بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. الأخت الكريمة.. بارك الله لك في ولدك وابنتك وزادك حرصًا على ما ينفعهما.
بداية لا بد من تفسير التغير في سلوك ولديك تجاه حفظ القرآن الكريم، فحداثة الأمر وكثرة التشجيع وقلة الكم المطلوب حفظه كلها كانت عوامل نجاح في البداية، ومع مرور الوقت وكما هو متوقع بدأت المسألة تفقد الكثير من البريق، بسبب الاعتياد وفتور التشجيع وتراكم الكم المطلوب حفظه، مما يشعر الطفل بأن القرآن الكريم مادة صعبة تحتوي على الكثير من المفردات اللغوية غير المفهومة والمتشابهة، وأن الكم المطلوب في تزايد مستمر مما يزيد من صعوبة المسألة، بالإضافة إلى أنها أصبحت أحد أسباب استياء الوالد أو الوالدة من الطفل؛ لأنه لم يصل إلى المستوى المرجو.
وهنا يطرأ السؤال:
من المسئول عن هذا الشعور لدى الطفل؟ الإجابة هي: نحن وعصرنا ومجتمعنا.
فمجتمعنا يتحدث اللغة العامية، وبالتالي أصبحت اللغة العربية -لغة القرآن- غريبة على الآذان ثقيلة على اللسان، وعصرنا يقدم للطفل الكثير من المغريات الصارفة عن حفظ القرآن (ألعاب الفيديو – أفلام الكرتون -… إلخ) من ناحية، ومن ناحية أخرى تؤكد مؤسساته التعليمية والإعلامية على ذم الحفظ وعدم جدواه، وأن التعليم القائم على الحفظ والتلقين لا فائدة له ولا جدوى منه، وهذا الأمر يستشعره الأطفال عمليًّا وإن لم يستوعبوه نظريًّا.
ونحن المسلمين الصالحين ربما لا يستحوذ القرآن الكريم على قدر كبير من اهتمامنا وأوقاتنا في نفس الوقت الذي نطالب فيه أولادنا بذلك.
المراد من هذه المقدمة إدراك أن نجاح أولادك في حفظ القرآن الكريم يتطلب منك الرفق الشديد والصبر المديد والعمل الرشيد، فأمامك هدفان أساسيان:
1 – تغيير البيئة المحيطة بأولادك إلى بيئة مساعدة ومحفزة على حفظ القرآن.
2 – تغيير أفكار ومشاعر أطفالك تجاه حفظ القرآن، وبالتالي تغيير سلوكهما تجاه هذه المسألة.
وتحقق الهدف الأول يؤدي إلى تحقيق الهدف الثاني وإليك بعض الاقتراحات العملية:
1 – التعاون مع الأصدقاء والجيران لإعادة نظام الكتاب إلى مجتمعنا مع مراعاة حسن اختيار المحفظ الحنون الواسع الاطلاع القادر على جذب الانتباه والتشويق وكذلك حسن اختيار الأقران.
هذا الاقتراح سيوفر لأبنائك مناخًا مناسبًا للحفظ من حيث الشعور بالمشاركة وتنظيم الوقت ووسائل التشويق والتفاعل.
2- تحبيب الأولاد في اللغة العربية عن طريق القصص المسلية وأفلام الأطفال الهادفة الناطقة باللغة العربية الفصحى حتى يألفوها وتطرب لها آذانهم وتصدح بها ألسنتهم.
3 – رفع درجة الاهتمام بالقرآن الكريم داخل المنزل فيرى أولادك من يقرأ القرآن بصوت نديّ في النهار، ومن يقوم به في الليل للصلاة، وكلما جاء ضيف أو قريب اطلبي منهم أن يسمعوه ما حفظوه هذا الأسبوع وإذا فعلوا فكافئيهم وشجعيهم.
4 – تشويق الأطفال إلى القرآن عن طريق قصص القرآن وقصص الأنبياء والتفسير المبسط لكل سورة يحفظونها.
5 – عمل جدول يومي لهم بالأعمال المطلوب إنجازها بحيث يحتوي على فقرة القرآن وسط فقرتين من الأعمال المحببة إليهم.
6 – مشاركة الأطفال في الحفظ فالأب أو الأم يحفظ ويسمع لهم ويطلب منهم نفس الشيء، ثم تتفق الأسرة على صلاة ركعتين كقيام لليل يؤم الطفل فيها أخته أو أباه أو أمه وتؤم فيها الطفلة أمها ويقرأ أو تقرأ كل يوم صفحة أو صفحتين، مما تحفظ وبعد الصلاة يتناولان مشروبا أو حلوى.
7 – عدم إشعار الطفل بالاستياء أو التقصير، بل الثناء الدائم والتشجيع المستمر ومراعاة التقلبات المزاجية لدى الأطفال.
أما عن مسألة الصلاة فإليك ما كتبته ردًّا على سؤال مماثل:
من ثمرات التربية التغيير في الشخصية والسلوك في اتجاه إيجابي ونموها في هذا الاتجاه كمًّا ونوعًا؛ ولذلك فهي تحتاج إلى فكر ووقت وجهد، وكلما ازدادت أهمية الهدف المراد الوصول إليه من خلال التربية ازداد الوقت والجهد المطلوبان لإنجازه، ولذلك أمر الرسول ﷺ بتعويد الأطفال على الصلاة قبل موعد التكليف بها بزمن طويل قد يمتد إلى خمس أو ست سنوات لتكون هناك فسحة طويلة لإنشاء هذه العادة وترسيخها من خلال الممارسات التربوية الآتية:
1 – إشعار الطفل بأهمية الصلاة وتحبيبها إليه باستخدام الوعظ والقصة والحدث، والمقصود بالتربية بالحدث استغلال حدث معين لإعطاء توجيه معين، والتربية بالقصة لون آخر من التربية يستخدم الحدث، ولكنه حدث خارجي وقع لأشخاص آخرين ومع ذلك فهو مؤثر في النفس كما لو كان يقع للإنسان ذاته.
ومن أمثلة القصص التي يمكن استخدامها في مجال تعليم الصلاة قصة الإسراء والمعراج وكيف فرضت الصلاة من فوق سبع سموات، وقصة الأذان وكيف اهتم المسلمون باختيار الوسيلة المناسبة لإعلام الناس بدخول الوقت حتى باتوا يحلمون بها، وقصة استشهاد خبيب رضي الله عنه وكيف سنّ الصلاة لمن شعر بقرب استشهاده، وقصة عباد بن بشر وكيف منعه حب الصلاة من قطعها رغم رميه بالسهام، وغيرها من قصص الصحابة -رضوان الله عليهم جميعًا.
2 – تعويد الطفل على الصلاة واستنفاره إليها باستخدام التعزيز الإيجابي -التربية بالمثوبة- من خلال الهدايا والجوائز والثناء عليه.
3 – التدريب العملي من خلال توفير القدوة الحسنة والصحبة الصالحة، فتأثير الأقران ربما يفوق تأثير الأسرة والمشاركة العملية، ففرق كبير بين أن آمر الطفل بالصلاة وأنتظره حتى يؤديها وبين أن آخذ بيده إلى المسجد الذي يلقى فيه أصحابه، وفي طريق الذهاب نحكي حكاية ونتناول الحلوى في طريق العودة.
في هذا الإطار التربية بالوعظ والقصة والحدث والمثوبة والقدوة والصحبة والمشاركة نفهم حديث رسول الله ﷺ: “مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر” أخرجه أبو داود.
أما أن يفهم الآباء والمربون أن دورهم هو قولهم للطفل إذا بلغ السابعة: “صلّ يا ولد”، ثم ضربه إذا بلغ العاشرة فهذا ظلم لحديث النبي ﷺ، والعقاب هنا ليس الهدف منه هو الإهانة والقهر والإيلام الجسدي، ولكنه إجراء حاسم نلجأ إليه بعد استخدام جميع الممارسات المذكورة آنفًا، بالإضافة إلى وسائل العقاب دون الضرب من الكف عن التشجيع والثناء، إلى الإعراض المؤقت وإعلان عدم الرضا، إلى العبوس والتقطيب، إلى الزجر، إلى المخاصمة، إلى الحرمان من الأشياء المحببة إلى الطفل، إلى التهديد بالضرب، إلى الضرب بشروطه التي بينها الشرع.
فالأمر بالصلاة والضرب عليها نقطتا البداية والنهاية لعملية تربوية طويلة تحتاج إلى حب وصبر وفكر ووقت وجهد وليسا أسلوبين وحيدين للتربية.
– ولمزيد من التفاصيل المفيدة حول هذا الموضوع يمكنك الاطلاع على الموضوعات التالية:
– الترغيب في حفظ القرآن الكريم
– المنهج السليم لتحفيظ القرآن الكريم
– أطفالنا خلف لحفظة السلف
وإلى كل زوارنا.. شاركوا بآرائكم وتجاربكم حول نفس الموضوع عبر بريد صفحتنا:
[email protected]
د. علاء الدين مختار التهامي