هل تعرف ما معنى أن يُفقد “صوت الحق” في زمن تتكاثر فيه الأصوات المتضاربة؟ رحيل الشيخ سعد البريك لا يمثل مجرد وفاة عالم وداعية، بل هو انطفاء أحد ألمع منارات الدعوة الإسلامية المعاصرة، التي أضاءت دروبا لا تُعد من الإصلاح والتوجيه والتنوير الشرعي والفكري.

الشيخ البريك رجل بألف، وخطابه حياة لأجيال، بعلمه الغزير، وخطابه المؤثر، وتواجده الفاعل على المنابر والإعلام، شكّل حالة دعوية نادرة جمعت بين العقيدة، والإصلاح، والإعلام، والشباب، والإنسانية.

لقد غرس الشيخ سعد البريك في قلوب الملايين القيم والمبادئ الإسلامية الأصيلة بأسلوب فريد لا يُنسى، لذلك تعتبر خسارته خسارة ليست هينة، فغياب الشيخ البريك فاجعة لكل محبيه، لكنه أبقى أثرا خالدا من خلال خطبه، برامجه، ومؤلفاته التي ستبقى تنبض بالحكمة والبصيرة. فهو ليس مجرد داعية راحل، بل نموذج وقدوة، وإرث فكري وإنساني عميق يُستلهم لعقود قادمة.

حين تُغلق أبواب الخطابة على صوت لا يُنسى

تلقت الأوساط الإسلامية في المملكة العربية السعودية وخارجها نبأ وفاة الداعية السعودي سعد البريك، وهو أحد أعلام الدعوة الإسلامية والخطابة المؤثرة في البلاد، وهز الخبر جميع الأرجاء بالمملكة.

ويعتبر سعد البريك أحد أبرز رموز الدعوة والفكر المعتدل، وهو إمام وخطيب، ومحام ومستشار قانوني. حاصل على دكتوراه في الفقه المقارن، له حضور قوي في قضايا الشباب، والإصلاح الاجتماعي، والدفاع عن القيم الإسلامية، ومناصرة قضايا المسلمين في العالم.

رجل يرتدي الزي التقليدي السعودي، بما في ذلك الشماغ والعقال، يتحدث بجدية. تظهر ملامح وجهه التركيز والانتباه، في خلفية بسيطة.
الداعية السعودي الشيخ سعد البريك

بعد حياة طويلة قضاها في خدمة الدين ونشر تعاليمه، وفي مساء يوم السبت الثالث مايو 2025، انتقل الداعية السعودي سعد البريك إلى جوار ربه في مدينة الرياض،

وأقيمت صلاة الجنازة على البريك بعد صلاة الظهر يوم الأحد 4 مايو 2025 في جامع الراجحي بمدينة الرياض، وشهدت جنازة الراحل سعد البريك حشود غفيرة من محبيه وتلاميذه وعامة المسلمين الذين تأثروا بعلمه ودعوته.

خبر وفاة الشيخ سعد البريك تصدر مواقع التواصل الاجتماعي في الساعات القليلة الماضية، لما يملكه من مسيرة علمية ودعوية استمرت لعقود، أثرت في قلوب الملايين وألهمت أجيالا بأفكاره واعتداله.

قامة شامخة في سماء الدعوة

وعرف الداعية والخطيب السعودي سعد البريك بمشاركاته الدعوية عبر القنوات الفضائية والندوات العامة، إضافة إلى ظهوره في المحافل الفكرية واللقاءات التلفزيونية، حيث كان حاضرا بقوة في قضايا الشباب، والإصلاح الاجتماعي، والدفاع عن القيم الإسلامية.

تشكل وفاة الداعية السعودي سعد البريك خسارة فادحة للمجتمع السعودي والإسلامي على حد سواء، وذلك لأن الفقيد كان قامة شامخة في سماء الدعوة، وصوتاً جهورا بالحق، ومصلحا اجتماعيا بارزا، ترك بصمات واضحة في مختلف جوانب الحياة الدينية والفكرية.

واشتهر الشيخ البريك بمشاركاته الدعوية الواسعة عبر شاشات القنوات الفضائية ومن خلال المنابر العامة والندوات الفكرية، حيث استطاع بأسلوبه المؤثر وعلمه الغزير أن يصل إلى قلوب الملايين من المسلمين.

بصمة دعوية وإنسانية استثنائية

الشيخ سعد البريك لم يكن مجرد داعية تقليدي، بل كان رجلا واسع الأفق، جمع بين العلم الغزير، والحضور الإعلامي المؤثر، والمواقف الوطنية والإنسانية النبيلة، وبرحيله يغيب صوت لطالما كان حاضرا في القضايا المجتمعية والدينية، وموجها أمينًا في زمن ازدحمت فيه الأصوات واختلطت فيه الرسائل.

ترك البريك بصمة واضحة في الإعلام من خلال مشاركته في برامج دينية مؤثرة، وقدم مؤلفات مهمة، أبرزها الاختيارات الفقهية، فتاوى الفضائيات، وإيجاز الخلاف، وجميعها تناولت قضايا معاصرة بلغة تجمع بين العمق والبساطة، وبين الأصول الفقهية والواقع المجتمعي.

كتاب الإحكام في أصول الأحكام، مؤلف من تأليف الحسن بن علي بن أبي طالب، مع غلاف أسود مزخرف بالذهب، يتضمن نصوصًا دينية هامة في الفقه الإسلامي.

وكان الشيخ سعد البريك عالما إنسانا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، إذ عرف عنه دعمه اللامحدود للأعمال الخيرية، وسعيه في قضاء حوائج الناس، خاصة المحتاجين والشباب، الذين كان يرى فيهم أمل الأمة.

من هو سعد البريك؟

وولد الشيخ الدكتور سعد بن عبدالله البريك في مدينة الرياض عام 1963م، الموافق لعام 1383هـ، ومنذ نعومة أظفاره أظهر شغفا بالعلم الشرعي وحرصا على نشره، وتجسدت هذه الرغبة في حصوله على درجة الدكتوراه من كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث تخصص في مجال العقيدة والمذاهب المعاصرة، ليصبح بذلك مرجعاً علمياً موثوقاً في هذا المجال الدقيق.

ولم يقتصر دور الشيخ البريك على الجانب الأكاديمي فحسب، بل امتد ليشمل ساحات الدعوة والإصلاح الاجتماعي، وكان حاضراً بقوة في تناول قضايا الشباب وهمومهم، ساعياً للإصلاح المجتمعي وداعياً للتمسك بالقيم الإسلامية الأصيلة، كما كان له حضور لافت في المحافل الفكرية واللقاءات التلفزيونية، حيث كان يتمتع بقدرة فائقة على تحليل الأحداث وتقديم الرؤى المستنيرة.

مسيرته في الإعلام الإسلامي

ترك الداعية سعد البريك بصمة واضحة في مجال الإعلام الإسلامي، حيث قدم العديد من البرامج الدعوية الناجحة عبر مختلف القنوات الفضائية، والتي لاقت قبولاً واسعاً واستفادة كبيرة من الجمهور، وتميزت خطبه ومقالاته بالعمق والتأثير، حيث تناول فيها قضايا الأمة الإسلامية بكل جرأة ووضوح، محللا التحديات المعاصرة ومقدماً الحلول المستمدة من الكتاب والسنة، وكان الراحل يهتم بشكل خاص بقضايا المرأة والإعلام وتأثيرهما في المجتمع، كما كان له ردود علمية ومنهجية على التيارات الفكرية الغربية.

وعرف عن سعد البريك لغته الخطابية القوية وأسلوبه المباشر والمؤثر في مخاطبة الجماهير، وكان يتمتع بكاريزما فريدة وقدرة على استيعاب قضايا عصره وتقديمها بأسلوب يلامس القلوب ويثير العقول، وكان له دور بارز في مناصرة قضايا المسلمين في مختلف أنحاء العالم، وكانت مواقفه الداعمة للأمة الإسلامية حاضرة في مختلف المحافل والظروف.

ومن بين برامجه التلفازية مايلي:

  • خذوا عني مناسككم.
  • وثبت الأجر.
  • وإنك لعلى خُلق عظيم.
  • فاستبقوا الخيرات.
  • برنامج النجاة.
  • سواعد الإخاء.

مسيرته التعليمية

للداعية الإسلامي سعد البريك مسيرة علمية ودعوية زاخرة ومميزة خاصة على مستوى منابر الدعوة والإعلام فهو حاصل على شهادة البكالوريوس وشهادة الماجستير ودرجة الدكتوراه من المعهد العالي للقضاء قسم الفقه المقارن، بدرجة ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى، وعنوان أطروحته “تنصيص اختيارات الإمام الخطَّابي الفقهية”.

رجل يرتدي عباية بيضاء وعقال، يجلس على أريكة بيضاء ويتحدث بيديه في برنامج حواري، مع خلفية ملونة.

كما تخصّص سعد البريك في العقيدة والمذاهب المعاصرة، وله عدة أبحاث أكاديمية منشورة. بالإضافة إلى تقديمه عدة برامج دعوية على الكثير من القنوات الفضائية.

وظائفه ومهماته

يعتبر الداعية سعد البريك من أنشط الدعاة في المملكة العربية السعودية، فهو عضو في العديد من المؤسسات كما عمل في مجالات كثيرة نذكر منها:

  • المشرف العام على المكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالبديعة والصناعية الجديدة.
  • عضو الهيئة الشرعية في الندوة العالمية للشباب الإسلامي.
  • عضو في مجلس أمناء مؤسسة الوقف الإسلامي في السويد، وفي مجلس أمناء مسجد التوحيد في هاتشي يوتشي بمدينة طوكيو في اليابان.
  • عمل محاضرا في كلية المعلمين، قسم الدراسات الإسلامية.
  • إمام وخطيب جامع الأمير خالد بن سعود بظهرة البديعة أكثر من 25 عاما.

كما شارك الشيخ البريك رحمه الله في عدد من الندوات والمؤتمرات داخل السعودية وخارجها.

نشاطه العلمي ومؤلفاته

على الرغم من تواجد الشيخ سعد البريك على مستوى الكثير من المنابر الدعوية التي استحوذت على كل وقته، فقد اهتم قليلا بمجالات النشر والتأليف وهذه مؤلفاته:

  • الاختيارات الفقهية للإمام الخطَّابي، دراسة مقارنة، 6 مجلدات (رسالة الدكتوراه).
  • الإيجاز في بعض ما اختلف فيه الألباني وابن عثيمين وابن باز (مجلدين).
  • فتاوى الفضائيات الضوابط والآثار.
  • بحوث منشورة في العديد من المجلَّات العلمية المحكَّمة، وفي موقعه الإلكتروني.