ماهي التوبة وكيف نتوب؟
أولا الانتباه: هل أخطأت يومًا ووددت لو تُتاح لك فرصة جديدة؟ التوبة هي بوابة العفو والأمل، باب مفتوح أمام كل من يرغب في تصحيح المسار والعودة إلى الله بنية صادقة.
ثانيا الاهتمام: التوبة ليست مجرد شعور بالندم، بل هي عملية تغيير شاملة للروح والسلوك، تدفع الإنسان نحو حياة أكثر طهارة وسلام. وقد جعلها الله سبحانه وتعالى طريقًا لمغفرته، ووسيلةً لإعادة بناء العلاقة بين العبد وربه.
ثالثا الرغبة: تخيل راحة البال والسلام الداخلي بعد العودة إلى الله والتخلص من الأثقال النفسية، لتصبح أكثر قربًا من الخالق وأكثر استقامة. التوبة النصوح هي وعد ببداية جديدة، حيث يُبدل الله السيئات إلى حسنات ويهب التائب سكينة وطمأنينة.
رابعا التحفيز: اقرأ لتتعرف على شروط التوبة النصوح وكيفية تحقيقها بصدق وإخلاص. اجعل هذه اللحظة بداية لطريق جديد وعودة صادقة، واستمتعبثمار راحة البال التي تثمرها التوبة الصادقة.
ماهي التوبة؟
التوبة في اللغة تعني الرجوع عن الخطأ والعودة عن المعصية. أما في الاصطلاح الشرعي، فالتوبة تعني الإقلاع عن الذنب والعودة إلى الله بالتوجه الصادق والإخلاص له، مع الشعور بالندم على ما مضى والعزم على عدم العودة للذنب. وقد وردت آيات كثيرة تحث على التوبة، مثل قوله تعالى: “إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ” (البقرة: 222). ويشير هذا إلى أن التوبة ليست فقط مرغوبة، بل محبوبة عند الله، حيث يحب أن يرى عباده يتوبون ويعودون إليه بقلوب خاشعة.
ماهي التوبة وكيف نتوب؟
التوبة هي إحدى أعظم النعم التي منَّ الله بها على عباده، فهي باب مفتوح لكل من أراد الرجوع إلى الله بعد زلّة أو خطيئة. إنها ليست مجرد شعور بالندم، بل هي عملية إصلاح وإعادة بناء للروح والقلب. وقد جعل الله التوبة سبيلًا للنجاة وسبيلًا إلى الرحمة والمغفرة، فهي مفتاح الراحة النفسية وراحة البال. والسؤال المحوري الذي يشغل بال الكثيرين هو: “ماهي التوبة وكيف نتوب؟”، وهو سؤال يعكس رغبة صادقة في العودة إلى الله والتوبة من الذنوب، ويعتبر دليلًا على حياة القلب وحساسية الضمير.
كثيرًا ما تتردد على أسماعنا عبارة “التوبة النصوح”، وقد عرفها العلماء بأنها هي التي تتضمن الإقلاع عن الذنوب كلها، والندم عليها، والعزم على عدم العودة إليها، ورد المظالم إلى أهلها، وأن تكون طلبًا لثواب الله ورحمته، وهربًا من عذابه وعقوبته، يقول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ويُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ}. فماهي التوبة وكيف نتوب؟
نحن نحتاج للتوبة دائمًا، في كل وقت وفي كل حين، فالتوبة لازمة لجميع المؤمنين، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتوبة، فقال: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } وقال عز وجل: { يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا }، وقال عز وجل: { إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }.
وقال النبي ﷺ: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللَّهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ }
للتائبين صور متعددة فأي هذه الصور صورتك؟
حتى نعرف ماهي التوبة وكيف نتوب؟ نقول أن للتائبين صور متعددة، فانظر أين تجد نفسك في هذه الصور..
الصورة الأولى:
عبد مستقيم على التوبة والإنابة، لا يحدث نفسه بالعودة إلى معصية طيلة حياته، يستبدل بسيئاته الحسنات، وهذا سابق بالخيرات، نفسه مطمئنة، راضية مرضية.
الصورة الثانية:
عبد عاقد على التوبة، وفي نيته الاستقامة، ولا يسعى في المعصية، ولا يقصدها، ولا يهتم بها، ولكنه قد يُبتلَى بدخولها عليه من غير قصد منه، ويُمتَحَن بالهم واللمم، فهو مؤمن تُرجَى له الاستقامة؛ لأنه في طريقها، ونفسه نفس لوامة، تلومه إن عصى، وتلومه إن قصَّر في الطاعة.
الصورة الثالثة:
عبد يعصي ثم يتوب، ثم يعود للمعصية، ثم يحزن على فعله لها وسعيه إليها، إلا أنه يُسَوِّف بالتوبة، ويحدث نفسه بالاستقامة، ويحب منازل التوابين، ويرتاح قلبه إلى مقام الصديقين؛ لكن الهوى يغلبه، والعادة تجذبه، فهو ترجى له الاستقامة لمحاسن عمله، وتكفيرها السالف من سيئاته، وقد يُخشَى عليه الانتكاس والانقلاب، لمداومة خطئه.
ونفس هذا العبد نفس مُسَوِّلة، وهو ممن خلط عملاً صالحًا وآخر سيئًا، عسى الله أن يتوب عليه فيستقيم ويلحق بالسابقين.
الصورة الرابعة:
إنه أسوأ العبيد حالاً، وأعظمهم على نفسه وبالاً، وأقلهم من الله نوالاً، يعصي ثم يتبع المعصية بمثلها أو أعظم، يقيم على الإصرار، ويحدث نفسه بفعل المعاصي إذا قدر عليها، لا ينوي توبة، ولا يعزم استقامة، لا يرجو من الله وعدًا، ولا يخشى منه وعيدًا. ونفس هذا نفس أمَّارة، وروحه من الخير فرارة، ويُخشى عليه سوء الخاتمة لسلوكه طريقها.
عند التوبة .. انظر لثلاثة أشياء
قالوا بشأن السؤال: ماهي التوبة وكيف نتوب؟ يجب عند توبتك من الذنب أن تنظر إلى ثلاثة أشياء:
انخلاعك من العصمة حين إتيانه، وفرحك عند الظفر به، والإصرار عليه وقعودك عن تداركه، مع تيقنك نظر الله عز وجل إليك.
1- انخلاعك من العصمة حين إتيانه
فإن الله عز وجل ما خلى بينك وبين الذنب إلا بعد أن خذلك وخلى بينك وبين نفسك، ولو عصمك ووفقك لما وجد الذنب إليك سبيلاً، فقد أجمع العارفون بالله على أن الخذلان أن يكلك الله إلى نفسك ويخلي بينك وبينها.
2- فرحك عند الظفر به
إن فرحك عند الظفر بالمعصية دليل على شدة الرغبة فيها والجهل بقدر من عصيته، والجهل بسوء عاقبتها وعظم خطرها، ففرحك بها غطى على ذلك كله، وفرحك بها أشد ضررا عليك من مواقعتها.
والمؤمن لا تتم له لذة بمعصية أبدًا، ولا يكمل بها فرحه، بل لا يباشرها إلا والحزن مخالط لقلبه، ولكن سُكْر الشهوة يحجبه عن الشعور به، ومتى خلا قلبه من هذا الحزن واشتدت غبطته وسروره، فليتَّهِمْ إيمانه، وليبكِ على موت قلبه.
3- الإصرار عليه وقعودك عن تداركه
الإصرار هو الاستقرار على المخالفة، والعزم على المعاودة، وذلك ذنب آخر لعله أعظم من الذنب الأول بكثير. وهذا من عقوبة الذنب، فإنه يوجب ذنبًا أكبر منه، ثم الثاني كذلك، ثم الثالث كذلك، حتى يحدث الهلاك، فـ الإصرار على المعصية معصية أخرى، والقعود عن تدارك ما فاتك من الخير بسبب المعصية يعتبر إصرارًا ورضا بها وطمأنينة إليها، وذلك علامة الهلاك.
قال سهل بن عبد الله: الجاهل ميت، والناسي نائم، والعاصي سكران، والمصرُّ هالك، والإصرار هو التسويف، والتسويف أن يقول: أتوب غدًا؛ وهذا دعوى النفس، كيف يتوب غدًا لا يملكه!.
وعلى هذا فالتوبة من المعصية مع بقاء لذتها في القلب، وتمني ارتكابها إن وجد إليها السبيل، وحديث النفس الدائم بلذتها، هذه التوبة تسمى توبة الكذابين، وهي التي وصف أبو هريرة صاحبها بأنه كالمستهزئ بربه، فهي توبة غير مقبولة، فضلاً عن الإثم الذي يلحق بصاحبها من مخادعته لله عز وجل.
فضل التوبة وأهمية التوبة
للتوبة فضل عظيم عند الله، فهي تُكفر الذنوب وتغفر السيئات. وقد بيّن الله أن التائب يُبدل سيئاته حسنات، فقال تعالى: “إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ” (الفرقان: 70). وهذه الآية تدل على عظيم فضل التوبة في الإسلام.
التوبة ليست مجرد خيار، بل هي ضرورة، إذ إن التوبة:
- تُصلح الإنسان: تُعزز من قوة الإرادة وتدفع الإنسان للإصلاح.
- تحسن المجتمع: عندما يتوب الأفراد ويصبحون أكثر استقامة، يقل الفساد في المجتمع.
- تقرب من الله: تجعل الإنسان أكثر قربًا من ربه، وأكثر أملًا في رحمته.
الحكمة من تشريع التوبة
إن التوبة هي تعبير عن عظمة رحمة الله ورغبته في مغفرة ذنوب عباده، مهما كانت كثرتها أو شدتها. من حكمة تشريع التوبة:
إعطاء العباد فرصة للإصلاح:
التوبة تفتح للإنسان باب الأمل وتدفعه إلى تحسين نفسه وإصلاح مساره بعد الخطأ.
تحقيق التوازن النفسي والروحي:
عندما يشعر العبد بأن الله يقبل توبته، يزداد قربه من الله ويشعر براحة وسكينة.
منع انتشار الفساد: بفضل التوبة، يتجنب الإنسان تكرار الخطأ ويحسن من سلوكه، ما يقلل من المفاسد في المجتمع.
تقوية العلاقة مع الله:
تشريع التوبة يجعل الإنسان دائم التوجه إلى الله طالبًا غفرانه، مما يخلق علاقة متينة معه قائمة على الحب والرحمة.
من شروط التوبة
1- أن تكون التوبة لله:
- فلا بد أن يكون الإقلاع عن المعصية والندم عليها والعزم على عدم معاودتها. لا بد أن يكون هذا كله من أجل الله عز وجل، رغبة في ثوابه، وخشية من عقابه.
- فمن أقلع عن شرب الخمر؛ لأن الطبيب حذره من شربها، وأنها ستودي بصحته، فتركها من أجل ذلك، لا يُعَد تائبًا، ولا يكون تركه لهذه النية توبة. ومن أقلع عن الزنى؛ لإصابته بمرض (الإيدز) مثلاً، أو خشي الإصابة به، أو بغيره من الأمراض التناسلية، فخاف على نفسه وهجر الزنى، لم يكن فعله ذلك توبة شرعية. ومن أقلع عن الاتجار بالمخدرات، خوفًا من مطاردة الشرطة، ومن العقوبة التي تنتظره، لم يكن تائبًا، ولا إقلاعه توبة. ومن أقلع عن القمار؛ لأنه خسر ماله فيه، وأفلس وضاعت ثروته، لم يكن ذلك توبة منه، ولم يدخل في زمرة التائبين.
- ولكن إذا حركت مصائب الدنيا وخسائرها بواعث الإيمان في قلب الإنسان، وجعلته يراجع نفسه ويتذكر آخرته، فتاب عند ذلك، فهو من المقبولين إن شاء الله
2- الندم:
فحقيقة التوبة هي الندم على ما سلف منك في الماضي، والإقلاع عنه في الحال، والعزم على أن تفعله في المستقبل. ولا تتحقق التوبة إلا بذلك، فعدم الندم على القبيح دليل على الرضا به، والإصرار عليه.
3- الإقلاع:
فالتوبة تستحيل مع مباشرة الذنب.
4- الاعتذار:
- والمقصود بالاعتذار: إظهار الضعف والمسكنة لله عز وجل، وأنك لم تفعل الذنب عن استهانة بحقه سبحانه وتعالى، ولا جهلاً به، ولا إنكارًا لاطلاعه، ولا استهانة بوعيده، وإنما كان ذلك من غلبة الهوى، وضعف القوة عن مقاومة الشهوة، وطمعًا في مغفرته سبحانه وتعالى، واتكالاً على عفوه، وحسن ظن به، ورجاء لكرمه، وطمعًا في سعة حلمه ورحمته.
- وما فعلت ذلك الذنب إلا بسبب ما غرَّك به الغَرور، والنفس الأمارة بالسوء، وستره سبحانه وتعالى المرخَى عليك، وأعانك على ذلك جهلك، ولا سبيل إلى الاعتصام لك إلا به عز وجل، ولا معونة على طاعته إلا بتوفيقه. ونحو هذا من الكلام المتضمن للاستعطاف والتذلل والافتقار إليه عز وجل، والاعتراف بالعجز والإقرار بالعبودية، فهذا من تمام التوبة.
5- الاستدراك ورد الحقوق:
أولاً: حقوق الله عز وجل: وهي إما أوامر وطاعات قد قصَّرت فيها، أو مناهي ومعاصي ارتكبتها.
أما الطاعات، فإن كنت قد تركت صلاة، أو صليتها فاقدة شرطًا من شروط صحتها، فيجب عليك أن تقضيها كلها إذا كنت تعلم عددها، فإن كنت لا تعلم عددها أو تشك فيه، فخُذ بغالب الظن بعد الاجتهاد والتحري. ثم لتكثر بعد ذلك من صلوات النوافل، كالسنن الراتبة وقيام الليل.
وإن كنت تركت صيام يوم أو أيام من صيام الفريضة، فأحصِ عددها واقضها، ثم زد بعد ذلك من صوم النافلة، كالإثنين والخميس والأيام البيض.
وأما إن كان فرَّط في الزكاة، فيحسب ما كان يجب عليه إخراجه ويخرجه على حسب غلبة ظنه.
وإن كان تيسر له سبيل الحج واستطاع ولم يحج، فعليه أن يبادر بالحج، وأن يسعى لأداء الفريضة قبل أن يدركه الموت.
وأما المعاصي، فيجب أن يحصيها، بأن ينظر في أيامه وساعاته، ويفتش في جوارحه، ويسجل كل معاصيه، من صغائر وكبائر، ثم يسعى في تكفيرها كلها.
ثانيًا: حقوق ومظالم الناس: شدد الشرع في حقوق ومظالم العباد ما لم يشدده في حقوق الله عز وجل، فقد ألزم الشرع التائب أن يرد الحقوق إلى أصحابها إن كانوا أحياء، أو إلى ورثتهم إن ماتوا. فإن لم يستطع ردها فليستحل منه بعد إعلامه بها، إن كان حقًّا ماليًّا أو جناية على بدنه، فقد قال النبي ﷺ: ((مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ)) .
فإن لم يسامحه صاحب الحق ويتحلل له فعليه أن يسعى ما استطاع في تحصيل هذا الحق ورده إلى صاحبه.
فإن لم يجد أصحاب الحقوق ولا ورثتهم، فعليه أن يتصدق بهذه الحقوق عن أصحابها، ويدفعها إلى الفقراء والمحتاجين، أو إلى جهات الخير ومصالح المسلمين.
أما المظالم الأدبية، كالغيبة والسب والسخرية والاستهزاء، فقد اختلف العلماء في كيفية التوبة منها، فقال بعضهم: يجب على التائب إعلام من اغتابه أو سبه، والتحلل منه، وقال البعض الآخر: يتوب بينه وبين الله، ولا يشترط إعلام من قذفه أو اغتابه.
والقول الوسط بينهما هو: إن لم يترتب على إخباره وإعلامه مفسدة وضرر، فيجب إخباره والتحلل منه، وإن ترتب على إخباره مفسدة أو ضرر، فتُدفَع المفسدة، ويتوب بينه وبين الله ولا يخبره، ويدعو له.
عندما نتحدث عن ماهي التوبة وكيف نتوب؟ يجب أن نعرف أن التوبة ليست قولاً باللسان، كما يفهم كثير من العوام، حين يذهب أحدهم إلى بعض المشايخ، فيقول له: “تَوِّبني يا سيدنا الشيخ” !! فيقول الشيخ: ردد ورائي، أو قل معي: “تبت إلى الله، ورجعت إلى الله، وندمت على ما فعلت…” إلى آخر الصيغة المعروفة. فإذا ردد هذه الكلمات وراء الشيخ، خرج من عنده، وظن أنه قد تاب!!. وهذا جهل من الطرفين، فالتوبة ليست مجرد كلام يلوكه اللسان، ولو كانت كذلك ما كان أسهلها.
التوبة أمر أكبر من ذلك وأعمق وأصعب، ومعرفة ماهي التوبة وكيف نتوب؟رأمر ليس بالسهل. إن عمل اللسان مطلوب فيها بعد أن تتحقق وتتأكد، ليعترف بالذنب ويسأل الله المغفرة، أما مجرد الاستغفار، أو إعلان التوبة باللسان – دون عقد القلب – فهو توبة الكذابين، كما قال ذو النون المصري، وهو ما قالته السيدة رابعة: “إن استغفارنا يحتاج إلى استغفار!!” حتى قال بعضهم: “أستغفر الله من قولي: أستغفر الله” أي باللسان من غير توبة وندم بالقلب.
أنواع التوبة
تتعدد أنواع التوبة بناءً على أسبابها ومواقفها، ومن أهم أنواعها:
التوبة العامة:
وهي التوبة من جميع الذنوب، بحيث يعزم الشخص على بدء حياة جديدة.
التوبة الخاصة:
التوبة من ذنب معين يكون العبد قد أدرك عظيم خطره وآثاره السيئة.
التوبة المستمرة:
وهي توبة مستمرة عن الذنوب التي قد يقع فيها الإنسان بين الحين والآخر، كتجديد العهد مع الله والتخلص من الأخطاء اليومية.
ماهو مفهوم التوبة النصوح؟
التوبة النصوح هي التوبة الصادقة التي يُخلص فيها الإنسان إلى الله دون أن يكون لديه أي طمع دنيوي أو هدف ريائي. إنها توبة يشعر صاحبها بصدق الندم على ما فات، ويشعر برغبة حقيقية في الإصلاح. وقد أشار الله إلى ذلك في قوله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا” (التحريم: 8). والتوبة النصوح لا تكون إلا إذا توفر فيها الإخلاص لله، واستعداد النفس للتغيير، والرغبة في حياة طاهرة بعيدة عن الذنوب.
كيفية التوبة النصوح
للتوبة النصوح خطوات يجب اتباعها للوصول إلى حالة التوبة الخالصة، وهي:
الإكثار من الاستغفار:
فالاستغفار هو بداية التوبة وعمودها، ويجب أن يكون بصدق وإخلاص.
العزم الصادق:
العزم القلبي على عدم العودة إلى الذنب مهما كانت الظروف.
الابتعاد عن مصادر الذنب:
تجنب الأماكن والأشخاص الذين قد يدفعون الإنسان للعودة إلى الذنب.
تعويض الذنب بالأعمال الصالحة:
فالتوبة لا تكتمل إلا بتعويض ما فات بالأعمال الصالحة، كالصلاة، والصدقة، والدعاء.
ملازمة الدعاء:
الدعاء بأن يقبل الله التوبة، ويساعد العبد على الثبات على الحق.
آثار التوبة النَّصوح
تُعد التوبة النصوح دافعًا للتغيير الحقيقي في حياة العبد، ومن آثارها:
- راحة البال وطمأنينة النفس.
- تحسين السلوك والبعد عن مواطن الفتن.
- تنمية الإيمان والزيادة في أعمال الخير.
5 من علامات قبول التوبة
توجد عدة علامات قد تدل على أن الله قد قبل توبة عبده، ومنها:
- أن يكون بعد التوبة خيرًا مما كان قبلها.
- أن لا يزال الخوف مصاحبًا له لا يأمن مكر الله طرفة عين، فخوفه مستمر إلى أن تفيض روحه إلى بارئها.
- رقة قلبه وانخلاعه وتقطعه ندمًا وخوفًا، ولا ريب أن الخوف الشديد من العقوبة العظيمة يوجب انصداع القلب وانخلاعه حسرة على ما فرط منه، وخوفًا من سوء عاقبته. وقد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال: اجلسوا إلى التوابين فإنهم أرق أفئدة.
- أن تتمكن مرارة تلك الذنوب في قلبه بدلا عن حلاوتها، فيستبدل بالميل كراهية وبالرغبة نفرة..
- كسرة خاصة تحصل للقلب، بين يدي الرب، كسرة تامة قد أحاطت به من جميع جهاته، وألقته بين يدي ربه طريحًا ذليلاً خاشعًا.
فمن لم يجد ذلك في قلبه، فليتَّهم توبته، وليرجع إلى تصحيحها، فما أصعب التوبة الصحيحة بالقلب، وما أسهلها باللسان.
حكم التوبة وحكم تأجيلها
التوبة واجبة على كل مسلم، سواء أكانت عن ذنوب كبيرة أم صغيرة، كما أُمر بها الرسول ﷺ فقال: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ، تُوبُوا إِلَى اللهِ، فَإِنِّي أَتُوبُ فِي اليَومِ مِئَةَ مَرَّةٍ”، فالتوبة واجب شرعي لا يُقبل التأخير فيه. ويعلم الكثير من الناس أن الحلال بيِّن، والحرام بين، وكثير ممن يرتكبون الذنوب يعرفون أنهم يفعلون ما حرمه الله ـ تعالى ـ ولكنهم ينتظرون أن يتقدم بهم العمر، فيتوبون، ويقولون: إن الله غفور رحيم.
هذا المسلك بلا شك غير مقبول شرعا، بل قد حذر الله تعالى ورسوله ﷺ من تأجيل التوبة وتأخيرها، وأمرا بالمسارعة إلى التوبة عقب الوقوع في السيئة وفعل الحسنات بعدها لتمحوها، كما قال تعالى : ( إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين) وقال: ( ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون) وقال ﷺ: ( وأتبع السيئة الحسنة تمحها).
يقول الدكتور عبد الرحمن العدوي ، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر:
لقد تكفل الله ـ تعالى ـ بالتوبة على عباده الذين يقعون في السوء بجهالة، ثم يتوبون من قريب، فأولئك يتوب الله عليهم. قال الله تعالى: ( إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليمًا حكيما).
أما أولئك الذين يعملون السيئات، ويصرون عليها، ويستمرون فيها، ويؤخرون التوبة والرجوع إلى الله إلى آخر العمر، فهؤلاء ليسوا أهلاً لرحمة الله ومغفرته، فإنهم لو عرفوا أن الله غفور رحيم لبادروا إلى طلب هذه المغفرة إن كانوا يرجونها، ومن يدريهم أنهم سيتقدم بهم العمر، وأن الموت لا يفاجئهم قبل أن يتوبوا، فيلقون الله وهم أهل معصية لم يستغفروا الله منها، والتوبة عند حضور الموت غير مقبولة، فقد كان أمامهم فسحة من الوقت أضاعوها في المعاصي، وسيقول الله لهم: ( أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير).
وفي هؤلاء الذين يقولون نؤخر التوبة إلى آخر العمر، والله غفور رحيم يصدق عليهم ما ورد في الأثر الذي في مسند الفردوس عن أنس : ” ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي، ولكن الإيمان ما وقر في القلب، وصدقه العمل، وإن قوما غرتهم الأماني فخرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، قالوا نحسن الظن بالله، وكذبوا، لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل” وري عن الحسن، ورفع إلى النبي ﷺ لكن بسند ضعيف ، ويصدق عليهم قول الله تعالى: ( وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن ولا الذين يموتون وهم كفار أولئك اعتدنا لهم عذابًا أليما).
خلاصة
التوبة هي السبيل الذي يوصِل الإنسان إلى رضا الله وغفرانه، وهي جسر الأمل لكل مذنب يسعى للتوبة. إن السؤال “ماهي التوبة وكيف نتوب؟” يعبر عن رغبة في النقاء والإصلاح، وهو مفتاح الخير لكل من أراد حياة مطمئنة وصافية من الذنوب. فالتوبة تجدد النفس، وتعيد بناء علاقة قوية بالله، وهي مفتاح النجاح في الدنيا والآخرة.
تهاني علي + إسلام أونلاين
5>