أخي الكريم عبد السلام،
أهلاً بك، وبارك الله فيك، وأثابك على ما تفكِّر فيه، وصدق رسول الله ﷺ حين قال: “خيركم من تعلَّم القرآن وعلَّمه”رواه البخاري، فأهلاً بك يا خير الناس.
أخي الكريم،
قبل أن أحاول أن أضع لك تصوُّراً للبرنامج الذي طلبت، يحسن بي أن أقف وقفاتٍ معك:
1- لا أدري إن كان في دولة الإمارات من قام بمثل هذا المركز أو قريبٍ منه أم لا؟ وهل في إمارتك بالذات من قام بذلك أم لا؟ كلُّ ما أعنيه من ذلك هو تكامل الأعمال وتناقل الخبرات، فمن فضلك اسأل واستقصِ أوَّلا، فإن وجدتَّ شيئاً مشابهاً لما تريد فاستفد من خبرات هذه المراكز، وتعاون معها، ووحِّدوا الجهود، فهذا أَولى.
2- هذا الموضوع يا أخي عبد السلام ليس بالموضوع الهيِّن، ولا يستطيع أن يقوم به فردٌ واحدٌ كي يكون المركز على مستوى آمال الأمَّة، وأنا هنا لا أثبِّطك، ولكنَّني أوضِّح لك حجم ما أنت مقدِمٌ عليه، فالمركز يحتاج فريقاً مدرَّباً وتمويلاً وخبراتٍ شرعيَّةً وفنيَّة، فحاول إيجاد كلِّ هذا ثمَّ ابدأ بالقدر الذي يمكِّنك أو يمكِّنكم من تسيير المركز بصورةٍ مرضية.
3- استتباعاً للنقطة السابقة، يجب أن يتوافر لهذا المركز مبرمجون قادرون على فهم الفكرة، وتحويلها إلى برنامج “Software” مناسبٍ وملائمٍ وعمليّ، وهو أمرٌ ليس بالهيِّن أو المتيسِّر، ولكنَّه موجود.
4- يُلحَق بالنقطتين السابقتين ضرورة وجود المتخصِّصين بهذا العلم الجليل “القرآن وعلومه” ممَّن تتوَّفر فيهم –إضافةً إلى علوم القرآن- فهم الكمبيوتر وكيفيَّة عمله، إذ هذا المركز سينبني في معظمه على طريقة عمل الكمبيوتر، وبالتالي ففهم معلِّم القرآن لآليَّة عمل الكمبيوتر أمرٌ مهمٌّ وضروري، والمعلِّمون المدركون للكمبيوتر قليلون أيضا، ولكنَّهم أيضاً موجودون، ويمكنكم كذلك عقد دوراتٍ تعريفيَّة بالكمبيوتر لمن تجدون فيهم إمكانيَّة استيعاب ذلك.
5- تحفيظ القرآن وتجويده من العلوم التي لا تؤخذ غالباً إلا بالسماع والتسميع، إذ تعليم الناس نطق الحروف ومخارجها وصفاتها وأحكام التجويد يصعب أن يؤخَذ إلا مشافهةً وسماعا، لذلك عليك أن تضع في اعتبارك في البرنامج الخاصِّ بذلك أن يكون معتمداً على الصوت بشكلٍ أساسيّ، ولو استطعتَ أن تجعل بين المتعلِّم وبين البرنامج نوعاً من العلاقة المتبادلة، بحيث يستطيع الجهاز أن يتعرَّف على موطن الخطأ في نطق المتعلِّم فهذا أمرٌ طيِّب، كي أكون أكثر وضوحاً في إجلاء معنى ما أقصد، أدعوك كي تسأل عن كيفيَّة عمل برنامج اسمه “TRS” ” Text Retrieval System” أو القارئ الآليُّ إن صحَّ التعبير، وهو عبارةٌ عن برنامج تدخل فيه أنت ما تشاء من حديثٍ بصوتك ثمَّ يقوم هو بتحويل هذا النصِّ المسموع إلى نصٍّ مقروء، فيتعرَّف البرنامج على الحروف من خلال الصوت، وبمثل هذه الكيفيَّة حاول أن تجعل برنامجكم يتعرَّف على الحروف المسموعة ولكن لا يحوِّلها إلى حروفٍ مقروءةٍ بل يقارنها بما هو مخزَّنٌ في ذاكرته من القرآن، فإن أخطأ القارئ أرسل له إشارة تنبيهٍ إلى وجود خطأٍ دون أن يحدِّده له، فإن أخطأ ثانيةً أرسل له نفس الإشارة، وفي المرَّة الثالثة يسمعه النصَّ الصحيح ويبرزه له مكتوباً أيضا، على أن تكون الإشارة التنبيهيَّة هذه متعدِّدة الأشكال، فهناك إشارةٌ لخطأ الحفظ، وأخرى للتشكيل، وثالثة للتجويد، وهكذا بحيث يعرف القارئ فيم أخطأ. “عموماً سأذكر لك في آخر الاستشارة تصوُّري لكيفيَّة عمل البرنامج”.
6- عليك بمراعاة الفروق العمُريَّة والمستويات الثقافيَّة والتعليميَّة، إذ لكلِّ عمرٍ ما يناسبه، كما أنَّ الناس لا يستوون في إتقانهم للتجويد وللنطق، عوضاً عن كون بعضهم في لسانه علَّةً تمنعه عن نطق بعض الحروف وما إلى ذلك، وهذا يستدعي منك وجود أكثر من مستوى في البرنامج، بحيث تبدأ بالحدِّ الأدنى من ذلك، وهو الحفظ مع نطق كلمات القرآن بطريقةٍ صحيحةٍ سليمةٍ خاليةٍ من أخطاء القراءة والتشكيل.
وبعد هذه المقدِّمة الطويلة، أقدِّم لك محاور برنامج تحفيظ القرآن، مع الوضع في الاعتبار أنَّني لست متخصِّصاً في مجال البرمجة، لذا فلن يكون ما أقدِّمه أكثر من تصوُّرٍ قد يصلح تطبيقه برمجيًّا وقد لا يصلح، أو قد يصلح بعضه ولا يصلح البعض الآخر:
– محورٌ عامٌّ (1): ويشمل إدخال النصِّ القرآنيِّ مكتوبا، وكذلك إدخال قراءة القرآن الكريم بصوت أحد الشيوخ المعتمدين أو عددٍ منهم، بشرط أن يكونوا متقنين تماماً لأحكام التجويد، وأرشِّح في هذا بالترتيب: الشيخ الحصري، ثمَّ الشيخ المنشاوي، ثمَّ الشيخ الحذيفي، وأفضل ترشيح أرشِّحه هو “المصحف المعلِّم” للشيخ الحصري رحمه الله تعالى.
– محورٌ عامٌّ (2): ضرورة أن يحوي البرنامج صوراً ورسوماتٍ توضيحيَّة، وحبَّذا لو كانت هناك رسومات متحرِّكة توضِّح الحكم التجويديَّ مثلا، وأخصُّ بالذكر كيفيَّة نطق الحرف، ومخارج الحروف وصفاتها.
– محورٌ عامٌّ (3): ضع في البرنامج معلوماتٍ عن القرآن الكريم، وتدوينه، وفضله، ومكانته، ومكانة حفظته، وعلومه: أسباب النزول- الناسخ والمنسوخ- غريب القرآن– التفسير- القراءات- الأحرف… إلخ.
فهذه كلُّها عوامل مفيدة، ومعينةٌ على فهم القرآن وفضله، وكذلك هي مشجِّعةٌ على حفظه.
– محور الحفظ (1): تقطيع المادَّة المدخلة حسب وقفات القراءة، بحيث يمكن للمستمع أن يردِّد ما يسمع، ويقف متى شاء دون الحاجة لانتظار نهاية الآية.
– محور الحفظ (2): ربط النصِّ القرآنيِّ المكتوب بالصوت، بحيث يكون متوافقاً معه، فيظهر ما يقرأه الشيخ نصًّا مكتوباً أيضا، وذلك كي يمكن للمستمع متابعة القراءة مع السماع، وهذا أدعى للحفظ.
– محور الحفظ (3): جعل البرنامج فيه خاصيَّة الإعادة لآيةٍ بعينها، وخمس آيات، وعشر آيات، وخمس عشرة آية، وربع حزب، ونصف حزب، وثلاثة أرباع الحزب، ثم حزبٍ كامل، وهكذا حتى نصل للجزء.
وفكرتي من هذا الأمر، أنَّها تعطي من يريد الحفظ قابليَّة التكرار كلٌ حسب قدراته، فمن يحفظ بتكرار آيةٍ واحدةٍ فلتكرَّر له، ومن قدرته خمس آيات فلا بأس، ومن عشر آيات فالإمكانيَّة موجودة، وهكذا، وكذلك هي تعطي الراغب في الحفظ فكرة التدرُّج، فبعد حفظه لآيةٍ وتثبُّته منها ينتقل إلى الخمس، فإذا أتقنها انتقل لعشر، وهكذا.
فاجعل البرنامج يحتوي على أيقوناتٍ تسمح لمستخدمه أن يختار ما يناسبه مساعدةً له وعونا.
– محور الحفظ (4): جعل البرنامج يحوي خاصيَّة الاستماع المسترسل، بحيث يمكن للمستخدم سماع الآيات باسترسال، ممَّا يساعد على تثبيت الحفظ، خاصَّةً لمن تجاوز في حفظه الجزء والجزئين والثلاثة، إلى الثلاثين جزءا.
– محور التسميع (1): أوَّل الخطوات في التسميع ما ذكرته آنفاً من إمكانية تعرُّف البرنامج على صوت القارئ، وتنبيهه مرَّتين عند الخطأ، ثمَّ ذكر التصحيح في الثالثة.
– محور التسميع (2): أن توجد في البرنامج طريقةٌ لتسجيل الأخطاء، بحيث يمكن لمن يسمِّع أن يعرف نقاط الضعف في حفظه وأخطاءه المتكرِّرة، على أن يتمَّ هذا التسجيل بشكلٍ تلقائيٍّ بمجرَّد أن يخطئ من يسمِّع.
– محور التسميع (3): حبَّذا لو حوى البرنامج إحصاءات تفيد المسمِّع، مثل نسبة حفظه لربع الحزب، ونصفه، وهكذا إلى الجزء، وهذا يساعد المسمِّع كي يعرف الأجزاء القويَّة في حفظه والأجزاء الضعيفة، كما يعطيه تخيُّلاً واضحاً لمستوى حفظه العامّ.
– محور التسميع (4): يفضَّل أن يحوي البرنامج إمكانيَّة التسجيل، فيقوم المسمِّع بتسجيل صوته عند التسميع، وهذا يساعده على إتقان الحفظ، كما أنَّه يكون ممتعاً للمسمِّع لأنَّه يسجِّل قراءته الشخصيَّة.
– محور التسميع (5): في القرآن الكريم العديد من المواطن المتشابهة والموجودة في أكثر من سورة، وهذه المواطن مختلفةٌ عن بعضها بعض الشيء، مثل قصَّة آدم عليه السلام في البقرة والأعراف، وقصَّة موسى عليه السلام في أكثر من سورة، وقصَّة عددٍ من الأنبياء في الأعراف وهود والشعراء، وغير ذلك، وهناك تشابه آخر في خواتيم السور، مثل: “إنَّ الله خبيرٌ بما يصنعون” و”إنَّ الله عليمٌ بما يصنعون”، أو “والله بما تعملون خبير” في مواطن و”الله خبيرٌ بما تعملون” في مواطن أخرى، أو “لعلَّكم تعقلون” و”لعلَّكم تذكَّرون”، وغير ذلك، وهذه الخواتيم عادةً ما تُحدِث لبساً عند من يحفظ القرآن الكريم، والحلُّ الذي يقوم به المحفِّظون يكمن في ذكر هذه المواطن لمن يحفظ، فيعرفها ويحفظها ولا يعود يخطئ فيها، وهذا ما أنصح أن يحويه البرنامج، أن يحوي هذه المواطن تحديداً ليسهل التعرُّف عليها عند الحفظ والتسميع.
– محور التسميع (6): لا تنسَ أن يحوي البرنامج المشجِّعات والمحفِّزات، فكلَّما أنهى الحافظ كمِّيَّةً من الحفظ اجعل البرنامج يقدِّم له شيئا، حتى ولو كان بصورة خطاب شكر، أو بطاقة تهنئة أو غير ذلك، أو شهادةٍ كُتِب فيها أنَّ فلاناً الفلانيّ “ويسمح له البرنامج أن يكتب اسمه” قد أتمَّ بفضل الله حفظ عدد كذا من الأجزاء، وتكون هذه الشهادة ذات شكلٍ جميل، ويمكنه طباعتها والاحتفاظ بها على الكمبيوتر وورقيًّا أيضا.
التشجيع يا أخي له دور السحر في النفوس دائما.
– محور التسميع (7): يفضَّل في نهاية حفظ كلِّ جزءٍ أو جزئين، أن يقوم البرنامج بعمل اختبارٍ بسيطٍ وسريع، كأن يطلب منه أن يكمل من قوله تعالى كذا، إلى كذا، وهكذا.
هذا –أخي- ما ارتأيته من محاور للبرنامج، قد تصلح أو لا تصلح، وقد يُقبَل منها شيءٌ ويُرفَض آخر، والأمر لا يعدو أكثر من اجتهادٍ منِّي، أسأل الله تعالى فيه الأجر والمثوبة، ونفع العالَمين.
وفَّقك الله وبارك لك، وأثابك الأجر الأوفى، وأنتظر رأيك واقتراحاتك فيما كتبتُ لك.
وأنصحك بالاطِّلاع على المواقع التالية، ففيها بعض طرق تحفيظ القرآن على الإنترنت:
– الدكتور كمال المصري