفراد الأسرة، والعاقل لا يسلم نفسه وسمعه لأقوال السوء في أسرته؛ تطبيقا لقوله تعالى: { لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا } [النور: 12].
وقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا } [الحجرات: 12].
ومن البركة النفقة والكسوة والسكن بالمعروف، وهذه النفقة واجبة على الزوج بالكتاب والسنة والإجماع؛ قال تعالى: { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا } [الطلاق: 7].
ومن البركة أن يكون كريما بعواطفه وأخلاقه ونبله، وليس فقط في ماله، فالزوجة تحب الرجل الذي يحترمها أمام أهله وأهلها، يحترمها في البيت أمام أولادها، يحترم آراءها، وأفكارها، لا يسخر من طموحاتها أو حماستها.
والرجل المبارك من يتطلع دوما إلى تحسين وضعه المادي والتعليمي على ألا ينسيه طموحه زوجته وأولاده، فلا يعلو وحيدا ويتركهم بعيدا عنه، بل يأخذهم معه في علوه، ليتقدموا معا نحو الأفضل، يدفعهم هدف مشترك يودون الوصول إليه معا.
ومن البركة الابتعاد عن سرعة الغضب، فالرجل المبارك يستوعب زوجته وأولاده ويتفهم طبيعتهم، ينقب عن مواطن الدفء والعاطفة داخلهم، يتأنى في التعامل مع المشكلات التي تواجهه معهم، فكم من البيوت تهدمت ووصلت إلى طريق مسدود بسبب عصبية الرجل!
وفي الختام … لنتذكر معيار خيرية الرجال التي وضعها ﷺ في حسن عشرة الزوجات: ((خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)).
أسأل الله العظيم أن يديم علينا وعلى زوجاتنا وأولادنا وأهلنا الخير والبركة، ويصرف عنا جميعا الحقد والبغضاء وسوء الأخلاق.