تتضح وجهة نظر برنارد لويس من عنوان كتابه (الحشاشون .. فرقة ثورية في تاريخ الإسلام)، إنه ينسجم مع فريق من المستشرقين الذي كانوا معنيين بإبراز جوانب معتمة في تاريخ الإسلام على حساب جوانب مضيئة فيه، ثم هو ضمنيا يرد على الذين يرون تلك الفرقة طائفة باطنية ويريدون إزاحتها عن مجرى التأثير في أحداث التاريخ الإسلامي منذ نهايات القرن الخامس الهجري.

والحشاشون لقب أطلق على فرقة إسماعيلية انشقت بعد وفاة المستنصر وتولية ابنه المستعلي بدل ابنه الأكبر نزار الذي كان ولي عهده حسب كثير من المؤرخين، أسسها رجل ينسب لآل البيت هو الحسن بن الصباح الذي كان أتباعه ـ حسب برنارد ـ يسمونه “الأكبر” إجلالا له عن أي لقب آخر تلقب به غيره.

وقد انتهج الحسن الصباح طريقا ثوريا فأسس تنظيمه السري الذي عرف بهذا الاسم (الحشاشون)، واحتمى وأتباعه بقلعة (ألموت) في وسط جبال الديلم جنوب بحر قزوين، وقد نفذت حركة (الحشاشون) عمليات اغتيال كثيرة ضد خصومها واستطاعت بقدرتها التنظيمية وطابعها السري أن تصل إلى غرف نوم الخلفاء وكبار الأئمة والقضاة وقادة الجيوش.

الحشاشون وأحفورة التسمية

انشغل برنارد لويس في مقدمة ” الحشاشون” بأحفورة التسمية، مستبعدا أن يكون مصدرها تناول أتباع هذه الطريقة لـ”الحشيش” المخدر، الذي يحيل إلى قصة الفراديس الأرضية المشهورة، مستدلا على ذلك بأدلة منها أن كلمة (حشاش) بمعنى متناول الحشيش حديثة نسبيا، وأن هذه الكلمة ـ حسب برنارد ـ خاصة بحشاشي سوريا، مما يعني أنها متأخرة نسبيا أيضا عن زمن نشأة الحشاشين الأول (زمن الحسن بن الصباح)، ومرجحا أن تكون الكلمة مجرد “تعبير يدل على احتقار العقائد الغثة والسلوك المعيب لأعضاء تلك الفرقة”، كما أن الحشيش (وهو العشب اليابس) غث محتقر.

إلا أن هذه الحجج غير ناهضة أمام ما رواه عدد من مؤرخي الإسلام عن تخدير مقدم الفرقة الحسن بن الصباح لأتباعه ونقلهم إلى بساتين غناء بها جوار حسان وخمر وفاكهة يوهمهم أنها فراديس علوية وأنهم سيرجعون إليها حين ينفذون أوامره باغتيال خصومهم.

وينقل برنارد لويس ذاته عن المؤرخ الألماني أنولد أوف لوبيك أنها لم تكن حدائق حقيقية وإنما أشياء سحرية استيهامية، لكن برنارد يرى غير ذلك، حيث يقول إن التسمية هي التي أوجدت القصة وليس العكس.

الحشاشون في المخيال الأوروبي

ويتتبع برنارد لويس هذه التسمية في اللغة اللاتينية فيرى أن كلمة(Assissin) في اللغة الأوروبية هي مجرد تحريف لكلمة (الحشاشون)، وأن معناها تطور من الولاء الذي يؤدي للقتل من أجل المتبوع إلى معنى القتل بشكل عام.

وقد تغلغلت الدهشة والرعب من الحشاشين في كل أوروبا حتى أصبح شعراؤها يضربون المثل بولائهم الذي يؤدي بهم للقتل والانتحار، يقول أحد الشعراء الفرنسيين لحبيبته:

“أنت تسيطرين علي بسحرك أكثر مما يسيطر الشيخ على حشاشيه الذين يذهبون لقتل أعدائه الفانين”.

ويبالغ المؤرخون الغربيون في عدد أتباع هذه الحركة فيرى أسقف صور أن عدد أتباعها في سوريا بلغ ستين ألف (60 ألف حشاش).

بل إن قدرتهم على الوصول للخصوم جعلت بعض الأمراء يسعى للتعامل معهم من أجل التخلص من منافسيه. من ذلك اغتيالهم الملك الصليبي كونراد دي مونتفرات ملك مملكة بيت المقدس في سنه 588هـ، ويقال إن ذلك تم بطلب من الملك الانجليزي الصليبي ريتشارد قلب الأسد .

وعلى الرغم من وجود حركات اتخذت نهجا مشابها للحشاشين في أوروبا مثل: فرسان المعبد والجيزيوت وحركة الاستنارة وحركة البنائين الأحرار وقتلة الميثاق الوطني الفرنسي، على الرغم من كل ذلك إلا أن الأوروبيين حرصوا على الاستلهام من تجربة الحشاشين المدهشة في القتل والاغتيال.

وتأكيدا على اهتمام الأوروبيين بتجربة الحشاشين التنظيمية يقول برنارد لويس، إن دنيس ليبى دي باتيلي “قام بأول محاولة غربية لتحقيق تاريخ الحشاشين عام 1603م، وهو تاريخ له مغزاه، حيث أنعشت الأخلاقيات الوثنية لعصر النهضة الاغتيال السياسي وكان الكتاب بمثابة تنظير إيديولوجي لسياسة القتل والاغتيال.

اغتيالات الحشاشين

كانت عمليات الحشاشين تستهدف الدولة السنية التي يرونها خصمهم العقدي والفكري والسياسي، ولذلك وجهوا أغلب جهودهم لمحاربتها بطريقتهم الخاصة المتمثلة في الغدر والاغتيال، وكانت أول عملية اغتيال ينفذها الحشاشون تلك التي ذهب ضحيتها الوزير السلجوقي نظام الملك عام 485هـ، ثم قتلوا حاكم حمص جناح الدولة وهو يصلي الجمعة وبعد الفقيه الشافعي أبي جعفر النشار 498هـ.

كما قاموا بعدة محاولات لاغتيال صلاح الدين الأيوبي، إلا أنه نجا منها وكانت آخرها تلك العملية التي تنكر فيها بعض من أتباعهم في زي جنود صلاح الدين أثناء حصاره لقلعة إعزاز وتحينوا فرصة مرروه بهم ليقوم أحدهم بطعنه بسكين في رأسه إلا أن خوذته الحديدية حمته من الإصابة.

كما قتلوا عددا من الخلفاء من بينهم الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله وهو ابن تاسعهم المستعلي بالله وذلك للخلاف العقائدي بين الإسماعيلية المستعلية في مصر والنزارية الحشاشة في ايران.

كيف يجند الأتباع؟ يبدو أن قوة ولاء الحشاشين وشد طاعتهم لأوامر الحسن بن الصباح أصبحت مثار استغراب يحتاج تفسيرا، فذهب برنارد لويس إلى أنه كان يختار أتباعه الخلص من أبناء الفلاحين، حيث يأخذهم صغارا ويربيهم في الجبل على الولاء له وطاعته، ويشحنهم بعقائد باطنية وسياسية وأن هذه التنشئة الأولى هي سر ولائهم المطلق وطاعتهم العمياء له، ولا ندري من أين جاء بهذه المعلومات على وجاهتها.

بينما نرى المؤرخين المسلمين يذهبون مذهبا آخر في تحليل الظاهرة، يقول ابن الجوزي في كتابه المنتظم في تاريخ الملوك والأمم متحدثا عن الحسن بن الصباح:”…وكانت سيرته في دعائه أنه لا يدعو إلا غبيا، لا يفرق بين شماله ويمينه، ومن لا يعرف أمور الدنيا، ويطعمه الجوز والعسل والشونيز، حتى يتسبط دماغه، ثم يذكر له حينئذ ما تم على أهل بيت المصطفى من الظلم والعدوان، حتى يستقر ذلك في نفسه.

سمات شخصية “شيخ الجبل”

من المتفق عليه أن الحسن بن الصباح كان يمتلك سمات شخصية قيادية فذة ـ بغض النظر عن انحرافاته العقدية والسلوكية ـ وحسبه أنه استطاع بدهائه أن يكون هذه الحركة الغامضة التي تركت بصمتها وأثرها في تاريخ الدولة الإسلامية السنية أيام الحكم السلجوقي كله، كما استطاعت بقدرتها الاختراقية الهائلة تجاوز إجراءات التحرز والاحتياط لعدد من الخلفاء والقادة والجند.

وقد وصل الولاء لشيخ الجبل مستوى أصبح معه الفدائيون الذين يرسلهم لتنفيذ عملياته يهتفون باسمه عند التنفيذ، فيبثون الرعب في نفوس الناس بذلك.

ويصف ابن الأثير في الكامل شخصية الحسن بن الصباح بقوله:”…وكان الحسن بن الصباح رجلا شهما كافيا عالما بالهندسة والحساب والنجوم والسحر وأشياء أخرى.

أسئلة ضرورية

قبل أن نطوي صفحة الحشاشين ـ وقد كتب عنهم الكثير ـ لا بد أن نطرح أسئلة نراها وجيهة:

ـ لماذا يهتم الغربيون بهذه الحركة ليفيدوا من أساليبها في الحشد والتعبئة وإدارة الصراع، ويهملها المسلمون الذين نبتت وترعرعت وأثخنت في ربوعهم، مكتفين بالتحذير من عقائدها وأفكارها غاضين الطرف عن أساليبها الماهرة الماكرة.

ـ هل تمكن المقارنة بين حركة داعش وحركة الحشاشين، وهل هناك أوجه تشابه بين الحركتين في أسلوب العمل والتجنيد، ومن هنا هل يمكن أن نشير إلى أطراف بعينها لنربط التاريخ بالحاضر؟

أخيرا..هل نحن أمام حركة حشاشين جدد!