يقع كتاب (مكارم الأخلاق في الإسلام ..نظرية وتطبيقاً) من تأليف الدكتور أحمد رجب الأسمر في سبعمائة و ست وثمانين صفحة من القطع الكبير. خرجت الطبعة الأولى في عام ألف وأربعمائة وثمانية وعشرين من الهجرة النبوية الموافق  ألفين و ثمانية ميلادية 2008م .

ذكر الكاتب أن هذا الكتاب محاولةٌ للتذكير بأخلاقنا الإسلامية التي يجب أن تَحْكُمَ مسيرَتَنا التنموية لتسديد أوضاع الأفراد والجماعات في هذه الأمة، وهي محاولة لاستقصاءِ أسسها النظرية، وبعض تطبيقاتها العملية الواقعية كما عاشت على الأرض في مختلف العصور، والتي أدت إلى تسديد المسار كلما تُنُكِّبَ السبيل القويم ، وأَعادَتْهُ إلى جادَّةِ الصّواب ، والانطلاق المتجدد بموضوعية واعية تَرأَبُ الصُّدوع ، وتعيدُ الأمورَ  إلى نصابها السليم .

بدايةً تحدث المؤلف عن الأسس البنائية للأخلاق في الإسلام  ثم الالتزام الخُلُقي والمسؤولية الأخلاقية  ثم الجزاء الخُلٌقي، وبعد ذلك تناول أهم القيم الأخلاقية وتطبيقاتِها فتكلم عن العدل والصدق و الأمانة  والرحمة والوفاء والإخلاص و الكرم والحِلْمْ  والحياء والعِفة والتعاون والعِزّة والتواضع والشجاعة والحزم والإصلاح والحكمة والتقوى.

وعند حديثه عن كل خُلُقٍ من هذه الأخلاقِ الرفيعةِ  بيّن المؤلف مفهوم هذا الخُلُق و عرض لقصص رائعة للسابقين ، فمن روائع القصص في الأمانة ما نقله عن ابن جرير الطبري : قال أبو بكر العبسي : دخلت حير الصدقة – مكان حفظها – أنا وعمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعثمان بن عفان – رضي الله عنهم – فجلس عثمانُ في الظّلّ يكتب ما يمليه عليه عمرُ ، وعليٌّ على رأسهِ يُبَلِّغهُ ما يقول عمرُ . أما عمرُ فقائمٌ في الشّمسِ في يومٍ شديدٍ الحرّ ، عليهِ بُردانِ أسودانِ ، مئتَزِراً بأحدهما وقد ألقى الآخَرَ على رأسِهِ ، وأخذَ يَعُدُّ إبلَ الصّدقةِ ، ويُملِيْ أعدادَها وأنواعَها وأسنانَها وألوانَها وصفاتِها ، فقال علي لعثمان: ” قالت ابنة شعيب لأبيها عن موسى -عليه السلام- : ” يا أبتِ استأجرهُ إنّ خيرَ من استأجرتَ القويّ الأمين ” . وهذا واللهِ القويُّ الأمينُ أيضاً .

وقال قَطَن مولى عثمان: كنتُ رديفاً لعثمانَ بن عفانَ في يومٍ شديدِ الحرّ، شديدِ السَّموم ، حتى أتينا حظيرةَ الصّدقةِ ، فإذا رجلٌ عليهِ إزارٌ ورداءُ ، وقد لفّ رأسَهُ برداءٍ ، يطردُ إبلَ الصدقةِ ، يُدخِلُها الحظيرةَ ، فقال لي عثمانُ : من تُرى يكونُ الرجلُ ؟ فقلت : لا أدري . وانتهينا إليه وإذا بهِ عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه ، فقال لي عثمانُ : هذا واللهِ القويُّ الأمينُ .

ومن مواقف خُلُقِ الرحمة للنبيِّ الرحيمِ  نقل المؤلف الحديث الذي أخرجه الإمامُ مسلمُ في صحيحه : ” دعا رسولُ اللهِ عديَّ بن حاتمٍ الطائيّ إلى منزِلِهِ ، يقول عَديٌّ : ” فواللهِ إنّهُ لعائدٌ إلى بيتِهِ إذْ لَقِيَتْهُ امراةٌ ضعيفةٌ كبيرةٌ فاستوقفتهُ ، فوَقَفَ لها طويلاً تُكَلِّمُهُ في حاجَتِها ، فقلت في نفسي : واللهِ ماهذا بِمَلِكٍ “.

وعن خُلُقِ الوفاء نقل المؤلفُ  قصةً عن وفاء الجارِ : حيث كان أبو الجهم جاراً لسعيدِ بن العاص ، وكان سعيدُ بن العاصِ من أوفى الناسِ وأكرمِهِم لجيرانِهِ ، وساءتْ أحوالُ أبي الجهمِ ، فأردَ أن يبيعَ دارِهُ ، ولمّا اتفقَ مع المشتري على السعرِ قال له : – وبكم تشتري جوارَ سعيدِ بن العاص ؟

وهل اشتُرِيَ جوارُ أحدٍ قط ؟ !

رُدَّ عليّ داري ، لا واللهِ لا أَدَعُ جِوارَ رجلٍ ، إن قعدْتُ سألَ عنّي ، وإن رآني رحّبَ بي ، وإن غبتُ حفظني ، وإن شَهِدْتُ قرّبَني ، وإن سألتُهُ قضى حاجتي ، وإن لمْ اسألْهُ بدأني ، وإن نابتني جائحةٌ فرّجَ عني .

فبلغَ قولُهُ سعيدَ بن العاصِ ، فأرسل إليه مائةَ ألفِ درهمٍ ، وقال له : لا تتركْ جوارَنا .

وأما خُلُقُ الكرمِ فقد نقل قصةً رائعةً عن كرمِ عائشةَ أمِّ المؤمنين رضي الله عنها : قالت أم ذرّ : أرسلَ عبدالله بن الزبير إلى عائشة أمِّ المؤمنينَ بمائةٍ وثمانينَ ألفِ درهمٍ ، فدعتْ بأطباقِ فوزّعتِ هذا المالَ بين فقراءِ وأيتامِ المدينةِ ، وهي صائمةٌ، فلم يأتِ المساءُ وعندها من هذا المالِ ولو درهمٌ واحدٌ، ولمّا ارادت الإفطارَ قالت لجارِيَتِها : فَطّرِيني، فجاءتْها بخبزٍ وزيتٍ ، وقالت: يا أمَّ المؤمنين ، أما استطعتِ أن تُبْقِي من كلّ ما قسّمتِ درهماً واحداً نشتري بهِ لحماً ؟ قالت : لا تغضبي ، فلو ذكَّرْتِنِي لفعلتُ .

والكتابٌ مليءُ بروائع القصص عن مكارم الأخلاق .