لديه 28 مقالة

نادرًا ما نجد في الـمصادر التُّراثية الإسلامية القديمة ألفاظا من مثل: “العيش” أو “التعايش” أو “العيش الـمشترك”، بالـمعنى الـمُراد منها في الأزمنة الـحديثة. والسَّبب في ذلك يرجع إلى عدم الانشغال بقضايا الاختلاف؛ حتَّى في مستوى العقائد، وفقًا للمبدأ القرآنيِّ الكريم:{لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ}[البقرة: 256] و {فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}.[الكهف: 29] على أنَّنا نجد

لا يتوقَّف مفهوم الدعاء في فهم بديع الزمان سعيد النُّورسِي عند حدود المعنى العام الشائع لدى أغلبية المسلمين؛ وإنَّما يتعدَّاه إلى فضاء أرحب بحيث يشمل كلا من: العبادات والـمعاملات {رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ}.[إبراهيم: 40] {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا}.[مريم: 48]

إننا في أمسِّ حاجة اليوم إلى تحرير العقل من الإقتداء العاجز والمتابعة الـمُسلِّمة، وتطهير السُنة من الأحاديث المكذوبةِ والأقوال المشوبةِ، وتطوير الفقهِ في حدود ما أنزل الله وبلغ الرسولُ، ليطابقَ مقتضيات العصْر ويجابهَ مشكلات الحضارة، ثم عرض هذا الإسلام الصادق الصافي على الناس في معرض واضح ومظهر جاذب ومنهج قويم.

إن صعوبة البحث في منظومة القيم الإسلامية لا تعود بالأساس إلى غموض في الموضوع، أو انغلاق في نواحيه؛ وإنما لاتساعه وترامي أطرافه، ورحابة مراميه، ولم لا؟ والبحث فيها بحثٌ في الإسلام كلّه، بما أنه دين القيم الذي أمر – أول ما أمر- ودعا – أول ما دعا- إلى قيمة إنسانية وروحيَّة عليا هي القراءة، وتلقي

تعدُّ العبادة بمثابة الغاية الكبرى في كلِّ رسالة إلهية؛ بحسب ما تفيد الآية القرآنية: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُون}. (الأنبياء: 25) كما وصف بها سبحانه ملائكته المقربون، فقال تعالى: { وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُون }

لا زلت أعتقد اعتقادا جازما بأن بحث قضايا التسامح والحوار في “الفهم الإسلامي” لا يمكن أن ينفصل بحال من الأحوال عن مسألتين رئيستين، أولاهما: مسألة الشهود الحضاري للأمة الأوسط، وثانيتهما: مسألة الاستخلاف الإلهي للإنسان في الأرض. ففيما يتعلق بالمسألة الأولى – مسألة الشهود الحضاري للأمة الوسط تبعا للآية الكريمة: ﴿وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا