تجرى بكل خفة تضحك ضحكات رقيقة بريئة مثل الطيف الهادئ تسبح بخيال البعض وترسم الآمال والأوهام .
تغزل خيوط وتصطاد لتبنى عرشها وتظل تغزل وتجذب وتسحب وترمى بحبالها ولها أذرع تقوى حبالها وفى لحظات بدأت تلك الحسناء تظهر على حقيقتها وتظهر قبح ما تحمل.. امرأة عجوز شمطاء ساحرة أتت لتأكل الأخضر واليابس.
نشأت العلمانية في الغرب بسبب طغيان رجال الكنيسة وهيمنتهم وطغيانهم وفسادهم واستغلال السلطة الدينىة لتحقيق أهوائهم ومطامعهم الشخصية تحت ستار القداسة .
والعلمانية كلمة غير موجودة في المعاجم اللغوية القديمة ، وفي المعجم العربي الحديث : علماني غير كنسيا أو دينيا أي لا يعترف بالدين .
والترجمة الحقيقية باللغة الإنجليزية للعلمانية هي : لا دينية ولا مقدس ولا غيبية فاللادينية هي فصل بين الدين والحياة أي صرف الناس عن الدين وانشغالهم بالحياة فقط .
ولقد انتبه المسوقون للعلمانية في بلاد الإسلام إن دخلوا بها على الناس بمعناها اللادينية أنهم بفطرتهم الإسلامية يرفضونها فحرفوها وغيروا معناها ؛ لكي يتوغلوا بها في المجتمعات الإسلامية . فكان اصطلاح العلمانية ليربطونها بالعلم حتى ينخدع الآخرون بالفكرة وإيهام الناس أنها السائدة في العالم .
ولقد انخدع السذج وأدعياء العلم فقبلوا بالمذهب العلماني دون أن ينتبهوا لمكائد العلمانية وخطورتها على بلاد الإسلام ، ويظهر مدى سوء العلمانية عندما ذكرت دائرة المعارف البريطانية أن العلمانية : هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس عن الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بالحياة الدنيا وحدها .
وعندما تحدثت دائرة المعارف البريطانية عن الإلحاد قسمته إلى قسمين : إلحاد نظري وإلحاد عملي وجعلت العلمانية ضمن الإلحاد العملي .
وتقول دائرة المعارف الأمريكية : العلمانية الدنيوية هي نظام أخلاقي أسس على مبادئ أخلاق الطبيعة ومستقل عن الديانات السماوية .
فالعلمانية في الاصطلاح هي : دعوة إقامة حياة بدون دين .
بدأ انتشار الفكر العلماني الغربي في الوطن العربي مع دخول الاحتلال الفرنسي إلى مصر في عام 1798م .
فبخروج الحملة الفرنسية كانت البداية لبناء جيل مثقف علماني الذي يدين بالولاء لأصول الحضارة الأوربية الناهضة ، وعندما بدأ محمد علي في بعث البعثات إلى الغرب كان له الأثر الكبير في رسوخ العلمانية وتطورها في مصر ، فقد أرسل مشايخ الأزهر إلى الغرب ليتعلموا ويدرسوا هناك ، وتمكنت العلمانية من بعضهم ليعودوا إلى مصر مفتونين بالعلمانية والحضارة الغربية . فلم يأتوا بالتقدم المادي لأوروبا بل بالأسس التي قامت عليها الحضارة الأوربية : فصل للدين عن الحياة العامة وخاصة النظم السياسية ، وإطلاق الحريات الشخصية والمساواة بين الرجل والمرأة .
ومن الذين أدخلوا العلمانية مصر وكانوا من مؤسسيها والداعين لها وأفنوا حياتهم لترسيخها في مصر لمحو كل ما هو إسلامي ، وبمعنى أصح علمنة المسلمين : أحمد لطفي السيد ، أحد رواد التنوير المصري في النصف الأول من القرن العشرين آمن بالليبرالية أو مذهب الأحرار، كما كان يسميه، فعمل على نشرة والدعوة إليه ، يمكن أن نعتبره أعمدة مشروع أحمد لطفي السيد وهى القومية المصرية والليبرالية وبالضرورة العلمانية التي تحتضن القومية والليبرالية.
أعلن أحمد لطفي السيد في أكثر من مناسبة رفضه التام لخلط الدين بالسياسية ، وقد أبدى لطفي السيد دائما معارضته لفكرة الجامعة الإسلامية وكان يرى أن هذه الفكرة تراود البعض من قليلي الخبرة السياسية في مصر نتيجة سياسات أوروبا الداعمة لاستقلال دول البلقان عن الدولة العثمانية، لاعتقادهم أن أوربا تساعد هذه الدول لأنها مسيحية، وأن الأمر في النهاية يدور حول المصالح وليس العقيدة فيقول : ” علمنا التاريخ، وطبائع البشر أنه لا شيء يجمع بين الناس إلا المنافع، فإذا تناقضت المنافع بين قلبين استحال عليهما أن يجتمعا لمجرد القرابة في الجنسية، أو وحدة في الدين” ثم يؤيد كلمة أستاذ براون في جامعة كمبردج التي وصف فيها فكرة الجامعة الإسلامية بأنها خرافة.
كما رفض لطفي السيد تماما فكرة أن جنسية المسلم هي دينه ، إذا يرد على هذه الفكرة بقوله : “كان من السلف من يقول بأن أرض الإسلام وطن لكل المسلمين. وتلك قاعدة استعمارية تنتفع بها كل أمة مستعمرة تطمع في توسيع أملاكها ونشر نفوذها كل يوم فيما حوليها من البلاد. تلك قاعدة تتمشي بغاية السهولة مع العنصر القوى الذي يفتح البلاد باسم الدين، ويحب أن يكون أفراده كاسبين جميع الحقوق الوطنية في أي قطر من الأقطار المفتوحة ليصل بذلك إلى توحيد العناصر المختلفة في البلاد المختلفة حتى لا تنقض أمة من الأمم المفتوحة عهدها، ولا تتبرم بالسلطة العليا، ولا تتطلع إلى الاستقلال بسيادتها على نفسها.”
كما ينتقد لطفي السيد في أكثر من موضع فكرة أن “شكل الحكومة قضاء من الله” أو مقولة “ربنا يولي من يصلح” خاصة إذا صدرت من أحد السياسيين الذين يطلق عليهم “سياسيين الصدفة” لأنهم لا يدركون أنهم جزء من الإرادة العامة للأمة “التي يجب أن يخضع لها كل عظيم، وأن مقامها فوق كل مقام”، بما لا يدع مجال للشك أن الأمة هي مصدر السلطة وليس الله.
كذلك يؤكد أحمد لطفي السيد على أن السيادة للأمة وأنها مصدر السلطات وهي من يقرر ما هو الحق والعدل وما هو المنفعة وليس أي أحد آخر ، فيقول بعد أن يؤكد على نسبية المنفعة: “كل منا يعلم حق العلم ما يلزمه، وكل منا هو دون غيره الذي يحكم حكما حقيقيا على وجود منفعته” ، ويقول عن الحق والعدل: “على ذلك، إذا كان الرأي العام ليس منطبقا على الحق والعدل في ذاتهما، فإنه على الأقل منطبق على الحق والعدل على الوجه الذي به تفهمهما الأمة وتحتملهما فيجب أن يعتبر الرأي العام هو الحق الذي يجب إتباعه والقانون الذي يجب تنفيذه” .
فمنذ أن فرض الاستعمار سيطرته على العالم الإسلامي جرت محاولاته لإقصاء المنهج الإسلامي في الشريعة والاقتصاد والعلم ، وإحلال منهج علماني بديل منه ، وفرض قانون وضعي بديل عن الشريعة الإسلامية وكانت الدعوة تنطلق من خلال النظام السياسي الذي كان يقوم به رجال الليبرالية كأساس للمنهج السياسي للدول العربية بعد استقلالها ، وهو على أساس إنشاء برلمان ودستور وأحزاب ، ولقد حرصت هذه الدعوات على إزالة العقبات في وجهه العلمانية ، وركزت على الوطنية والفصل بين الوطنية ومفهوم الأمة العربية والوحدة الإسلامية .
فكانت العلمانية استعمار للفكر والإرادة والعقل وتغيير المفاهيم والمعتقدات وعلمنة المسلمين ، استعمار جديد يغزو العالم الإسلامي واستعبادهم بأيدي أبناء وطنهم لصالح الأعداء .