وصل الإسلامُ إلى الغرب الإفريقي القرن الخامس الهجري نتيجة تواصل سكان المغرب: عربا وبربرا وأمازيغ بالصحراء الإفريقي لأغراض تجارية. ومن هناك انتشر الإسلام إلى باقي أنحاء القارة، بجانب مفرزات هجرة الحبشة، وفتح قيروان. ولدى الحديث عن مدن غرب إفريقيا التي ارتبطت بالإسلام نقف على: “جني” و”تُمبكتو”، و”غاوُ”، وجميعها تتحدث لغة واحدة وهي لغة صنغاي، ومشتركة في ثقافات وأعراف واحدة، وفيها معالم حضارية. وكونت المنطقة بحكم اجتماعها أعراقا بشرية جديدة دأب سنة الله في الكون. يحاول هذا المقال التعريف بمدينة تنبكتو وإبراز دورها الحضاري والثقافي من مصادر الفكر العربي الإسلامي.

تمبكتو مدينة إفريقية عالمية المواطنة

هي بضمّ فسكونٍ ثمّ باء موحَّدة مضمومة وكاف ساكنة ، وهي مدينة في أَقصى المغرِب. فمن اعتمد على هذا جعل المنطقة عربية تابعة للمغرب، والأمر على خلاف ذلك، وإن كان بعض المغاربة قدموا إليها وسكنوها. يذكر ابن بطوطة عنها “وضبط اسمها بضم التاء المعلوة وسكون النون وضم الباء الموحدة وسكون الكاف وضم التاء المعلوة الثانية وواو” وبينها وبين النيل أربعة أميال. وأكثر سكانها مسوفة أهل اللثام. وذلك بحكم المكان فهي منطقة صحراوية، وبحكم الترد التجاري فيها.

أسس السودانيون الذين أسلموا سلطنات إسلامية واسعة مثل: مالي، وسنغي، وبرنو، والكانم، وإمارات الهوسا في شمال نيجيريا

تعرف تمبكتو بأنها مدينة إسلامية النشأة، تقع في غرب إفريقيا حيث أُسست في القرن الخامس الهجري، يقول عنها عبد الرحمن السعدي: “مسقط رأسي وبغية نفسي، ما دنستها عبادة أوثان ولا سجد على أديمها قط لغير الرحمن، مأوى العلماء والعابدين، ومألف الأولياء والزاهدين، وملتقى الفلك والسيار. وما نشأ على الإسلام لا على العرقية والقبلية لا شك أنها عالمية ومن هنا: “سكن فيها الأخيار من العلماء والصالحين وذوي الأموال من كل قبيلة ومن كل بلد من أهل مصر ووجل وفزان وغدامس وتوات ودرعة وتفلالت وفاس وسوس وبيط إلى غير ذلك” إضافة إلى تواجد أهلها الماليين قبل هذا التوافد!

تعرّضت تمبكتو للهجوم بسبب موقعها، وتغيرت القوى المسيطرة عليها مرات عديدة؛ فقد سيطرت عليها إمبراطورية مالي (بحكم موقعها الجغرافي والمركزي)، وإمبراطورية صنغي (بحكم العرق واللغة)، وحكمها البدو الوافدون (بحكم الموقع والتجارة) وبعد ذلك فرنسا عام 1893 حتى عام 1960م. وهي الآن تابعة لمالي مثل غاو وجني.

إسهاماتها الحضارية والعلمية

قال الأستاذ أحمد محمد عطية متحدثا عن الممالك الإفريقية وحضاراتها. “فبينما كانت أوروبا تعج بالبرابرة كانت أفريقيا تزخر بالحضارة الأفريقية من “تمبكتو” إلى “باماكو” إلى شاطئ المحيط، وكان العلم والفن في ازدهار”، فقد غدت تمبكتو وجنى السودانيتان أعظم مركزين للثقافة الإسلامية وسوقين مهمين للتجارة السودانية على ضفاف النيجر. بموجة إسلامية لا من البربر، بل من أهل البلاد الأصليين الذين اعتنقوا الإسلام.

أسس السودانيون الذين أسلموا سلطنات إسلامية واسعة في غرب إفريقيا مثل: مالي، وسنغي، وبرنو، والكانم، وإمارات الهوسا في شمال نيجيريا، حيث قامت سبع إمارات هي: دورا وكانو وزاريا وغوبر (جوبير) وكتسنا وبيرام ورانو.

وأصبحت تمبكتو مركزًا علميًا مهمًا تفاخر بمكتباتها وعلمائها ومساجدها تلك الموجودة في مراكش وفاس والقيروان وطرابلس والقاهرة.

ويحدثنا ابن بطوطة الذي زار السودان 1353 أنه وجدت هناك حضارة مشرفة تحت راية الإسلام، وكتب عبد الرحمن السعدي (1650)، تاريخاً كشافاً بارعاً، يصف مكتبات خاصة تضم 1600 مجلد في تمبكتو، ويصف المساجد الضخمة التي تشهد أطلالها بمجد غابر. وكان للثقافة العربية والبيئة العلمية بمراكش أثر كبير في التكوين العلمي والتحصيل الدراسي لأبناء المنطقة ومن سكنها.

وهكذا فإن مدرستي : تمبكتو – وجنى ، بلغتا مرتبة الجامعات في أيام الأسكيين، ولم يكن من صالح الاستعمار الفرنسي إغلاقهما، علما أن بقاءهما ليس لصالحها

أشهر علمائها

– مجدد القرن العاشر محمد بن محمود بن أبى بكر الونكرى السوداني، الملقب ببغيع التنبكتى (930 – 1002 ه = 1524 – 1594 م)؛ أحد أعلام تنبكتو. وهو فقيه مالكي له (فتاوى) كثيرة، و (تعاليق وحواش) على مختصر خليل، تتبع فيها ما وقع في الشرح الكبير للتتائي من السهو، وجمعها أحمد بابا في تأليف مستقل

– ومنهم  أحمد بن أحمد بن أحمد بن عمر بن محمد أقيت السوداني يعرف ببابا ولد سنة 963 – 1032، العلامة المتبحر النظار المسند المحدث المؤرخ.

أصبحت تمبكتو مركزًا علميًا مهمًا تفاخر بمكتباتها وعلمائها ومساجدها تلك الموجودة في مراكش وفاس والقيروان وطرابلس والقاهرة

– ومن علمائها عبد الرحمن بن عبد الله بن عمران السعدي، المؤرخ (1004 – 1066 هـ = 1595 – 1656 م). سافر إلى جني (على نهر النيجر) وتولى الامامة بجامعها الكبير سانكوري. من أهم مؤلفاته كتاب (تاريخ السودان).

– التنبكتي، محمود كعت (1075هـ،1664م). القاضي محمود بن الحاج المتوكل كعت. ينتمي إلى أسرة كعت التنبكتية.كان من العلماء المرموقين في (تمبكتو)، مقربًا لدى السلطان. وتولى قضاء تنبكت.

– واشتهر القاضي محمود بمؤلفه تاريخ الفتَّاش، وترجع أهميته إلى كونه مصدرًا أساسيًا في تاريخ دولة صنغي، وطرفًا من تاريخ الدول الإسلامية الأخرى مثل مالي.

أخيرا إن تمبكتو من المدن الإفريقية الإسلامية الذين اهتموا منذ النشأة بالمذهب المالكي، وأصبح “المدونة” و”الرسالة”و”السلالجية”، و”خليل” من أمهات مصادرها الفقهية. ولها اهتمام كبير بالسلوك والأخلاق والرقائق واحترام العلماء والأولياء. ولعلنا نزدد علما لو تمت الكتابة عن هذه المدينة من مصادر محلية تقليدية، ومن منظور غربي.