شرح ووصف ميسر للعمرة وأعمالها، بطريقة يدرك المسلم المعتمر كيف يؤدي مناسك العمرة ؟ وينطبق هذا على عمرة رمضان أو أي شهر أخر يؤدي فيه العمرة، فإن جميع السنة وقت للعمرة، فيجوز الإحرام بها في كل وقت من السنة، ولا يكره في وقت من الأوقات وسواء أشهر الحج وغيرها في جوازها من غير كراهة، وبهذا قال مالك وأحمد وأبو داود والجمهور، ولا يكره عمرتان وثلاث وأكثر في السنة الواحدة، بل يستحب الإكثار منها.
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله ﷺ قال: (يهل أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن) وقال ابن عمر: بلغني أن رسول الله ﷺ قال: (يهل أهل اليمن من يلملم).
وروى مسلم عن جابر وسئل عن المهل فقال سمعت النبي ﷺ قال: (مهل أهل العراق من ذات عرق).
الإحرام من الميقات
والإحرام من الميقات أفضل؛ لأن رسول الله ﷺ أحرم من ذي الحليفة ولم يحرم من المدينة، وإذا كان المسلم بمكة مستوطناً أو عابر سبيل وأراد العمرة، فميقاته أدنى الحل، فيكفيه أن يذهب إلى الحل من أي جهة من الجهات، وأما المستحب فمن الجعرانة؛ لأن النبي ﷺ اعتمر منها، أو من التنعيم؛ لأن النبي ﷺ أعمر عائشة منها[1]، وهي أقرب الحل إلى البيت.
استحباب الغسل عند الإحرام
وإذا أراد المعتمر أو الحاج أن يحرم من الميقات المحدد له، فمن السنة أن يتجرد من ثيابه ويغتسل كما يغتسل من الجنابة، والاغتسال عند الإحرام سُنة في حق الرجال والنساء حتى الحائض والنفساء. ثم بعد الاغتسال يلبس ثياب الإحرام ويلف رداءه على كتفه، ولا يُخرج الكتف الأيمن إلا في طواف القدوم، ثم يُصلي (غير الحائض والنفساء) الفريضة إن كان وقت فريضة، وإلا صلى ركعتين ينوي بهما سُنة الوضوء، وإن لم يُصل فلا حرج.
والإحرام من غير غسل جائز، قال ابن المنذر: أجمع أعيان أهل العلم على أن الإحرام بغير غسل جائز.
ويستحب أن يتأهب للإحرام بحلق العانة ونتف الإبط وقص الشارب وتقليم الأظافر؛ لأنه أمر يسن له الاغتسال والطيب، فسن له ذلك كالجمعة؛ ولأن الإحرام يمنع قطع الشعر وقلم الأظفار، فاستحب فعله قبل الإحرام لئلا يحتاج إليه في إحرامه.
ما يلبس المحرم من الثياب
أما ما يلبسه المحرم فالسنة أن يحرم في إزار ورداء ونعلين، وفي أي شيء أحرم جاز إلا الخف ونحوه والمخيط.
والمقصود بالمخيط: الثوب الذي يلبس، وقد فصل على الموضع الذي جعل له، حتى ولو كان في بعض البدن، كالسراويل والقميص والقفاز ونحو ذلك، سواء خيط بخيط أو ألصق بشيء كالصمغ والدبابيس والمسامير ونحو ذلك، أما إذا خيط حزاماً لحفظ نقود فلا يدخل في النهي.
ويستحب أن يكون الإزار والرداء أبيضين، والثوب الجديد في هذا أفضل من المغسول.
التلبية عند الإحرام
إذا فرغ من الصلاة أحرم وينوي بقلبه ويلبي بلسانه، فيقول: لبيك عمرة، لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك، وينبغي أن يرفع صوته بالتلبية، والمرأة تقوله بقدر ما يسمع من بجوارها فقط.
ومعنى (لبيك): اتجاهي وقصدي إليك، أو محبتي لك أو إخلاصي لك، أو أنا مقيم على طاعتك وإجابتك، وهذه الإجابة والتلبية إجابة لأمر الله عز وجل لإبراهيم {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا} [الحج:27]
وينبغي للمُحرم بالعمرة أن يُكثر من التلبية (خصوصاً عند تغير الأحوال والأزمان، مثل أن يعلو مرتفعاً، أو ينزل منخفضاً، أو يُقبل الليل أو النهار، وأن يسأل الله بعدها رضوانه والجنة، ويستعيذ برحمته من النار ) إلى أن يبتدئ بالطواف.
وأكثر أهل العلم على أن المعتمر لا يقطع التلبية حتى يستلم الحجر، ومن لا يحسن التلبية بالعربية لبى بلسانه كتكبيرة الإحرام وغيرها.
صفة العمرة
وعند دخول بيت الله الحرام يبدأ بأعمال العمرة على النحو الآتي:
الطواف حول الكعبة
ثم يقصد الحجر الأسود، ويبدأ بطواف العمرة، والابتداء بالطواف مستحب لكل داخل، سواء كان محرماًً أو غير محرم، إلا إذا خاف فوت الصلاة المكتوبة أو سنة راتبة أو مؤكدة أو فوت الجماعة في المكتوبة أو كان عليه فائتة مكتوبة، فإنه يقدم كل هذا على الطواف ثم يطوف، ولو دخل وقد منع الناس من الطواف صلى تحية المسجد.
واعلم أن العمرة ليس فيها طواف قدوم، وإنما فيها طواف واحد يقال له: طواف الفرض أو طواف الركن، والمحرم بالعمرة لا يتصور في حقه طواف القدوم، بل إذا طاف للعمرة أجزأه عنهما، ويتضمن القدوم، كما تجزئ الصلاة المفروضة عن الفرض وتحية المسجد.
- يشترط لصحة الطواف الطهارة من الحدث والنجس في الثوب والبدن والمكان الذي يطؤه في طوافه؛ لقوله ﷺ: (الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله تعالى أباح فيه الكلام)، فإن كان محدثاً أو مباشراً لنجاسة غير معفو عنها لم يصح طوافه.
ومما تعم به البلوى في الطواف ملامسة النساء بسبب الزحمة، فينبغي للرجل ألا يزاحمهن، وينبغي لهن ألا يزاحمن، بل يطفن من وراء الرجال.
وستر العورة شرط لصحة الطواف؛ لما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: (أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمره عليها رسول الله ﷺ قبل حجة الوداع في رهط يؤذن في الناس يوم النحر: ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان)، فمتى انكشف جزء من عورة أحدهما بتفريطه بطل ما يأتي بعد ذلك من الطواف، وإن كشف بلا تفريط وستر في الحال لم يبطل طوافه، كما لا تبطل صلاته.
شروط الطواف
ومن شروط صحة الطواف:
- كون الطواف داخل المسجد، أي: تطوف وأنت في صحن المسجد، تطوف وأنت في المسجد نفسه سواء في الدور الأول أو في الثاني أو فوق السطوح، كل هذا جائز، أما الطواف خارج المسجد فلا يصح، فلا بد أن يكون الطواف داخل المسجد.
- إكمال سبعة أشواط.
- الترتيب، فيبدأ طوافه بالحجر الأسود، وينتهي بالحجر الأسود، ويجعل أيضاً الحجر الأسود والبيت عن يساره.
- أن يكون جميع بدنه خارجاً عن جميع البيت، أي: يكون الطواف على أرض صحن المسجد، فلا يكون فوق شذروان الكعبة، ولا فوق السور الذي بجوار الكعبة، ولا يدخل بين بابي الحجر، فيدخل من باب ويخرج من الآخر، فهذا لا يصح طوافه؛ لأن الطواف لا بد أن يكون من وراء الحجر
- وحينما يبدأ بالطواف فإنه يجعل البيت عن يساره، وينطلق من عند الحجر الأسود، فإذا بلغ الرُكن اليماني استلمه من غير تقبيل، وإذا لم يتيسر له ذلك فلا يُزاحم عليه ولا يُشير إليه، ويقول بينه وبين الحجر الأسود (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار).وكلما مر بالحجر الأسود كبّـر.
- ويقول في بقية طوافه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة قرآن فإنما جُعل الطواف بالبيت والصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله.
سنن الطواف
وفي هذا الطواف ينبغي أن يراعي بعض سنن الطواف ليكون طوافه على الوجه المناسب، وهذه السنن هي:
- أن يكون ماشياً.
- أن يضطبع، وهذا في الطواف الأول الذي يأتي به، سواء كان طواف العمرة، أو كان في حج وسيكون في طواف القدوم، والاضطباع معناه: كشف المنكب الأيمن.
- الرمل، ويكون في الثلاثة الأشواط الأولى، والأربعة الباقية يمشي فيها.
- استلام الحجر الأسود وتقبيله، ووضع الجبهة عليه، واستلام الركن اليماني باليد اليمنى دون تقبيل. هذه من السنن، فإذا تيسر له ذلك فعل، وإذا لم يتيسر له فلا شيء عليه، والاستلام معناه: أن يضع يده عليه إن استطاع، ثم يضع جبهته كهيئة الساجد عليه، ويقبل الحجر الأسود، كل هذا يفعله إن استطاع ودون أن يؤذي أحداً من الناس.والركن اليماني السنة فيه الاستلام، فالكعبة لها أربعة أركان: ركنان يمانيان جهة اليمن، وركنان شاميان جهة الشام، فالركن الأول: هو الركن اليماني الذي فيه الحجر الأسود، وهو أول ركن في الطواف، فالبداية تكون من عنده. والركن الثاني: هو الركن الشامي، ثم تدور من وراء الحجر وتصل إلى الركن الثالث، وهو الركن الشامي الثاني، ثم تصل بعد ذلك إلى الركن الرابع، وهو الركن اليماني، فهذه الأربعة الأركان التي حول البيت. فالركنان الشاميان ليس فيهما استلام ولا تقبيل، والركن الذي فيه الحجر الأسود فإنك تستلم الحجر وتقبله وتسجد عليه، والركن اليماني الآخر السنة فيه المسح فقط، أي: الاستلام باليد من غير تقبيل، وهذا كله من سنن النبي صلوات الله وسلامه عليه.
- الأذكار المستحبة في الطواف خاصة بين الركنين فيقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
- الموالاة بين الأشواط، أي: أن تطوف الطواف الأول، والطواف الثاني بعده، والثالث بعده وهكذا، ولا تطوف ثم تجلس لترتاح فترة، ثم ترجع مرة ثانية، فإن السنة: أن يكون الطواف متتالياً بعضه بعد بعض ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
- الصلاة بعد الطواف ركعتين خلف مقام إبراهيم.
- أن يكون في طوافه خاشعاً، خاضعاً، متذللاً، خاضع القلب، ملازم الأدب بظاهره وباطنه، وفي حركته ونظره، وهيئته، يستشعر أنه في بيت الله سبحانه، فيكون جم الأدب في هذا المكان، في غاية الاحترام لهذا المكان، ويكون متواضعاً لخلق الله سبحانه، فلا يؤذي أحداً حتى لو آذاه الناس في هذا المكان.
الشرب من ماء زمزم
يسن بعد الطواف الشرب من ماء زمزم وينوي عند شربه الشفاء ويسأل الله من خير الدنيا والآخرة، ويستقبل القبلة، ويتضلع منه أي (يشبع) لحديث النبي ﷺ (خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم،فيه طعام الطعم ،وشفاء السقم)
السعي بين الصفا والمروة وصفته
إذا فرغ من ركعتي الطواف قلنا: السنة أن يرجع إلى الحجر الأسود، ثم يذهب إلى باب الصفا ويخرج منه، حتى إذا دنا من الصفا قرأ: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة:158].
وحكم السعي بين الصفا والمروة على الراجح من كلام أهل العلم أنه ركن من أركان في الحج والعمرة، والمقصود بالركن: أنه من لم يأت بالسعي بين الصفا والمروة فإنه يلزمه أن يرجع مرة ثانية ليأتي به، وإذا كان هذا الإنسان محرماً بالحج أو بالعمرة ولم يأت بهذا الركن فما زال محرماً عليه أن يأتي النساء حتى يسعى بين الصفا والمروة ويكمل حجه، وكذلك الذي اعتمر فطاف بالبيت ولم يسع وذهب إلى بيته نقول له: إنه فرض عليك أن ترجع وتأتي بالسعي بين الصفا والمروة، وما زلت محرماً، فلا يجوز لك أن تأتي النساء.
فيبدأ بالصفا فيرقى عليه قدر قامة، أي: أنه يصعد على الصفا قليلاً حتى إذا رأى البيت كبر الله وهلله وحمده، فينظر ويتوجه إلى البيت وهو فوق الصفا، وهذا بحسب الاستطاعة، فالزحام أحياناً يكون شديداً فيصعب عليه أن يقف في مكان يرى البيت وخاصة مع الأبنية الموجودة، ومع السلالم التي تمنع الرؤية من جهة وتسمح بها من جهة أخرى، فعلى ذلك بحسب ما يتيسر للإنسان أن يقف ويستقبل البيت وينظر إلى الكعبة، ثم يكبر الله: الله أكبر، ويهلل الله: لا إله إلا الله، ويحمد الله: الحمد لله، ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ثم يدعو بما أحب من خير الدين والدنيا والآخرة لنفسه ولمن شاء.
واستحب العلماء أن يدعو بما دعا به ابن عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه، فقد كان له دعاء يدعو به بعد أن ينتهي من الركعتين خلف مقام إبراهيم، وأيضاً وهو واقف على الصفا والمروة، فعن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول على الصفا: (اللهم إنك قلت {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60] وإنك لا تخلف الميعاد، وإني أسألك كما هديتني إلى الإسلام ألا تنزعه مني حتى تتوفاني وأنا مسلم، اللهم اعصمنا بدينك وطواعيتك وطواعية رسولك، وجنبنا حدودك، اللهم اجعلنا نحبك ونحب ملائكتك وأنبياءك ورسلك ونحب عبادك الصالحين، اللهم حببنا إليك وإلى ملائكتك وإلى أنبيائك ورسلك وإلى عبادك الصالحين، اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى، واغفر لنا في الآخرة والأولى، واجعلنا من أئمة المتقين)، فإذا قال هذا الدعاء الذي كان يدعو به عبد الله بن عمر فحسن، وإذا قال أي دعاء آخر فجائز.
ثم ينزل من الصفا إلى المروة ماشياً، فإذا بلغ العلم الأخضر أسرع الرجل قليلاً ولا يؤذي أحداً، فإذا بلغ العلم الأخضر الثاني مشى كعادته، إلى أن يصل إلى المروة فيرقى عليها ويستقبل القبلة، ويرفع يديه كرفعهما في الدعاء، ويقول ما قاله على الصفا.
ثم ينزل من المروة إلى الصفا، فيمشي في موضع مشيه، ويسرع في بين العلمين الأخضرين. فإذا وصل الصفا، فعل كما فعل أول مرة، وهكذا المروة حتى يُكمل سبعة أشواط، ذهابُهُ من الصفا إلى المروة شوط، ورجوعه من المروة إلى الصفا شوط آخر. ويقول في سعيه ما أحب من ذكر ودعاء وقراءة قرآن.
إذا أتم سعيه سبعة أشواط، حلق رأسه أو قصر إن كان رجلاً، وإن كانت امرأة فإنها تقصر من أطراف شعرها قدر أنملة.
وبالنسبة إلى الرجال ينبغي أن يكون الحلق شاملاً لجميع الرأس، وكذلك التقصير يعم به جميع جهات الرأس. والحلق أفضل من التقصير، وبهذه الأعمال تمت العمرة.
ثم بعد ذلك يُحل من إحرامه إحلالاً كاملاً، ويفعل كما يفعله المُحلّون من اللباس والطيب والنكاح وغير ذلك.
هذا باختصار وصف ميسر وبسيط ليعرف المؤمنون كيف يؤدي المسلم مناسك العمرة؟
للمزيد زيارة صفحة الحج والعمرة