تضرب مشكلة البطالة بأطنابها في العديد من البلاد الأوربية، وتشمل قطاعات عديدة من المهن والحرف، وطالت حتى الأكاديميين منهم، إلا أن اليأس لم يعرف طريقه إلى نفوس الأغلبية، ففكروا وابتكروا طرقًا ووسائل للعمل وكسب المال، وقصص بعضهم مشوقة للغاية، وتبعث الأمل في النفوس.. فتعالوا لنعرفها ونتعلم منها، وكيف استفادت الشركات في أوربا منها.
تخرج موريتس ليخنر في معهد الفيزياء في زيورخ بسويسرا، واحتار في العثور على عمل يبدأ به حياته المهنية، إلا أن الرفض كان القاسم المشترك في كل الخطابات التي تأتيه ردًّا على طلبات البحث عن وظيفة التي يبعث بها إلى الشركات والمؤسسات فوجد نفسه يواجه مشكلة كبيرة هي مشكلة البطالة.
إلا أن ليخنر لم ينسَ أنه تعرف من خلال دراسته على بعض المشاكل التي تعاني منها الشركات الصناعية، وكان قد جمع بعض المعلومات حول حاجة الشركات لمقاييس دقيقة لدرجات الحرارة والضغط والرطوبة في تطبيقات صناعية مختلفة.
وبالعودة إلى الكتب والمذكرات الجامعية ومتابعة ما توصلت إليه كبريات الشركات العالمية في هذا المجال، تمكن الشاب السويسري من وضع بعض الأفكار حول ما يمكن أن يكون جديدًا في هذا المجال.
ومن الفكرة إلى التصميم ثم التنفيذ الأولي في مرحلة التجارب، بدأ ليخنر بالاتصال بالشركات التي يمكنها أن تستخدم ابتكاراته، حيث جمع بين عدة فوائد في أجهزته، فهي تقيس درجة الحرارة ومعدل الضغط ونسبة الرطوبة في آن واحد، وتحول النتائج إلى قاعدة بيانات ترتبط إما بلوحة عرض أو بوحدة تشغيل، أي أن التعامل معها يمكن أن يكون آليًّا أو يدويًّا.
الجديد أيضًا هو حجم هذا الجهاز الذي لا يزيد عن 7 سنتيمترات بكفاءة عالية ومهيأ للعمل في ظروف صعبة، فكان الإقبال عليه كبيرًا من مصانع الصناعات الغذائية أولاً، ثم امتدت إلى قطاعات واسعة.
تعامل ليخنر مع تصنيع الجهاز ببساطة، حيث كانت بدايته في ورشة صغيرة في ركن من البيت الذي يسكن فيه، وحرص في كل خطواته الأولى على أن تكون أسعاره أرخص من تلك المتواجدة حاليًّا، ولم ينظر إلى أن الأجهزة التي صممها يجب أن تباع بسعر غالٍ؛ لأنها متميزة وجديدة.
استغرقت تلك المرحلة الأولية 4 سنوات أسس خلالها مع زميل آخر له يعمل في نفس المجال شركة لوضع نشاطهما في إطار تجاري وقانوني في نفس الوقت، وكانا يقومان بتصنيع النماذج الأولية لجهازهم بخامات عادية جدًّا وبشكل مبسط، ثم تواصلت طلبات المصانع على أجهزة الاستشعار التي ينتجانها، حتى أصبح يعمل لديهما الآن 35 شخصًا في الإنتاج والتوزيع والاتصال بالعملاء ومتابعة كل تطور، ومحاولة اللحاق به.
الرزق في البرامج
دانيال ديتس، مثال سويسري آخر لتحدي البطالة والظروف الصعبة، فقد درس البرمجة وعلوم الحاسب الآلي، وعلى الرغم من أن هذا المجال مطلوب بشدة في جميع أنحاء أوربا، فإنه آثر أن يكون مستقلاًّ في بداية حياته العملية؛ لتنفيذ فكرة، كان يعتقد بأنها ستدر عليه ربحًا وفيرًا.
لقد لاحظ ديتس بأن جميع أجهزة الهواتف المحمولة والنقالة تستعمل برامج بلغة جافا. ومع صغر حجم الأجهزة وتعدد الإمكانيات التي تقوم بها والخدمات التي توفرها، وجد أنه من المستحسن أن تكون تلك البرامج تعمل بشكل أسرع، ولا تحتاج إلى مساحة كبيرة للتخزين، فعمل مع أخيه على ابتكار برنامج يؤدي تلك المهام، ونجحا بل وطوراه لاستخدامه في مجالات أخرى تعتمد على البرمجة بلغة جافا، مثل ألعاب الحاسب الآلي بأشكالها وأنواعها المختلفة.
وكان لتصميم هذا البرنامج صدى كبير في الأوساط المهتمة به فقررت إحدى الشركات ضم الأخوين في شركة مستقلة بهما لمواصلة تطبيق هذا البرنامج، وحقق الشابان بفضل مثابرتهما نجاحًا منقطع النظير في هذا المجال.
الطبيب وبيانات المرضى
وفي مجال البرمجة أيضًا انهمك طبيب شاب مع مبرمج للحاسوب في مشكلة بيانات المرضى المتراكمة في المستشفيات والعيادات الخاصة والتي يلاقي الجميع مشكلة في الحفاظ عليها، أو الاستفادة من البيانات الواردة فيها، فصمما برنامجًا متكاملاً يحفظ جميع بيانات المريض، وحتى صور الأشعة وأنواع الأدوية التي تعاطاها ومددها، والأطباء الذين زارهم، أي بمعنى آخر السجل الطبي الكامل لكل مريض.
الفكرة قد لا تكون جديدة، ولكن ما قدمه الطبيب والمبرمج هو ربط جميع كل تلك المعلومات في شبكة لقواعد البيانات، تربط المستشفيات وعيادات الأطباء المهتمين بالمشاركة في تلك الشبكة، مع سجل كامل بأنواع الأدوية المتوفرة في السوق ومواصفاتها وتركيبها، وموسوعة طبية للتشخيص السريع بمجرد إدخال مجموعة من البيانات، ومقترحات للعلاج.
وقد نجح الاثنان في تسويق هذا البرنامج المتكامل، بعد أن تفرغا تمامًا له، وبعد ظهور بوادر النجاح قاما بتأسيس شركة تضم الآن 15 شخصًا لمواجهة الطلبات المتزايدة على هذا البرنامج في سويسرا وألمانيا وحتى موسكو، وذلك بعد 4 سنوات فقط من أول انطلاقة للفكرة.
ساعد نفسك بنفسك
ودائما في مواجهة شبح البطالة، وبعيدًا عن البرمجيات والعلوم الطبيعية والتقنية والاختراعات، ابتكر عدد من الشباب وسيلة جيدة في مجال الخدمات، فقدم موقعًا على الإنترنت يحمل اسم “ساعد نفسك بنفسك” حينما تفقد وظيفتك..
تامر أبو العينين5>