يؤكد الداعية الشيخ عبد السلام البسيوني أن شهر رمضان فرصة لشحذ الهمم وترتيب الأولويات الإيمانية، فهو شهر يرسل رسائل عديدة يعيها اصحاب القلوب الواعية، لذلك من المهم استثمار يوم رمضان وليله بعمل دائب وحفز لمن حولنا. وفي هذا الحوار مع الشيخ عبد السلام البسيوني، نتعرف على ما يمثله شهر رمضان للأمة الإسلامية، وعلى أهم الرسائل التي يرسلها لنا.

كما نتعرف على الدور المهم الذي ينبغي أن تقوم به المساجد في شهر رمضان، وكيف يستثمر الدعاة هذا الشهر الكريم، بجانب إلقاء الضوء على كيفية الإفادة من رمضان في تحقيق الثنائية المهمة: تزكية النفس وتوثيق عرى المجتمع، في مسارين مترابطين.. وكيف يكون رمضان روحًا تسري في بقية العام.

والشيخ عبد السلام البسيوني داعية مصري، تخرج في الأزهر الشريف (كلية الشريعة) وفي دار العلوم أيضًا.. وله تجربته الثرية في الدعوة إلى الله تعالى؛ بالكلمة المسموعة (في المنابر والمنتديات)، وبالكلمة المكتوبة (في الصحف والمجلات والكتب)، وبالكلمة المصوَّرة أيضًا؛ فهو خطَّاط له بصماته الجمالية البديعة.. كما أنه شاعر وأديب، وله عدة دواوين ومسرحيات، بجانب عشرت الكتب في جوانب الفقه، والفكر، والدعوة والإعلام، والأسرة، والتاريخ والتراجم.. وقد اختير خبيرًا بمجمع فقهاء الشريعة في واشنطن منذ إنشائه، كما أنه عضو رابطة الأدب الإسلامي العالمية منذ نشأتها..

من أهم كتبه: (الألوهية في العقائد الشعبية على ضوء الكتاب والسنة)، (مواجع داعية)، (الإعلام الإسلامي في مواجهة الغزو الإعلامي الغربي)، (اليسار الإسلامي: خنجر في ظهر الإسلام)، (دعاة ومشاهير عرفتهم). ومن دواوينه: (عذرًا يا سيد خلق الله)، (صلاة قلب)، (مراميات)..  وفيما يلي نص الحوار:

ماذا يمثل شهر رمضان للأمة الإسلامية؟

الجواب هنا بين كان، وأصبح! فما كان يمثله أيام عز الإسلام ليس هو الذي يمثله الآن! لقد كان يمثل الإنابة إلى الله تعالى، والجلوس في المساجد، والاعتكاف بها، والانخلاع من شواغل الدنيا، والانقطاع للقرآن وختمه مرات، والتراويح، والتهجد، والارتباط الاجتماعي، وإصلاح ذات البين، ومجالس الذكر والعلم، والبذل غير المحدود، والاستمرار في العمل، والخروج للجهاد، والصبر على المشاق، والتسابق لتحقيق التقوى المترتبة على صحيح الصيام، ليشحن القلب طاقة ربانية حافزة وإيجابية دافعة للبقاء على المحجة البيضاء، دون تمحل، أو زيغ!

ثم أصبح- في أحسن الأحوال- طقوسًا خالية من الروح، ومظاهر فارغة لا تحقق التقوى ولا تنقي القلب، ولا ترضي الرب تبارك وتعالى!

ولا تحدثني عن امتلاء المساجد وصفوف مصلي التراويح، فهذه عينك الحريصة، بل لقد صارت التراويح في كثير من بلاد المسلمين طقسًا ينقر فيه الناس الصلاة نقر الديكة، ليهرعوا خارج المساجد للسمر، والأكل والشرب؛ حتى يدخل وقت أذان ابن أم مكتوم؛ ليعود كثيرون للنوم، أو للعمل ثقالاً لا خفافًا، وإنك لترى الأسواق والمولات ملأى بأضعاف أضعاف من بالمساجد، وصار عندنا خيام رمضانية احتفالية؛ لإحياء ليالي رمضان بالفلكور في الزي، والموسيقى، والغناء، والشيشة، حتى مطلع الفجر، وصار في عواصم المسلمين السحور الراقص والإفطار الهائص، لأصحاب السعادة من النخب العالية، والجيوب المتخمة، والمترفين المترفين! فلا ادكار ولا اعتبار، ولا خوف من الملك القهار!

ما الرسائل الأساسية التي يرسلها لنا شهر مضان؟

يرسل رمضان رسائل عديدة يعيها أصحاب القلوب الواعية:

طهروا ظواهركم وبواطنكم/ وتوبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون؛ لعلكم تفلحون/ سابقوا إلى مغفرة من ربكم، وجنة عرضها كعرض السماء والأرض/ وتزودوا فإن خير الزاد التقوى/ إنَّ في الجنة باباً يقال له: الرَّيَّان، يدخل منه الصائمون يوم القيامة، لا يدخل منه أحدٌ غيرُهم، يقال: أين الصائمون؟ فيقومون، لا يدخل منه أحدٌ غيرهم، فإذا دخلوا أُغلق فلم يدخل منه أحد/ من صام رمضان- إيمانًا واحتسابًا- غُفر له ما تقدم من ذنبه/ أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام؛ تدخلوا الجنة بسلام/ ليلة القدر خير من ألف شهر/ أغنوهم عن المسألة/ ولتكبِّروا الله على ما هداكم/ ربُّ رمضان هو رب ما سواه.. والرسائل أكثر من أن تحصى!

“رمضان” فرصة لمراجعة الذات، وتجديد العزم: كيف يكون ذلك؟

من أبدع ما في رمضان: يسر الصيام، وسخاء الأيدي والقلوب، بسبب الطبيعة الجماعية لهذا الشهر الكريم: فمن كان يثقل عليه الصيام منفردًا، أو تكرثه الصدقة، أو تُعنّيه المحافظة على الجماعة، أو قيام الليل، يسهل عليه ذلك كله في رمضان؛ بتيسير الرحمن الرحيم!

وليس شهر رمضان فرصة لشحذ الهمم فحسب، بل هو كذلك فرصة للنظر للخلف، وتأمل الحال، وتصحيح المسار، والرغبة إلى الله رب العالمين!

ولا يكون ذلك في ظني إلا بترتيب ونية قبل رمضان ذاته؛ فإن بعض الناس يفاجئهم دخول رمضان(!!) لذا كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يتقدم بين يدي الشهر بصيام كثير في شعبان، توطئةً وتهيئةً، وحثًّا للنفس على العجلة إلى المولى الرحيم بالطاعات!

ولا يكون ذلك إلا بترتيب وخطة لاستثمار يوم رمضان وليله، بعمل دائب، وهمة وحفز لمن حولنا؛ ليسهل الأداء، ويجزل العطاء: برنامج للعمل من بعد الفجر، ومن بعد الظهر، والعصر والمغرب والعشاء، وبرنامج للتراويح والتهجد، يغطي العبادات البدنية، والقلبية، والمالية، والأسرية، والاجتماعية، بشكل راشد.. ومن كانت له عبادة أرجى من غيرها، أو أقرب لنفسه فليستكثر منها؛ عسى الله تعالى أن يتقبل، وقد وعد سبحانه من أتاه يمشي أن يأتيه هرولة؛ فأيّ فضل، وأيّ مَنّ، وأيّ عطاء!؟

المساجد في رمضان.. كيف تتصورون دورها؟

من المؤلم أن بين الواقع والمفترض بونًا شاسعًا؛ فالمساجد في كثير من بلاد المسلمين في حصار كلي أو جزئي، بل صارت تُهدم جهرة، ويتابَع من يؤمونها، ويحافظون على صلواتهم فيها!

المساجد بيوت الله، وفيها أنس المؤمن، وراحة باله.. وانتظار الصلاة بعد الصلاة فيها جبهة رباط، ومجمع للملائكة الذين يلتمسون حِلَق الذكر، ومنتجع للعابدين، والذاكرين، والعلماء الربانيين!

ناهيك عن دورها الاجتماعي في تعميق الإخاء، والتواصل، وتطهير القلوب، وتفقد الإخوان، وتربية الصغار، وإكرام الكبار! وكذا تلمُّس حاجات المحتاجين، والسعي في جبر خواطرهم، وسد خلتهم، دون إحراج، ولا منّ، ولا إراقة ماء وجه! ودورها في جمع أهل الحي في الأفراح والأتراح، مواساةً، وتهنئة! ودورها التعليمي في تربية النفوس، وتهذيب الخلق، وضبط السلوك، ومعونة المتعلمين!

وقد كانت المساجد سابقًا، مقرًّا للفقراء، والمكاسير، وكانت مكانًا لاستقبال أبناء السبيل، بل واستقبال الوفود، وتجييش الجنود! والآن صارت المساجد القديمة- في كثير من بلاد المسلمين- للبدعة، أو للسياحة، وصارت المساجد الحديثة مكانًا لأداء الفريضة ثم تغلق بعدها مباشرة، فيالله للمسلمين!

الدعاة في رمضان.. ما الأولويات التي عليهم أن ينشغلوا بها؟

أظن أن على كل داعية- إن أتيح له- أن يلازم المسجد طوال الشهر؛ فهو الموسم السخي الرضي؛ الذي يأتيه الناس فيه أكثر من سائر الشهور، مستعدين لجلوس طويل، مُهَيَّئين للسماع، راضين بالتذكير!

وأظن أن على الدعاة أن يضيئوا القلوب والعقول على السواء، ويخدموا مجتمعهم القريب قدر وسعهم:

أولاً: بالقرآن، والتعليم، والذكر، والقرآن، والقيام، والاعتكاف!

وثانيًا: بمناقشة أحوال المسلمين، وتبصيرهم بواقعهم، وبتربص شياطين الإنس بهم؛ فشياطين الجن مصفدة، وإن سعت سعيها قبل رمضان!

ثم ثالثًا بالسعي في حوائج المحتاجين من أهل المحلة- وما أكثرهم الآن في مجتمعات قاسية القلب، مريدة على الإنسانية- إغناءً لهم عن المسألة، ودفعًا للحرج، وكفًّا لماء الوجه أن يراق!

وذلك كله بأدب الدعوة، ولطف الأداء، والمراوحة بين البشارة والنذارة، مع تغليب جانب الرجاء، والابتسام، وإنزال الناس منازلهم، وإكرام أهل العلم والخير والسن منهم!

هل يمكن أن نسمي رمضان “شهر المصالحة مع القرآن”؟ وما التعامل الواجب تجاه الكتاب العزيز؟

لعلك تشير إلى أن الناس في جملتهم يهجرون القرآن- إلا من رحم ربي- هجرًا في جانب التلاوة، ثم هجرًا أكبر في جانب التدبر، ثم هجرًا أفحش في جانب التطبيق والممارسة، والعيش وفق أوامره ونواحه، ثم هجرًا في بلاغه والصدع به بما يليق، وينفع!

ولعلك تشير إلى أن أكثر من يهجر القرآن لا يعلم أن خصمه، والمتهِم له بين يدي الله تعالى؛ هو سيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أخبرنا أصدق القائلين عن خبره مع أولئكم: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}!

ولعل المؤمن يخرج من الهجرة الكنود هذه إذا جعل لنفسه وردًا يوميًّا- ولو صفحة- ثم يجتهد في رمضان وسعه، فيختم مرة أو مرتين أو ثلاثًا!

وبعض الناس- في طلبهم للثواب- يهذرمون بالقرآن هذرمة تجعلهم لا يعون ما يتلون، ولا يعقلون معانيه، فهل تحسب هذه لهم قراءة؟ الله تعالى أعلى وأعلم!

وأظن أن الأمثل هنا: الترتيل على مكث، وتأمل ما يتلى، والتفاعل معه، والاجتهاد في فهمه؛ فهذا أجدر أن ينيل صاحبه من الثواب ما لا يناله صاحب الهذرمة!

وهذا كان حال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ الذي ما كان يزيد في ختمه القرآن في رمضان عن مرة طوال الشهر، مدارسة مع جبريل عليه السلام! إلا عامَه الأخير؛ فقد ختمه مرتين، ولعل في ذلك إشارة للذين يستكثرون من الختم، دون تدبر، وربما دون قراءة صحيحة؛ تلك التي يسمونها ختمة الثواب!!

وما أجمل الجلوس في حلقة فيها تجويد للقرآن، وتدارس، وتدبر له، واستشراف لأسراره، ومشاركة لمن يحسن من الجالسين التأمل في الجوانب اللغوية، والذوقية، والتربوية، والفقهية، والتاريخية، واللغوية، والحضارية، وتأمل السنن، والمقاصد، والكليات، والأسرار التي يحفل بها كتاب الله تبارك وتعالى!

شهر رمضان فرصة لشحذ الهمم، وهو شهر الصيام والقرآن والاستغفار، وشهر الجود والخيرات.. نريد توضيح هذه الثنائية في تزكية النفس وتوثيق عرى المجتمع، في مسارين مترابطين؟

الإنسان ليس جسمًا صلدًا، أو كتلة مصمتة؛ بل هو جسد، وقلب، وعقل، وزمن! ولكل من هذه غذاؤه، وحاجاته، وأشواقه! ورمضان فرصة لتغذية هذه الجوانب بوعي وضبط؛ وفق منهاج الله تبارك وتعالى، حتى تتناغم تركيبة الإنسان وتنضبط وتتواءم!

والإنسان- كذلك- ليس جزيرة منعزلة عما سواها؛ بل هو كائن اجتماعي، لو طار عن الناس ما وقع إلا عليهم، ولا تتم حياته إلا بالتفاعل مع ما حوله، إذا أدى ذلك بشكل صحيح!

ومن رحمة الله تعالى أن جعل العبادة “فردية” و”متعدية”، فالفردية تلزم صاحبها، وأثرها الأكبر يعود عليه أكثر مما يعود على غيره، وأما العبادات المتعدية فأثرها عظيم، وفضلها عميم، وتخيل معي إنسانًا يدعو لنفسه لا للناس؛ كم يصيبه من الخير، وآخر يدعو لنفسه ولغيره معه: {رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} كم له من الأجر؟!

تخيل أحدًا يصلي، وثانيًا يسعي في حوائج الناس! كم لهما من الأجر؟ تخيل ساعيًا على أرملة ومسكين!

إن عمل الإنسان يتحرك على المسارين جميعًا (الفردي والجماعي) لتتحقق هذه الثنائية المثمرة الإيجابية في تزكية النفس، وتوثيق عرى المجتمع، في مسارين مترابطين لا يجوز إغفال أحدهما لحساب الآخر! اقرأ معي:

في الصحيحين عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَأَحْسِبُهُ قَال: (كَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ)!

وفي الحديثِ الحسنِ الذي رواهُ الطبرانيُّ وابنُ أبي الدُّنيا وغيرهُما: (أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ، وَأَحَبُّ الأَعْمَالِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى: سُرُورٌ تُدْخِلُهُ عَلَى مُسْلِم، أَوْ تَكَشِفُ عَنْهُ كُرْبَةً، أَوْ تَقْضِي عَنْهُ دَيْنًا، أَوْ تَطْرُدُ عَنْهُ جُوعًا! وَلأَنْ أَمْشِيَ مَعَ أَخِ فِي حَاجَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَعْتَكِفَ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ- يَعْنِي مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ– شَهْرًا، وَمَنَ كَفَّ غَضَبَهُ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ كَظَمَ غَيْظَهُ- وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُمْضِيَهُ أَمْضَاهُ- مَلأَ اللَّهُ قَلْبَهُ رَجَاءً يَوْمَ الْقِيَامَة،ِ وَمَنْ مَشَى مَعَ أَخِيهِ فِي حَاجَةٍ؛ حَتَّى يَتَهَيَّأَ لَهُ أَثْبَتَ اللَّهُ قَدَمَهُ يَوْمَ تَزُولُ الأَقْدَامِ)!

والاستغفار للمؤمنين والمؤمنات، من دعاء الرسل والأنبياء الكرام:

فقد دعا به نوح عليه السلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (نوح: 28)!

ودعا به إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ} (إبراهيم: 41)!

وأمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يدعو به فقال: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (محمد: 19)!

وحكاه الله عن المؤمنين الصادقين المخلصين فقال: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَان وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا؛ رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر: 10).

لذا فإن على أحدنا أن يعمل في المجالين على التوازي: إكرام نفسه بالإغراق في العبادات الرمضانية، والدأب في البذل الاجتماعي (وهو لنفسه أيضًا) بكل أشكال البذل: التعليم، والصدقات، والسعي في قضاء الحوائج، وسد المغارم، وإحقاق الحقوق، وأداء الوجبات الاجتماعية بدأ من (عشيرتك الأقربين)!

هل “رمضان” مجرد زمانٍ مبارك تضاعف فيه الحسنات، أو هو شيء أبعد من ذلك؟

أما كونه زمانًا مباركًا تضاعف فيه الحسنات، فنعم! لكنه- كذلك- فرصة لتبييض الصفحة المتسخة بالمآثم والمغارم، فشهر رمضان فرصة لشحذ الهمم و ترتيب الأولويات الإيمانية، ورده للطريق إن زاغ، وإنعاش للفتور الإيماني، وتنبيه لمشاعر الرغبة والرهبة، والمراقبة والمحاسبة، والسعي إلى الإحسان! وإرهاف حسه ودفعه نحو الربانية، وإيقاظ حاسة العمل العام وخدمة المجتمع المسلم، والتحريض على التقلل من الدنيا والاستكثار للآخرة!

كيف يكون رمضان روحًا تسري في بقية العام؟

لا يكون شهر رمضان فرصة لشحذ الهمم إلا باليقين الجازم بأن رب رمضان- تبارك وتعالى- هو رب الزمان كله، والمكان كله، والحكم والجزاء، والخلق والأمر، وأن إليه سبحانه الرجعى: {وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَىٰ وَالْآخِرَةِ ۖ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ}!