يعرف عن تاريخ الأزهر .. الجامع والمؤسسة أنه نشأ في أول الأمر كمسجد جامع لمدينة القاهرة الفاطمية، شيد الأزهر جوهر الصقلي سنة 358 هجرية/969 ميلادية، كان مخطط المسجد الأصلي زمن بنائه مكونًا من ثلاثة إيوانات حول الصحن، الشرقي منها مكون من خمسة أروقة، والقبلي والشمالي من ثلاثة أروقة، أما الجدار الغربي فلم يكن به أروقة، وكان يتوسطه المدخل الرئيسي.
وفي حوالي 400 هجرية/1009 ميلادية جدد الحاكم بأمر الله الأزهر، وأوقف عليه الأوقاف، ثم تبعه من بعده أهل الخيرات فأصبح يعتمد على أوقاف عظيمة، وفي عام 427 هجرية/1035 ميلادية جُدد الجامع الأزهر في خلافة المستنصر بالله معد بن الظاهر لإعزاز دين الله، ثم اقتفى أثره حفيده الآمر بأحكام الله الذي تولى الخلافة سنة 495 هجرية/1101 ميلادية فأحدث في الأزهر تجديدًا شاملاً، ولما تولى الحافظ لدين الله سنة 524 هجرية/1129 ميلادية جدد في الأزهر أبنية عديدة وأضاف له، ولما انقضت الدولة الفاطمية كانت مساحة الأزهر 13000 ذراع، أي أقل من نصف المساحة الحالية، وقد أصبحت اليوم 26333 ذراعًا أي حوالي 12000 متر مربع.
هذا ما كانت عليه عمارة الأزهر أيام الفاطميين حتى بادت دولتهم من مصر على يد السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبي عام 567 هجرية/1171 ميلادية، ثم عطل صلاح الدين الجمعة به وأغلق الجامع.

الأزهر المملوكي

حين تولى السلطان الظاهر بيبرس حكم مصر؛ عادت صلاة الجمعة للأزهر، وجمع الأمير عز الدين أيدمر -وهو من أمراء دولة بيبرس- الحلي وبعض ما تبدد من أوقاف الأزهر، وانتزعه من أيدي غاصبيه، ثم جدد سقوف الجامع وتبليطه، وكان للأمير بدر الدين بيلبك الخازندار الظاهري يد محمودة في هذا التجديد، فأنشأ رواقًا كبيرًا أوقف عليه المزارع والعقارات، واشترط أن ينفق ريعها على من ينقطع في هذا الرواق لقراءة القرآن الكريم وإسماع كتب السنة المحمدية، وتدريس فقه الإمام الشافعي، وكان هذا الرواق هو أول أروقة التدريس بالأزهر، وبداية تحوله إلى جامعة مرموقة دوليًّا.
* الطيبرسية: في عام 709 هجرية/1709 ميلادية انتهى الأمير علاء الدين طيبرس من إنشاء مدرسته الملحقة بالأزهر، وقرر بها درسًا للفقهاء الشافعية، وتأنق في رخامها وتذهيب سقفها، وفرشها ببسط منقوشة بشكل المحاريب، وجعل في المدرسة خزانة كتب.
* الأقبغاوية: في عام 740 هجرية/1339 ميلادية، انتهى الأمير أقبغا علاء الدين الواحدي من إنشاء مدرسته الملحقة بالأزهر والمتصلة بالمدرسة الطيبرسية، وجعل لها مئذنة هي إحدى مآذن الأزهر الخمس حاليًا.
* وقام الأمير الطواشي سعد الدين بشير الجمدار عام 761 هجرية/1360 ميلادية، بتجديد الجامع الأزهر وصيانة عمارته، وأنشأ على بابه الجنوبي سبيلاً للمياه العذبة كان يعلوه كتّاب لتعليم أبناء فقراء المسلمين، ورتّب في الجامع الأزهر دروسًا لفقهاء الحنفية، وأنشأ للفقراء المجاورين الأزهر مطبخًا يمدهم بالطعام يوميًّا، وأوقف على ذلك أوقافًا جليلة.
* الجوهرية: شيد جوهر القفقبائي الحبشي المدرسة الجوهرية عند الباب الشمالي الصغير للأزهر تجاه زاوية العميان، وذلك عام 844 هجرية/1440 ميلادية.
* قام السلطان المملوكي قايتباي بإحداث تجديد شامل بالأزهر؛ فأنشأ باب المزينين، ومئذنة مازالت باقية، وفسقية وسبيلاً وميضأة، وفي سنة 906 هجرية/1500 ميلادية قام السلطان قنصوه الغوري ببناء مئذنته ذات الرأسين داخل باب المزينين، كما أنه رتب في رمضان 670 دينارًا لمطبخ الأزهر.

الأزهر العثماني

عندما انتهت دولة المماليك بدخول السلطان العثماني سليم الأول مصر؛ اهتم العثمانيون بالأزهر، وكان أبرز ما جرى في الأزهر في ذلك العصر حدثين مهمين:
* الأول: في سنة 1161 هجرية/1748 ميلادية، حيث تم تثبيت عدة مزاول لمعرفة المواقيت ووضع إحداها في ركن صحن الأزهر على يسار الداخل.
* الثاني: ما أحدثه الأمير عبد الرحمن كتخدا في الأزهر سنة 1167 هجرية/1753 ميلادية، من زيادات وعمارة، ومنها: زيادته في رواق القبلة، وتجديده باب المزينين وباب الصعايدة، والمدرسة الأقبغاوية والمدرسة الطيبرسية، وإنشاؤه كتّابًا لتعليم فقراء المسلمين، وزيادته مساحة رواق الشوام، وتجديده رواق المكيين والتكروريين.
* وقد ظل الأزهر عامرًا بالدروس والعلم فكانت أروقته تضم طلابًا من شتى أرجاء المعمورة، ومن هذه الأروقة: رواق السودانية، ورواق المغاربة، ورواق الجبرت وكان خاصاً بالطلاب القادمين من الحبشة وإرتيريا والصومال، ورواق البرنو وكان يضم الطلاب القادمين من السنغال ونيجيريا وغينيا وغانا، ورواق تشاد، ورواق النوبة، ورواق اليمن، ورواق الشام، ورواق إندونيسيا، ورواق الهند، ورواق الحرمين، ورواق الأفغان.

هيئات الأزهر

يشمل الأزهر في وضعه الحالي الهيئات الآتية:
– المجلس الأعلى للأزهر.
– مجمع البحوث الإسلامية.
– إدارة الثقافة والبحوث الإسلامية.
– جامعة الأزهر.
– المعاهد الأزهرية.
– دار الكتب الأزهرية.
– لجنة الفتوى.
ويرأس شيخ الأزهر المجلس الأعلى للأزهر، ومقره مبنى المشيخة الذي كان يقع إلى جوار الجامع الأزهر إلى عام 1999، حيث تم نقله إلى بناية جديدة شيدت على الطراز المعماري الإسلامي، وذلك بالقرب من الجامع الأزهر أيضًا، وتبلغ مساحة هذه البناية 6 آلاف متر مربع، وهي أكبر بكثير من سابقتها، فضلاً عن مناسبتها معماريًّا لمبنى المشيخة، فقد شيدت لكي يكون بها مركز معلومات خاص بالمشيخة، فضلاً عن مكاتب أمين عام الأزهر، ووكلائه، والعلاقات العامة، وترتفع هذه البناية إلى ستة طوابق
.

* المعاهد الأزهرية

:وهي معاهد أُنشئت بهدف تجهيز الطلاب الصغار للالتحاق بجامعة الأزهر، أخذت هذه المعاهد شكلاً حديثًا منظمًا منذ عام 1930 حين صدر قانون إصلاح الأزهر على يد الشيخ الظواهري شيخ الأزهر، وكان أبرز هذه المعاهد حينئذ المعهد الأزهري بالقاهرة، ومعهد الإسكندرية، ومعهد الزقازيق، ومعهد أسيوط، ومعهد دمياط، ولكن سيظل معهدان هما الأفضل طيلة تاريخ الأزهر، وهما معهدا طنطا ودسوق، فقد درس وتخرج فيهما أبرز علماء الأزهر في السنوات الأخيرة ومنهم الدكتور محمد حسين الذهبي، وفضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي، والدكتور يوسف القرضاوي، والدكتور علي السايس، والدكتور محمد عمارة، والدكتور محمد عبد المنعم النمر، والشيخ عبد الرحمن بيصار، وغيرهم كثيرون، وفي السبعينيات وبتشجيع من الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر انتشرت المعاهد الأزهرية في كافة أرجاء مصر، في القرى والمدن، كما تبنى الأزهر تشييد ورعاية معاهد أزهرية خارج مصر، وفي مشيخة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق أولى اهتماماً شديدًا برعاية كتاتيب تحفيظ القرآن الكريم في مصر والتي كادت تندثر.
*جامعة الأزهر
:
بدأت جامعة الأزهر في ثوبها المعاصر سنة 1930 مع قانون إصلاح الأزهر، حيث أُسست كليتان هما اللغة العربية والشريعة، وبعد قانون 1961 وهو قانون تطوير الأزهر أصبحت جامعة الأزهر تتكون من الكليات الآتية: كلية أصول الدين، وكلية الشريعة، وكلية المعاملات والإدارة، وكلية البنات الإسلامية، وكلية الهندسة، وكلية الطب، وكلية الزراعة.
وقد خصصت الحكومة المصرية لجامعة الأزهر مقرًا جديدًا في مدينة نصر بالقاهرة حيث توسعت الجامعة في هذا المقر، كما فتحت لها فروعًا في أغلب محافظات مصر، أكبرها فرع جامعة الأزهر بمدينة أسيوط، وتعد جامعة الأزهر أكبر الجامعات المصرية والعربية.

*دار الكتب الأزهرية

:
كان في الأزهر خزائن كتب في كافة أروقته، وسعى الأوربيون في القرن التاسع عشر إلى نهبها، غير أن الشيخ محمد عبده تنبه إلى ذلك فسعى إلى جمع مكتبات الأروقة في مكتبة أزهرية عامة، وتم قيد هذه الكتب في سجلين شاملين بلغ ما سجل فيهما 18564 مجلدًا، واستغلت المدرسة الأقبغاوية الملحقة بالأزهر كمقر للمكتبة إلى عام 1994، حيث نقلت المكتبة إلى مقر جديد يعرف حاليًا بدار الكتب الأزهرية، وهي دار شيدت وفق نظم المكتبات الدولية المعمارية، كما تم وضع نظام حديث لإدارتها.
وتعود أهمية دار الكتب الأزهرية لاحتوائها على نوادر من المخطوطات الإسلامية، لا يوجد مثيل لها في أي دار أخرى في العالم، كما زاد من أهميتها مجموعة المكتبات الخاصة التي أهديت لها، ومنها: مكتبة سليمان باشا أباظة التي أهداها ورثتها للأزهر عام 1889، ومكتبة حليم باشا التي أهديت للأزهر عام 1912، ومكتبة الشيخ عبد القادر الرافعي التي أوقفت على الأزهر سنة 1927م، وبدار الكتب الأزهرية تحف فنية إسلامية منها: صناديق مصاحف، ومصاحف مملوكية وعثمانية، وأدوات فلكية، وأقلام أثرية.
*

مجمع البحوث الإسلامية:

أنشئ مجمع البحوث الإسلامية عام 1961، وقد حلت هذه المؤسسة محل هيئة كبار العلماء التي كان لها هيبة ووقار وتحاط بالاحترام من المسلمين في جميع أنحاء العالم، وكان إنشاء المجمع بناء على قانون تطوير الأزهر الذي أقره مجلس الشعب المصري عام 1961، ويعد مجمع البحوث هيئة فقهية تختص ببحث المشكلات الكبيرة التي يواجهها المجتمع المسلم، وبيان الرأي الحاسم والقول الفصل فيها، وقد قام المجمع في عهد الشيخ جاد الحق علي جاد الحق بدور بارز في مواجهة ما حاول مؤتمر القاهرة الدولي للسكان الذي عقد في عام 1994 تمريره، مثل الإجهاض والشذوذ وزواج المثلين وغير ذلك، كما يتابع المجمع ما يصدر من مؤلفات تناهض الإسلام، كما يتابع المجمع قضايا الأقليات المسلمة في العالم، ويضم المجمع في عضويته 35 عالمًا، و12 لجنة، ورغم الدور الكبير الذي يقوم به المجمع إلا أن غالبية علماء الأزهر مازالوا يأملون عودة هيئة العلماء التي أسست عام 1931.

لجنة الفتوى

كان أول مَن فكّر في إنشاء لجنة الفتوى في الأزهر الشيخ مصطفي المراغي وذلك سنة 1935، وهذه اللجنة تعد ذات مرجعية مهمة لكل المسلمين على مستوى العالم، وكان أول تشكيل للجنة يضم مجموعة من كبار العلماء، تولى بعضهم مشيخة الأزهر فيما بعد، ومنهم: الشيخ محمود شلتوت والشيخ محمود السبكي، والشيخ محمد عبد الله دراز، ومن أشهر من تولوا رئاسة اللجنة الشيخ عطية صقر الذي أصدر موسوعة كبيرة لفتاواه وصلت إلى أكثر من ثلاثين جزءاً، وكل جزء يحوي عدة أبواب تجمع الفتاوى في قضية أو مجال معين. ومن أبرز أعضاء اللجنة المعاصرين الدكتور علي جمعة أستاذ أصول الفقه بالأزهر، ويتردد على اللجنة يوميًا خمسمائة شخص من الرجال والنساء، ويتم قيد أسئلتهم وإجابات أعضاء اللجنة عنها للاستعانة بها عند اللزوم