يتعرف القارئ من خلال هذا المقال على أهمية بر الوالدين بعد الزواج و15 خطوة مساعدة في الحفاظ على حقوق الوالدين والبر بهما وصور الإحسان إليهما بعد الزواج.
يظن كثير من الأبناء بعد زواجهم أن حياتهم انفصلت تماما عن آبائهم، فقد أصبحوا أزواجا بل أصبحوا آباء هم أيضا، فهم مسؤولون عن أسرة وأولاد وبيت، ومع مشاغل الحياة والسعي وراء لقمة العيش والالتزامات المادية خاصة في مقتبل الحياة الزوجية والأعباء الاجتماعية الواقعة على كاهلهم ينسون أنهم مازالوا أبناء لآباء على قيد الحياة، وأن الآباء في هذه السن الكبيرة التي تعد المحطة الأخيرة في حياتهم يحتاجون أن يشعروا بثمرة تربيتهم لأبنائهم، فالاتصالات قليلة معدومة، ربما لا تكون إلا عند طلب الحاجة، أو في المناسبات العابرة، ولربما يمر أسبوع أو أسبوعان أو شهر ولا يتم التواصل بين الآباء والأبناء إلا عبر مكالمة هاتفية وربما لا تكون!!
وهذا التعامل الجاف من بعض الأبناء الذين كبروا وتزوجوا هو نوع من العقوق لآبائهم الذين لا يزالون على قيد الحياة، فوصف الأبوة لم يسقط عنهم، بل هم أحوج ما يحتاجون إلى تلك العاطفة من أبنائهم في هذه السن الكبيرة، يظن الآباء أنهم سيشعرون بالراحة بعدما كبر أبناؤهم وتوظفوا وتزوجوا و أنجبوا، إنهم يريدون أن يفرحوا بأحفادهم؛ لأن هذا يعطيهم شعورا بأن نسلهم مستمر، كما أن العاطفة بين الأجداد والأحفاد من أرقى العواطف التي تغذيهم في سنهم الكبيرة، فتراهم يتعاملون مع أحفادهم كأنهم هم أطفال صغار؛ مما يدخل السعادة على قلوبهم، ويشعرهم بالراحة والسكنية والاطمئنان والفرح، ولكن كم مرةً يأتي أبناؤهم بأحفادهم حتى يجلسوا معهم ويسعدوا بهم ويتمازحوا معهم؟!
إن الإنسان في أطوار حياته يقوم بعدة وظائف، وفي مراحل الحياة تتنوع تلك الوظائف، لكنها غالبا لا تلغى، وإنما تضاف إليها وظائف أخرى، فالولد بعد زواجه أصبحا زوجا وأبا، لكنه ما يزال ولدا لأبويه، يجب عليه أن يصلهما وبخاصة في كبرهما.
بر الوالدين أحد واجبات الدين
وإن بر الوالدين وصلتهما من الواجبات الشرعية التي لا تنتهي حتى بوفاة الوالدين، فبرهما واجب حال الحياة، كما أنه واجب حال الوفاة، ولقد سطر القرآن الكريم في دستوره أعظم وصف للعلاقة بين الأبناء والآباء وبخاصة في حال الكبر، وأنهما يحتاجان إلى معاملة أكثر خصوصية، كما قال جل في علاه: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا . وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23-24].
فقد قرن ربنا بين عبادته سبحانه وبر الوالدين، وأبان أنه من الواجب شرعا على الولد التلطف في معاملة والديه حال الكبر، وأن يكون حذرا في ألفاظه معهما، وأن يرحم ضعفها وألا يستقوي عليهما بشبابه، وألا يخرج منه لهما إلا أطيب الكلام، وأن يظهر التذلل والخدمة لهما بكل ما أوتي، وأن يكون كثير الدعاء لهما؛ بما بذلا من التربية والنفقة والرعاية.
قال الشيخ الشعراوي – رحمه الله-: في«تفسيره» (14/ 8457): «فخصَّ الحق سبحانه حال الكِبَر، لأنه حال الحاجة وحال الضعف؛ لذلك قال أحد الفلاسفة: خَيْر الزواج مبكره، فلما سُئِل قال: لأنه الطريق الوحيد لإنجاب والد يعولك في طفولة شيخوختك، وشبَّه الشيخوخة بالطفولة لأن كليهما في حال ضعف وحاجة للرعاية والاهتمام».
15 صورة عن بر الوالدين بعد الزواج
بر الوالدين بعد الزواج والإحسان إليهما له صور كثيرة، تختلف من شخص لآخر، حسب المعطيات المتغيرة من حالة لأخرى، ومن أهم صور الإحسان للوالدين بعد الزواج ما يلي:
- الحرص على دوام زيارتهما والذهاب إليهما كل يوم إن استطاع، أو حسب ما يقدر عليه، شريطة ألا يطيل الغياب.
- دعوة الوالدين إلى بيته، وإكرامهما في بيته، وأن يشعرهما أن بيته هو نتاج تعبهما، وأن يكرم ضيافتهما على أحسن وجه.
- أن يكون دائم الاتصال بهما والاطمئنان عليهما بكل وسيلة ممكنة.
- أن يكون عالما بحوائجهما من أمور الحياة، وأن يقضيها لهما دون تردد أو استثقال.
- أن يحرص على إعطاء والديه بعض الهدايا كل فترة، وأن يتحين كل مناسبة لشراء بعض الهدايا، بل ويهديهما دون مناسبة.
- أن يحسن معاملتهما، فلا يرفع صوته عندهما، ولا يبدر منه ما يسيء إليهما ولو نفسيا.
- أن يشعر والديه أنه مازال ابنا لهما مهما كبر أو تزوج أو أنجب وهذا يعد من بر الوالدين بعد الزواج.
- أن يصحب أولاده معه في زيارة والديه، وأن يغرس في نفوس أبنائه حب جده وجدته.
- أن يترك أولاده عند أبيه أحيانا، حتى يستمتعوا بوجود الأحفاد معهم، وبخاصة مع انشغال الأب والأم، بينما يجد الأحفاد وقتا لقضائه مع الجد والجدة.
- يمكن أن يصحب الولد والده لاحتساء كوب من القهوة أو الشاي في بعض الأماكن الخارجية.
- الخروج مع الوالدين في نزهة سياحية ما أمكن.
- أن يسارع في الرد عليهما إن اتصالا به أو أحدهما، ولا يؤخر الرد عليهما.
- أن يداوم التلطف بهما ومدحهما وأن يذكر ما فعلاه من أجله أمامهما.
- الإنصات إليهما وتركهما يبوحان بكل ما في داخلهما وعدم مقاطعتها، وأن يقل نقدهما قدر المستطاع.
- إسداء بعض الأعمال الصالحة لهما، مثل الدعاء، أو الصدقة عنهما، أو أداء ديونهما، أو إخراج زكاة الفطر عنهما، أو العمرة أو الحج عنهما إن كانا غير قادرين بعد استئذانهما في فعل تلك الطاعات.
إشكالات وتساؤلات في بر الوالدين بعد الزواج
رغم التأكيد على ضرورة استمرار بر الوالدين بعد الزواج، إلا أنه بقراءة واقع الحال هناك إشكالات تقابل الأبناء في برهم بآبائهم تتعارض في المصالح، ويحتارون فيها ماذا يفعلون، خاصة ما يختص بعلاقة الزوجة بأهل الزوج، وهناك عدد من الأسئلة الواقعية، نتعرض لها ونجيب عنها إتماما للفائدة، وهي كالآتي:
ما حدود تدخل الوالدين في زواج أولادهم؟
هل الزواج له علاقة ببر الوالدين؟
الزواج لا علاقة له ببر الوالدين، فتلك قضيتان منفصلتان، ولهذا كان بر الوالدين بعد الزواج مستمرا، بل بر الوالدين مستمر حال حياة الوالدين وحال موتهما، وفي ذلك روى أبو داود في سننه، عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي قال: بينما نحن عند رسول الله ﷺ، إذ جاءه رجل من بني سلمة، فقال: يا رسول الله، هل بقي عليّ من بر أبويّ شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: نعم، الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما.
ما حكم عصيان الزوجة زوجها لإرضاء أهلها؟
وولاية البنت انتقلت من أبيها إلى زوجها، فطاعة الزوج مقدمة على طاعة الوالد ما دام الأمر في غير معصية الله، وذلك لأنها أضحت سيدة بيت زوجها، ولكنها مأمورة ببر والديها، ولا يدخل في بر والديها معصية زوجها، بل هي عاصية لله إن عصت زوجها.
ودليل ذلك من الكتاب والسنة، أما من الكتاب فقوله تعالى: ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾ [البقرة: 228]، ومن السنة ما رواه أحمد وابن حبان عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: “إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت من أي أبواب الجنة شاءت” وفي رواية قيل لها: “أدخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت”..
وعلى الزوجين خاصة في مقتبل حياتهما أن يضعا كيف ستكون الحياة بينهما، وكيف سيتعاملان مع والدي الزوج ووالدي الزوجة، وأن يتحليا بالحكمة والذكاء في التعامل مع أهليهما، حتى تسود المحبة، هذا واجب مشترك، أما الواجب الخاص، فهو وجوب بر كل منهما لأهله.