سيد محمد نقيب العطاس مفكر وفيسلوف إسلامي ماليزي ولد في 5 سبتمبر سنة 1931 في مدينة بوغور (Bogor) الأندونيسية ، هاجر في سن الخامسة عشر إلى مدينة جوهور الماليزية  واستقر بها ردحا من الزمن قبل أن يعود أدراجه إلى جزيرة جاوا حيث بدأ مشواره التعليمي مع اللغة العربية وآدابها.

في منتصف الأربعينيات عاد إلى جوهور ليدرس في كلية اللغة الإنجليزية ، قبل أن يشد الرحال إلى بريطانيا ويلتحق بالكلية الحربية هناك ثم يعود  ليخدم في الجيش الماليزي فترة وجيزة تفرغ بعدها بشكل نهائي للعلم حيث سجل في جامعة مالايو السينغافورية تخرج فيها وحصل على منحة دراسة في جامعة “مكيل” الكندية و منها حصل على شهادة الماجستير وهنا ازداد شغفه بطلب العلم فقصد لندن لإكمال دراسة الدكتوراه في معهد الدراسات الإفريقية والآسيوية.

يعتبر نقيب العطاس من أكثر المفكرين المعاصرين تأثيرا ليس في المجتمع الماليزي فقط بل تعدي تأثيره إلى دول أخرى مثل أندونيسيا .  اتسم  تكوينه الفكري بالحداثة  عبر ما اكتسبه من علوم ومعارف في المؤسسات العلمية الغربية لذالك كان نقده للحضارة الغربية في بعض جوانبها يستند إلى دراية وحسن تأمل وثقافة ، عرف عالما مسلما مدافعا عن القيم الإسلامية ومنتقدا للحضارة الغربية .

قدم الفيلسوف العطاس رؤيته الإصلاحية والتى كان معه فيه الكثير من المثقفين والمفكرين ، وعمل على تأصيل الثقافة الإسلامية واعتبارها المرجع والإطار العملي لهذه الحركة الإصلاحية ، ونادى بإنشاء جامعات إسلامية تجمع بين العلوم الإسلامية والعلوم العصرية ، لاقت دعواته الإصلاحية صدى كبير في أوساط المفكرين و المثقفين والمهتمين بنهضة الأمة الإسلامية.

للفيلسوف العطاس تراث علمي زاخر فقد كتب عن التعليم في الإسلام وعن أسلمة المعرفة ، كتب عن الإسلام والعلمانية وقدم مقارنات جريئة طالب بالتخلص من الفوضى الفكرية في المجتمع المسلم يقول العطاس:” لقد واجهت الإنسانية في مسيرتها المضطربة عبر الأجيال تحديات عديدة إلا أنه لم يكن منها ما هو أكثر خطورة على الإنسان وهدما لحياته من تحدى المعرفة”.

فلسفة التعليم في الإسلام   

يرى العطاس بأن التعليم هو أحد المميزات الخاصة للإسلام ويجب أن يكون في صلب إهتمام  كل مسلم ، وقد توجب على المسلم تعلم اللغة العربية لمعرفة الأوامر والنواهي التى نزل بها القرآن. على الرغم من هذه الأهمية للتعليم في الإسلام إلا أن ضعف المنظومة التعليمة هي السمة المميزة لغالبية المجتمعات المسلمة.

مع بداية القرن التاسع عشر بدأت مشكلة التعليم في العالم الإسلامي تثير انتباه العديد من العلماء والمصلحين في العالم العربي والهند وشرق آسيا، كان أول من أثار معضلة التعليم في ماليزيا سيد الشيخ الهادي الذي دعى المالاويين إلى الاعتناء أكثر بالتعليم وإحداث نهضة في الثقافة والاقتصاد والسياسية تعتمد هذه النهضة على ثنائية العقل والمنطق.

في منتصف الخمسينيات توصل الفيلسوف العطاس إلى أن : القضية الأكثر إلحاحا في العالم الإسلامي فيما يتعلق بالتعليم تكمن في تكوين نخبة جديدة تدرس العلوم الشرعية من قرآن وسنة جنبا إلى جنب مع العلوم الحديثة والفلسفة وهذ الطريقة في صناعة نخبة متصالحة مع ذاتها و مهتمة بحاضرها لا تتم إلا من خلال التعليم.

مفهوم المعرفة والتعليم

يقول نقيب العطاس أن مفهوم التعليم ليس محصورا في نظرية المعرفة فقط بل يتعدي ذالك ليشمل نظريات أخرى ومفاهيم منها الأخلاق ، لذالك يعتقد أنه من ضمن الأهدف السامية للتعليم تصميمه بحيث يتناسق مع خصائص الإنسان. هذا التناسق ليس فقط بالأفكار والأفعال، بالغريزة والمنطق بالعاطفة والشعور لكن أيضا بعمق المعرفة وجمال الخصائص ، فالتعليم عند العطاس إذا لم يركز على الخصائص فلا قيمته له في الإسلام.

مفهوم المعرفة والتعليم لا ينحصر في تحصيل المعلومات والقدرة على الشرح والتحليل لكن بالقدرة على ربط هذه المعارف والعلوم بالخالق ومدى موافقتها للحقيقة ومراعاتها للأخلاق والمسؤوليات الإنسانية.

التراث المعرفي للعلماء المسلمين

على الرغم من أن علماء اليونان اعتمدوا منهجية التحقيق بالمشاهدة والملاحظة إلا أن علماء المسلمين ذهبوا إلى أبعد من ذالك حيث قامت منهجيتهم على التحقيق بناءا على المشاهدة والتجربة، علماء مسلمون من أمثال جابر بن حيان ، البيروني ، عمر الخيام ، ابن سينا ، ابن يونس  وغيرهم كانوا يقيمون تجاربهم في مختبراتهم الخاصة ، بحيث يشاهدون نتائج البحوث كحقائق واقعة أمامهم.  ومن الأمثلة على ذالك دراسات ابن الهيثم في مجال البصريات وكيف أثبت أن الضوء ينعكس من الأجسام إلى العين عكس ما كان يعتقد.

حجم مساهمة المسلمين في العلوم التكنلوجية والفلسفية والفنية لا يمكن إحصاءها ، الإمبراطور الروماني Frederick II (1194 – 1250) أقام علاقات جيدة بالمسلمين في مدينة (Sicily) أعجب بأخلاقهم وعاداتهم و أعجب أكثر بأعمالهم الفلسفية لدرجة أنه في سنة 1224 أسس جامعة في Naples  متخصصة في ترجمة بحوث المسلمبن من اللغة العربية إلى اليونانية . من خلال هذه الأحداث يرسم الفيلسوف العطاس خلاصة تتمثل فيمايلي:

جميع المعارف والعلوم هي من الله سبحانه وتعالي، المسلمون  لم يعرفوا تقسيم المعرفة إلى دينية و دنيوية أو إسلامية وعلمانية إلا بشكل حديث نسبيا. المعرفة في جميع أوجهها هي عطاء من الله وتشمل معرفة الخالق Theology (علم التوحيد و  معرفة المخلوقات وهو مختلف التفسيرات العلمية العقلانية. عرف الإسلام عبر عصوره مصادر مختلفة ومناهج كثيرة لتحصيل المعرفة و إستخدامها ، العمل على الحصول على مختلف المعارف العلمية ودراسات العلوم هو واجب على كل المجتمعات المسلمة و يندرج في باب الإستخلاف في الأرض.