تعددت تصورات الفقهاء والعلماء لمناهج التفسير بحسب الزاوية التي ينظرون منها. وقبل تناولها، أعرض لتعريف مبسط للمنهج دون الدخول في تفاصيل وجهات النظر المختلفة والتعريفات المتعددة للمنهج. والتعريف الذي أتفق معه.
تعريف المنهج
المنهج لغة: من لفظ نهج، والنهج: الطريق، ونهج لي الأمر: أوضحه، والمنهج: الطريق أيضًا. والنهج: الطريق الواضح. وقال المولى سبحانه وتعالى : { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا } [1] فالمنهج يدل على: الوضوح، والاستبانة، والاستقامة في الطريق.
والمنهج اصطلاحًا: عُرِّف المنهج بتعاريف كثيرة، يجمعها أنها تدل على الخطة المرسومة وفق قواعد وضوابط في الدراسة والعلم.
ومنها تعريف العلامة الدكتور عبد الرحمن بدوي بأنه: القواعد التي يسلكها العقل في حركته للبحث عن الحقيقة في أي مجال من المجالات العلمية.[2] وهذا تعريف شامل لمعنى المنهج.
تعريف المنهج في مجال التفسير
أما التعريف في مجال التفسير، فقد رأى بعضهم أن المقصود بالمنهج أنه: “الاستفادة من الوسائل والمصادر الخاصة في تفسير القرآن، التي يمكن من خلالها تبيين معنى ومقصود الآية، والحصول على نتائج مشخصة. وبعبارة أخرى: كيفية كشف واستخراج معاني ومقاصد آيات القرآن.”[3]
وبناءً على ما تقدّم؛ فإنَّا نقصد بـ “مناهج التفسير“: “الطُرق التي يتبعها المفسرون في تفسير كتاب الله – تعالى -“. ذلك أنَّ منهم من يعتمد على الرواية، ومنهم من يعتمد على الدراية، ومنهم من يجمع بين الرواية والدراية، ومنهم من يعتمد على الفهم الشخصي والمجال الذي تخصص فيه.[4]
أما ارتباط مصطلح “منهج” بأعمال المفسرين فهو يعني البحث في الأسس الفكرية والمذهبية التي ارتضاها المفسر، أو تأثُّرُه بها؛ فأقام عليها عملية تفسيره للقرآن الكريم، وهو ما ألمح إليه الزركشي في قوله: “قد أكثَر الناس فيه من الموضوعات ما بين مختصر ومبسط، وكل منهم يقتصر على الفن الذي يغلب عليه؛ فالزجاج والواحدي في “البسيط” يغلب عليهما الغريب والنحو، والثعلبي يغلب عليه القصص، والزمخشري علم البيان، والإمام فخر الدين علم الكلام وما في معناه من العلوم العقلية.” [5]
ولكن لاحظ بعض الباحثين، وبحق، أن منهج التفسير القرآني يجب أن يتسم بصفات محددة. وهذه الصفات – للأسف – سنرى أن القراءات الحداثية أغفلت بعضها، وتجاوزتها إلى الاعتماد على مناهجها الحداثية ذات الأساس المادي الجدلي المحض. ويذهب هذا الرأي [6] إلى أن المنهج العلمي الإسلامي يتسم بالآتي:
- التلازم بين المنهج والموضوع المراد بحثه: وهو من أبرز الميزات، وذلك ناتج عن صحة نظر المسلم للكون والحياة، وإيمانه بالله ورسله، وأمور الغيب. فليس في أمور الغيبيات منهج تجريبي؛ لأنها تعتمد على التسليم والانقياد. كما أن التلازم بين الموضوع والمنهج يعني وجود مناهج متعددة حسب المواضيع، كالتاريخي، والاستقرائي، وغيرها، وكل بحسب ما يناسبه من مواضيع. وهذا يعني عدم تعميم منهج واحد للبحث والفهم كما في المناهج التجريبية الوضعية.
- التسليم بالثوابت: إن الثوابت الإسلامية هي التي تضبط الحركة البشرية، والتطورات الحيوية، فلا ينفلت زمامها، كما حدث لأوروبا عندما أفلتت من عروة العقيدة. كما أن الثوابت الإسلامية هي التي تصون الحياة البشرية، وتضمن مزية تناسقها مع النظام الكوني، وتحكم قوانين التطور، فلا تتركها على إطلاقها. وأعني بالثوابت مجموعة المسلمات، والقضايا الأساسية التي يتعين على الباحث أن يسلم بصحتها منذ البداية، وأن ينطلق منها في عمليات التفكير العلمي كلها قبل شروعه في ممارسة البحث والتنقيب. ومثل هذه المسلمات ميزة مهمة تتميز بها مناهج البحث العلمي الإسلامي؛ وذلك لفائدتها العظمى في تهيئة الباحث الجيد، وتزويده بمبادئ بسيطة أو مركبة، تساعده على تكوين النظرة الكلية الشاملة، ولا تؤدي أبدًا إلى تناقض مهما بلغت مسيرة العلم، وإنجازات التقنية.ومن أهم الثوابت التوحيد، والإيمان بالغيب، والعالم الآخر، والرسل، والكتب السماوية.
- التسليم بأن للعقل حدودًا وطاقات: فأمور الغيب لا يمكن تفسيرها بنظريات علمية تجريبية؛ إذ إنها فوق إدراك العقل وتصوره، وما وقع الانحراف إلا بمحاولة قياس أمور الغيب بمقاييس الشهادة ثم رفضها، أو تأويلها وفقًا لذلك.
- رفض الظن في موقع اليقين: كما في مقام تأسيس العقائد التي تقوم عليها نظرة الإنسان إلى الوجود؛ فلا يجوز في الأمور اليقينية التي لا تكون موضع ظن من مسلم أبدًا. ولعل هذه السمة مرتبطة بالتسليم بالثوابت التي سبق الحديث عنها.
ويختص منهج تفسير القرآن بضوابط تتمثل في تجنب الوقوع في الأخطاء، وعدم الوقوع في التناقض، وبيان حدود ما يمكن الاختلاف فيه من عدمه، ووضع أسس ثابتة، وسمات تساعد في الحكم على المناهج المختلفة في التفسير.
ومع ذلك قسم بعض الباحثين المناهج بحسب الزاوية التي ينظر منها؛ فأرجع بعضهم [7] مناهج التفسير إلى جملة اعتبارات:
- الاعتبار الأول: من حيث المصادر التي يستمد منها التفسير، وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين: تفسير بالمأثور، وتفسير بالرأي. ويدخل تحت التفسير بالرأي أنواع التفسير بالرأي المحمود كلها.
- الاعتبار الثاني: من حيث التوسع والإيجاز في التفسير، وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين: تفسير تحليلي، وتفسير إجمالي.
- الاعتبار الثالث: من حيث عموم موضوعات التفسير، وهو بهذا الاعتبار ينقسم إلى قسمين: تفسير عام، وتفسير موضوعي.
ومنهم من رأى أن مناهج التفسير تنقسم إلى:
- المناهج التفسيرية الناقصة: وهي كذلك لاعتمادها على نوع ومصدر واحد. وكان الأحرى أن يطلق عليها المناهج الجزئية، أو الأحادية؛ تعبيرًا عن فكرة المؤلف. ومنها تفسير القرآن بالقرآن، والتفسير بالأثر أو السنة، ومنهج التفسير العلمي (استخدام العلوم التجريبية)، ومنهج التفسير الإشاري كالصوفي، ومنهج التفسير العقلي والاجتهادي، ومنهج التفسير بالرأي.
- المنهج الكامل في التفسير: والمقصود به المنهج الذي يستفيد من جميع هذه الطرق (المناهج المذكورة سابقًا)؛ لكي يتبين مقصود الآيات بصورة كاملة من جميع الجوانب. ويرى هذا الاتجاه أن هذا المنهج في التفسير هو الأدق؛ لكونه يستفيد من جميع المناهج السابقة في مكانها المناسب، وقد لا تستخدم بعضها في تفسير بعض الآيات. ويرفض هذا الاتجاه التفسير بالرأي، ولا يعدّه تفسيرًا صحيحًا ومعتبرًا، وإن أورده فقد أورده اعتبارًا لأن بعضهم يأخذ به.[8]
وقسمها بعضهم أيضًا إلى مناهج: “التفسير بالمأثور”، و”التفسير الموضوعي”، و”التفسير الصوفي الإشاري”، و”التفسير الصوفي النظري”، و”التفسير العلمي”، و”التفسير البدعي” الذي يؤول كلام الله، ويحمّله معاني فاسدة وبعيدة عن النص القرآني الكريم. [9]
وبعضهم الآخر [10] رأى أن مناهج التفسير تنقسم إلى:
- منهج التفسير بالمأثور: ويرجع فيه المفسرون إلى القرآن نفسه، وإلى أحاديث الرسول ﷺ ، وقد تلقى التابعون – رحمة الله عليهم – ما أثر عن الصحابة – رضي الله عنهم – في التفسير سواء كان تفسيرًا للقرآن بالقرآن، أو بالسنة، أو باجتهادهم، وتناقلوه بينهم؛ ولذا سمي هذا النوع من التفسير بالتفسير بالمأثور، وبالتفسير بالمنقول.
- منهج التفسير الفقهي: وهو التفسير الذي نشأ بسبب سعي أتباع كل مذهب فقهي إلى آيات الأحكام في القرآن الكريم، يفردونها بالتأليف، ويفسرونها حسب قواعد استنباط الأحكام؛ فخرجت تفاسير لآيات الأحكام لا تكاد تجد بينها وبين كتب الفقه كبير فارق.
- منهج التفسير العلمي: مع تطور العلوم، والتقدم العلمي، والاكتشافات العلمية الحديثة، فلم ينقض العلم شيئًا مما جاء في القرآن، ولم يصادم جزئية من جزئياته؛ مما بوأ القرآن الكريم مكانة لم يشاركه فيها كتاب من قبله ولا من بعده. وقد توسع بعض المفسرين في هذا النوع من الآيات، وأولوها عنايتهم، واهتمامهم؛ فأبرزوا في تفاسيرهم الحديث عن الفلك ونظامه، والكواكب، والنجوم وسيرها، وعن أسرار خلق الإنسان وأطواره، وعن المياه، والبحار، والأنهار، والسحب، والمطر، وعن الأشجار، والحيوانات، والأنعام. وينطلقون في هذا كله من الآيات القرآنية، واستنباط معانيها، ودلالاتها الظاهرة والخقية.وانقسم العلماء في حكم هذا التفسير إلى مؤيد، ومعارض، وإلى طائفة ثالثة معتدلة، ولكل منهم حججه وبراهينه.
- منهج التفسير العقلي: ويسمى التفسير بالاجتهاد، والتفسير بالرأي، أو التفسير بالدراية، والتفسير بالعقل. ونشأ هذا التفسير في عصر مبكر في الإسلام؛ فقد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يفسرون مالم يرد تفسيره في القرآن، ولا في السنة باجتهادهم، وكذلك فعل بعض التابعين -رحمهم الله تعالى-.وكان المفسرون على هذا النحو من الصحابة والتابعين يستندون في تفسيرهم إلى المقتضى من معنى الكلام، والمقتضى من قوة الشرع. واستمر ذلك إلى أن ظهرت الفرق، والمذاهب المنحرفة التي فسرت آيات القرآن وفق مذاهبهم الفاسدة، وآرائهم الباطلة؛ فوقع الاختلاف بين العلماء حول التفسير بالرأي؛ فمنهم من أجازه، ومنهم من منعه.
- منهج التفسير الاجتماعي: يقوم المفسرون بالاعتناء بالآيات التي تعنى بالفضيلة، وتعالج مشاكل المجتمع، وتهذب النفوس، وتعالج المشاكل السياسية والاجتماعية والأسرية. فينظر المفسر إلى المجتمع نظرة الطبيب الفاحص؛ فيتلمس داءه، ويتعرف على علته حتى إذا عرفه، نظر في القرآن يطلب الدواء والعلاج؛ فإذا وجده توسع في شرحه، وبيانه، وحث قومه على التزامه. فنشأ بهذا لون من ألوان التفسير، وهو التفسير الاجتماعي.والمفسرون كلهم يتناولون هذه الآيات، ويفسرونها إلاطائفة منهم تقف عندها؛ فتطيل الوقوف، وتربط بينها وبين ماهو سائد في مجتمعهم مما هو مخالف لها؛ فتميز تفسيرهم بهذه الميزة، واصطبغ بهذه الصبغة.
- منهج التفسير البياني: وهو التفسير الذي تتجه فيه همة المفسر إلى الوجوه البيانية،والبلاغية؛ فتتسع الدراسة حولها. فالبيان القرآني يجمع أمورًا جملتها النظم الفريد العجيب الحسن المخالف لأساليب العرب، والصور البيانية التي تؤلف أبدع تأليف بين أفصح الألفاظ الجزلة، وأصح المعاني الحسنة. وظهر هذا اللون من التفسير في تفسير الرسول -ﷺ-، وفي تفسير الصحابة-رضي الله عنهم-. وأشهر من عرف عنه ذلك هو ابن عباس -رضي الله عنهما-؛ حيث كان يكثر من التفسير اللغوي، ويرجع فيه إلى أشعار العرب؛ لمعرفة ما قد يغمض من الألفاظ والتراكيب. وسار على نهجه تلاميذه كمجاهد، وغيره.
- منهج التذوق الأدبي: التذوق للقرآن الكريم حركة نفسية،وانطباع ذاتي،لا يملك الإنسان له ردًّا، ولا يستطيع له منعًا، بل لابد أن يظهر أثره في خلجات سامعه وسكناته شاء ذلك أم أبى.ويقصد بذلك معنى دقيق يشعر به كل من يواجه النصوص القرآنية، وينسكب في حسه بمجرد الاستماع لهذا القرآن.وقد يستطيع وصف هذه القيم بكلمات، وقد لا يستطيع، ويرجع هذا إلى الصلة بين القيم الشعورية والقيم التعبيرية.والتذوق الأدبي للقرآن الكريم يقوم على الموازنة بين الذات والموضوع؛ فللذات حقها في جانب الاستغراق في النص والشعور به بحيث لايصل للاستغراق الصوفي التام الذي يطغى على النص، وينبذ المعاني الظاهرة. وللموضوع حقه في التزام مدلوله اللغوي، وحدوده الشرعية، والتنبيه الدقيق إلى المعنى الصحيح السليم، والتزام أبعاد معانيه ومدلولاته، بحيث لا يتجاوزها؛ فيشطح. فإن طغت الذات على الموضوع خرج إلى نطاق التفسير الصوفي الذي يعتمد على الأوهام أكثر من الحقائق، وإن طغى الموضوع على الذات خرج عن نطاق التذوق الأدبي إلى نطاق التفسير العلمي، وضاقت جوانب جذبات النفس.
- ويمكن إضافة منهج التفسير الموضوعي، وهو تفسير يقوم على تجميع آيات القرآن الكريم التي تتعلق بموضوع واحد وكل ما ذات صلة بهذا الموضوع، ثم تفسيرها تفسيرًا يرتبط بتحديد هذا الموضوع وتبيانه.فهو لا يقوم على تفسير آيات المصحف بحسب ترتيبها، وإنمايعتمد على تجميع الآيات المرتبطة بموضوع واحد، وتفسيرها؛ لبيان هذا الموضوع من كافة جوانبه. [11]
والذي أراه من عرض النماذج السابقة،أنها تخلط بين أنواع التفسير، ومناهج التفسير، فتبدأ من مقدمة أن المناهج هي الطرق والوسائل التي يتم منها استخلاص المعنى والحكم، ثم لا تعتمد في تقسيمها على هذه الوسائل ولكن على المضمون والمحتوى من المعاني والأحكام التي يستخلصها المفسر.
ولذلك فإن مدارس التفسير بحسب منهج التفسير الذي تعتمد عليه لاستخلاص المعاني والأحكام،لا تخرج عن منهجين أساسيين، هما:
- التفسير بالمأثور: وهو يعتمد على القرآن، والسنة، وأسباب النزول، وأحداث السيرة النبوية، وأقوال الصحابة كمصدر للتفسير.
- والتفسير بالرأي: وهو استخلاص لرؤية المفسر ومفهومه من خلال تأهيله اللغوي، وإحاطته بعلوم التفسير، وأصول الفقة والحديث، ومقاصد الشريعة إلى جانب إتقان اللغة العربية والنحو والصرف وكافة علومها.ولا مانع من أن يلجأ المفسر بالرأي إلى الاستشهاد بالقرآن،أو السنة، أو أسباب النزول. ويدخل فيه أغلب أنواع التفاسير، كالتفسير الاجتماعي، والتفسير العلمي، والتفسير الفقهي.
ومن داخل عباءة التفسير بالرأي ظهر التفسير بالتأويل، وفي عصرنا ظهرت القراءات الحداثية؛ فكل منهما إنما يعود إلى استخلاص مفهوم المفسر، إلا أن التأويل ومن بعده القراءات الحديثة أصبح العقل فيها هو المحور والأساس، ولو خالف النصوص وظاهرها؛ للوصول الى غاية مسبقة في ذهن المؤول كما هو الحال في تفسيرات فقهاء المعتزلة. وقد تطور التأويل حتى وصل إلى مرحلة جديدة في عصرنا، فأصبح لا يقوم على تفسير النص القرآني ولكن على أساس تحليله لاستخلاص منظور عصري.
وعلى حد قول بعض الباحثين [12] يمكن القول إن القرن العشرين شهد انتقالًا في دراسة القرآن من مستوى التفسير النصي إلى مستوى تحليل الخطاب، (وفي مقدمة مؤشرات هذا الانتقال في عالمنا الإسلامي انتشار ما يُعرف بالتفسير الموضوعي)، وعلى الرغم من أن هذا الانتقال سهل لنا تقديم الخطاب القرآني في مواجهة قضايا العصر وتحدياته، وفتح أفقًا جديدًا للقرآن، فإن إهمال تطوير البحث المنهجي في الدراسات القرآنية، وإغراء المعارك الأيديولوجية، فسح الفرصة أمام من يريد تغيير عقائد المؤمنين بالتقدم نحو القرآن، ومحاولة زعزعة إيمانهم من خلال زعم “فهم” جديد للقرآن اعتمادًا على المناهج الحديثة.
وعلى ذلك يمكن فصل التفسير التأويلي عن التفسير العقلي، وتكون مناهج التفسير لدينا هي:
- التفسير بالمـأثور
- التفسير بالرأي
- التفسير بتأويل النصوص.
والأخير (التفسير التأويلي) خرج من داخل أو من عباءة التفسير بالرأي وهو يقوم من -وجهة نظري- على الانحراف بالمعنى، ولو كان واضحًا؛ ليطابق نتيجة وُضعت مسبقًا في عقل المفسر ومعتقده كما هو الحال لدى المعتزلة، ثم تطور التفسير التأويلي في العصر الحديث ليعتمد على إما قراءة تاريخانية أو تاريخية للنص، أو فهم المتلقي. وهو بهذا يختلف عن تأويل المعتزلة.
ويضاف إلى هذا التفسير التأويلي الذي يستند على الرأي العقلي، نوع لا يعتمد مطلقًا على العقل، بل يعتمد على مايعرف بالتلقي،أو نظرية الفيض والإشارة. وهو التفسير الصوفي، وهو تفسير تأويلي؛ لأنه يصرف النص أيضًا إلى معنى غير ظاهر دون أن يعتمد على العقل وأدواته، وإنما على ما يعرف بالتلقي عن الذات الإلهية التي تفيض على نفوس البشر بمكنون علمها بالتفسير الفيضي والإشاري. أو كما عرفه الشيخ الذهبي في كتابه التفسير والمفسرون هو: “تأويل آيات القرآن الكريم على خلاف ما يظهر منها بمقتضى إشارات خفية، تظهر لأرباب السلوك، ويمكن التطبيق بينها وبين الظواهر المرادة”.